خسائر جسيمة وتعويضات متفاوتة وهزيلة

خسائر جسيمة وتعويضات متفاوتة وهزيلة

عانى المزارع السوري الأمرّين هذا العام، كما كل عام، من ارتفاع أسعار معظم المواد اللازمة للإنتاج ومستلزماته، من بذور وسماد ومبيدات وأجور يد عاملة، إلى ارتفاع سعر المازوت مما أثّر على أسعار النقل، وشكّل عبئاً إضافياً في حال الحاجة لاستخدام المولدات لاستجرار المياه للري، أو غير ذلك من نفقات وتكاليف كثيرة أخرى.

يضاف إلى كل ما سبق أعلاه المعاناة من موجات الصقيع والرياح العاتية، ومتغيرات المناخ عموماً، التي أثّرت على معظم المحاصيل الزراعية، وشكّلت خسائر إضافية ثقيلة على المزارعين لم تكن بالحسبان.
وعلى إثر موجة الرياح التي حدثت خلال شهر آذار الماضي تم الوعد بتعويض المزارعين عن الخسائر التي لحقت بهم من صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية، وقد تم تشكيل لجان لهذه الغاية.

التعويضات المتأخرة

بعد أربعة أشهر من موجة الرياح، تمت الموافقة من قبل مجلس إدارة صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية على الإنتاج الزراعي خلال اجتماعه الذي عقد في الرابع من الشهر الحالي (تموز) في وزارة الزراعة برئاسة وزير الزراعة على التعويض على المزارعين المتضررين نتيجة الرياح الشديدة الحاصلة في بداية شهر آذار لهذا العام.
وعلى الرغم من تأكيد وزير الزراعة، خلال الاجتماع نفسه، على ضرورة الإسراع في حصر الأضرار عند حدوثها، وعدم التأخير في التعويض على المزارعين للاستفادة من المبالغ المستحقة بنفس الموسم، إلّا أنّ هذا التأكيد والتعويض جاء متأخراً ما يقارب الأربعة أشهر على المتضررين!
فخسائر المزارعين المعوضين كانت قد تمت في منتصف آذار، وقرار الموافقة على التعويض تمّ في هذا الشهر، مع عدم ورود أي خبر عما إذا كان المزارع قد استلم المبالغ حتى الآن أم لا!
وعلى الرغم من الانتظار الطويل للمزارعين، إلّا أن قرار التعويضات- بغض النظر عن تراجع القيمة الشرائية لليرة السورية خلال الأشهر الأربعة- جاء بمبالغ هزيلة لا تكفي إعادة الإنتاج، ولا تشجع المزارعين على إعادة زراعة أرضهم، بل قد تشجعهم على ترك الزراعة من أساسه، لأنّ إمكانية الخسارة أصبحت عالية و(التعويضات) لا تسمن ولا تغني من جوع.

ضعف التعويضات وفوارق التقييم

الموافقة على صرف التعويضات أعلاه، نتيجة الرياح الشديد الحاصلة في بداية شهر آذار لهذا العام، شملت المتضررين في العديد من المحافظات والمناطق.
نرفق لكم جدول تكثيفي للبيانات المعلنة بنتيجة الاجتماع، يبين المساحات المتضررة وأنواع المحاصيل التي تم التعويض عنها، وأعداد المزارعين المستفيدين من التعويضات التي تم الموافقة على صرفها.

1080-i1

الجدول أعلاه يوضح أن إجمالي المساحات المتضررة في المناطق المذكورة تجاوزت 20 ألف دونم، وقد تجاوز إجمالي التعويضات المقرر صرفها من الصندوق مبلغ 1,4 مليار ليرة، وبوسطي تعويض لكل دونم بما يقارب 640 ألف ليرة.
بالمقابل يبين الجدول الفوارق الكبيرة في التعويضات بين منطقة وأخرى، وبين محصول وآخر، وصولاً إلى الفوارق في التعويضات لكل مزارع بالنتيجة.
فأقل حصة تعويض للدونم كانت من نصيب ريف دمشق بوسطي 11 ألف ليرة لكل دونم، وكذلك بالنسبة لحصة المزارع في هذه المنطقة التي تقدر وسطياً بـ85 ألف ليرة، مقابل أكبر نسبة لحصة الدونم والتي كانت من نصيب منطقة طرطوس وبانياس بوسطي 690 ألف ليرة، بينما كانت أعلى نسبة لتعويضات المزارعين من نصيب منطقة محردة بوسطي تجاوز 1 مليون ليرة.
فهل التباين بالحسابات الرقمية أعلاه مقترنة بنوع المحصول المتضرر وحجمه التقديري في كل منطقة، أم لخلل في عمليات التقييم للأضرار من قبل اللجان في هذه المناطق؟!

تعويض هزيل ومتآكل

بمطلق الأحوال فإن حجم التعويضات أعلاه لا تغطي إلا جزءاً من حجم الخسائر التي لحقت بالمزارعين في المناطق المذكورة.
فماذا يفعل وسطي التعويض لكل مزارع البالغ 640 ألف ليرة بالمقارنة مع تكاليف موسمه وخسارته فيه؟
وماذا يغطي هذا المبلغ من تكاليف المعيشة الشهرية بالنسبة لأسرة هذا المزارع؟
ليضاف إلى ذلك عامل التآكل الذي جرى على القيمة الشرائية لليرة خلال الأشهر الأربعة الفائتة أيضاً!
فما كان يمكن أن يؤمنه هذا المبلغ قبل هذه المدة لن يؤمنه الآن، سواء بالنسبة لأسعار مستلزمات الإنتاج والعملية الإنتاجية التي ارتفعت بشكل كبير خلال هذه المدة، أو بالنسبة لأسعار ضرورات الحياة المعيشية والخدمية، التي تضاعفت هي الأخرى!

الحديث الخلبي عن الدعم

لن تقف هزالة التعويضات عند الحدود أعلاه على ما يبدو، فبحسب وزير الزراعة خلال الاجتماع: «البيوت المحمية المرخصة سيتم التعامل معها لاحقاً وفق التأمين الزراعي الإلزامي، مؤكداً على ضرورة وضع دليل واضح للمعايير الفنية لزراعة البيوت المحمية والالتزام بها».
أي إعفاء «صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية على الإنتاج الزراعي» من مسؤوليته عن تغطية خسائر المزارعين بما يخص الزراعات المحمية لاحقاً، وستقوم بهذه المهمة بدلاً عنه شركات التأمين، طبعاً لقاء اقتطاعات تأمينية من حساب المزارعين عن كل بيت بلاستيكي «مطابق للمعايير الفنية»!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن شركات التأمين سيتوسع دورها لاحقاً ليشمل المحاصيل الزراعية أيضاً، وذلك بحسب الخطط الموضوعة والمعلنة من قبل وزارة الزراعة بالتعاون مع شركات التأمين بهذا الصدد، وأيضاً لقاء اقتطاعات من حسابات وجيوب المزارعين، مع ضمان الأرباح لشركات التأمين على حساب المزارع المنتج وعلى حساب المستهلك بالنتيجة، وفي النهاية لن يكون هناك أي دور لصندوق الجفاف والكوارث!
فكل الحديث الرسمي عن دعم الإنتاج الزراعي ما هو إلا حديث خلّبي، اعتباراً من الدعم المتآكل تباعاً لمستلزمات الإنتاج تماشياً مع سياسات تخفيض الدعم وصولاً إلى إنهائه، وليس انتهاء بالتعويضات جرّاء الكوارث!
فالمزارع المتضرر، وفي ظل هذا النمط من التعويضات الهزيلة، مع استمرار سياسات قضم الدعم عن مستلزمات الإنتاج وصولاً إلى إنهائه، مع مسيرة التضحية بمهام صندوق الجفاف والكوارث، ربما لن يطول به الأمر لاستنكاف الزراعة وهجرة الأرض، وطبعاً مع ما يتبع ذلك من سلبيات يتم حصادها على مستوى الإنتاج الزراعي وأسعاره بالنسبة للمستهلك، وعلى مستوى الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني ككل!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1080