أزمات احتياجات المواطن كالنار تحت الرماد
عبير حداد عبير حداد

أزمات احتياجات المواطن كالنار تحت الرماد

عادت أزمة تأخر استلام الغاز المنزلي لتطفو مجدداً على صفيح الأزمات السورية، فالأزمات بمجملها ليست جديدة بل قديمة، ولكنها تتعاظم وتتعمق تأزماً مع مرور الوقت مما يجعلها تطفو على السطح مع كل تفاقم جديد وبشكل دوري، محدثة ذاك التراكم الذي يعترك المواطن ويسوقه نحو المزيد من التدهور المعيشي...

الفاقع بما يخص مدة استلام رسائل الغاز المنزلي أنها تخطت في وقتنا الحاضر حاجز الـ 120 يوماً، ما يعني ازدياد معاناة المواطن بالدرجة الأولى، وازدياد طلبه على المادة عبر السوق السوداء بكلفها الباهظة، بغض النظر عن جملة الأسباب التي باتت شماعة تعلق عليها نتائج ذاك التدهور المتسارع والمتروك بلا حل جدي من قبل المعنيين.

تجدد الأسباب

أظهرت النتائج الجديدة لتتبع أصل أزمة الغاز الجديدة، أن السبب الرئيسي يكمن في معمل غاز عدرا، وذلك حسب تصريح مصدر في جمعية معتمدي الغاز بدمشق، حيث عزا ذلك بسبب نقص اليد العاملة في المعمل، مما جعله يعمل بوردية واحدة، وبوسطي إنتاج 12 ألف أسطوانة يومية توزع بين دمشق وريفها...

تصريحات وشهود

إن السبب أعلاه، انعكس على واقع مدة استلام الغاز من قبل معتمدي الغاز في دمشق وريفها، فبحسب تصريح مصدر في جمعية معتمدي الغاز بدمشق أن «المعتمد سابقاً كان يحصل على مخصصاته خلال 70 أو 80 يوماً، أما الآن تتراوح بين 90 و100 يوم في دمشق وبين 110 أيام و130 يوماً في ريف دمشق».
كما أكد المعتمدون أنهم يعانون من طول فترة الانتظار أمام معمل الغاز، ومدة الانتظار لم تعد محصورة بعدة ساعات بل أصبحت تتجاوز اليوم واليومين وحتى الثلاثة، والمعتمد هنا أمام خيار إما الانتظار أمام معمل الغاز عدة أيام متواصلة، أو أن يعاود المحاولة في اليوم التالي، وهكذا دواليك.

المعاناة كنتيجة

أدت تلك الأسباب في نهاية الأمر إلى زيادة معاناة شريحتين:
الأولى: تتمثل بالمعتمد، الذي يضطر إلى انتظار دوره غير معروف المدة، مقتطعاً ذلك من راحته ووقته، ففي نهاية المطاف هو مواطن حاله كحال أي مواطن آخر لديه واجبات ومسؤوليات، ناهيك أن عدم وجود دور واضح المدة يزيد على عاتقه تكاليف إضافية، على سبيل المثال تكلفة المحروقات التي يصرفها ذهاباً وإياباً دون جدوى، والمكررة لأيام حتى حصوله على حصته من الغاز.
والثانية: المواطن، حيث تجاوزت مدة استلام رسائل الغاز 120 يوماً، أي ما يزيد عن 4 أشهر، وعلى المواطن أن يغطي الفاقد المقدر بـ 3 أسطوانات غاز عبر السوق السوداء المتخمة بالمحروقات بجميع أنواعها، هذا إن استطاع تحمل تكلفة أسطوانة واحدة فقط، والتي وصل سعرها إلى حدود الـ170 ألفاً في السوق السوداء، أي ما يعادل وسطي راتب موظف لمدة شهرين، وما يفقأ العين أن المدة الرسمية لتبديل أسطوانات الغاز ما زالت 23 يوماً، لكن مع وقف التنفيذ.
كما أدى تعديل تسعيرة المازوت لسيارات النقل، إلى رفع أجور نقل أسطوانات الغاز على المواطن أيضاً، حيث صدر يوم 12 تموز الجاري قرار برفع سعر أسطوانة الغاز في دمشق، لتصبح أسطوانة الغاز المنزلي سعة 10 كغ بـ 10700 ليرة عبر البطاقة وخارجها بـ 31300 ليرة، أما سعة 16 كغ بسعر 43800 ليرة عبر البطاقة الذكية وخارجها بـ 50 ألف ليرة، وكل ذلك من جيب المواطن المغلوب على أمره.

إضاءة على الأسباب الحقيقة

ربما كان نقص العمالة في معمل عدرا أحد أسباب ازدياد مدة استلام رسائل الغاز، خصوصاً أن ظاهرة نقص العمالة، أصبحت معممة ولا تقتصر على معمل بعينه كما في معمل عدرا مثلاً، ويعود السبب في ذلك إلى شح الأجور التي لم تعد تغطي معيشة أيام معدودة لا تتجاوز الأسبوع، وبالتالي لا حل لمشكلة العمالة دون حل مشكلة الأجور غير المتناسبة وواقع المعيشة، ولكن لا يمكن أن نلقي بظلال المشكلة على هذا العامل وحده، فنقص العمالة ليس بجديد، ربما وجب التأكيد أيضاً أن مدة استلام رسائل الغاز تتفاوت من معتمد إلى آخر، خصوصاً أن عملية توزيع الغاز على المعتمدين هي خارج حدود الذكاء الحكومي المؤتمت، وهذا ربما يفتح الباب أمام الفساد ووجود المحسوبيات وإعطاء الأولوية لبعض المعتمدين دوناً عن غيرهم من قبل مكتب القطع في المعمل!
فلماذا لا يتم اعتماد آلية الذكاء كمحاولة لضبط مثل هذه الحالات؟!
لا جديد.. فعملية الرقابة والضبط تجري على الحلقة الأخيرة، أي على عملية استلام المواطن لتلك المواد المدعومة اسمياً، أما ما هو غير ذلك فلا رقيب عليهم ولا سلطان، مشرعاً لهم شتى أنواع الفساد والتلاعب بحاجات المواطن، التي نجد السوق السوداء متخمة بها!
وربما وجب التذكير أن خطة الحكومة، التي تعقد العزم عليها، هي تخفيض الدعم حتى إنهائه، وبالتالي قد يبدو كل ما سبق ذريعة إضافية لتخفيض الدعم!
بينما أزمات قوت الموطن وحاجاته، كالنار تحت الرماد، تارة تتأجج وتارة تخبو، ولكنها لم ولن تنطفئ يوماً، ليس لأنها مستحيلة الحل، بل لأن حلها رهن إشارة معطليها، رغم ما يعلنون من جهود متكاتفة لحلها، ولكن خلف الكواليس تستتر مصالحهم التي تنهش بعداد صبر وعمر المواطن المغلوب على أمره..

معلومات إضافية

العدد رقم:
1080