موسم القمح يسير على نفس الخطى السابقة
يواجه محصول القمح الإستراتيجي، كما كل عام، خطر آثار الجفاف والظروف المناخية السيئة، بالإضافة طبعاً إلى المعاناة من تأمين مستلزمات الإنتاج وارتفاع تكاليفها.
ولا جديد فيما يتعلق بذلك على مستوى الإجراءات الحكومية، فالحديث عن إنجاز وزارة الزراعة للخطة الإنتاجية ما زال ذاته، قولاً وفعلاً ونتيجةً.
الخطة الزراعية وأرقام سابقة
وضعت الخطة الزراعية لموسم القمح 2022 لزراعة نحو 1,5 مليون هكتار، وبحسب حديث سابق لوزير الزراعة فإن هذا العام جيد لزراعة الخطة الإنتاجية الزراعية، التي تميزت بتوفير مستلزمات الإنتاج منذ بداية الخطة، من أسمدة آزوتية وفوسفاتية ومحروقات، التي تم توفيرها وفق برنامج زمني محدد حسب احتياج المساحات المزروعة.
ووفقاً للأرقام الرسمية التي ذكرها الوزير عبر مقابلة مع إحدى الإذاعات المحلية، فقد تم تنفيذ الخطة الزراعية للموسم المروي بنسبة 100%، والموسم البعلي بنسبة 80%، وتهدف الخطة الزراعية لهذه السنة إلى إنتاج ما يقارب 3 ملايين طن من القمح.
ويقارب احتياج سورية من القمح نحو 3,9 ملايين طن من القمح ليغطي كافة الاحتياجات، من طحين إلى معكرونة وبرغل...إلخ، كما بلغ إنتاج سورية من القمح خلال الموسم السابق 1,9 مليون طن، والكميات المسوقة إلى الحكومة لم تتجاوز 360 ألف طن، وباقي الكميات احتفظ بها الفلاحون، وحاجة سورية من القمح سنوياً مليونا طنّ لإنتاج الطحين، وتمّت تغطية النقص الحاصل عبر استيراد باقي الكميات.
خطة وواقع
السويداء: وصلت المساحة المزروعة بالقمح في السويداء إلى 33,244 هـكتاراً بعلاً، و766 هـكتاراً مروياً ضمن مناطق الاستقرار الأولى والثانية والثالثة، يعد المحصول المروي بحالة جيدة، أما المحصول البعلي بحالة جيدة إلى متوسطة، وعدم هطول الأمطار خلال الفترة القريبة سيؤول إلى تضرر مساحات كبيرة من المحصول البعلي.
حماة: بحسب مدير زراعة حماة فإن الحالة العامة لمحصول القمح سواء المروي أو البعل مقبول إلى جيد، كما ظهرت في بعض الحقول المزروعة بعلاً علامات العطش نتيجة تأخر الأمطار والظروف الجوية لهذا العام كذلك الحقول التي تعتمد في ريها على الديزل والكهرباء.
درعا: المساحة المزروعة بالقمح المروي تبلغ 10,800 هكتار والمساحة البعل 82,400 هكتار، وبحسب مدير الزراعة توجد بعض المساحات في وادي اليرموك في منطقة الشجرة تعرضت للغرق نتيجة الأمطار الغزيرة التي هطلت على المنطقة خلال شهر آذار مما نتج عنه تأخر في نمو المحصول وحدوث اصفرار على الأوراق لكن مع ارتفاع درجات الحرارة بدأت بالتحسن وحالتها جيدة.
حلب: المساحة المزروعة بالقمح المروي في محافظة حلب بلغت حوالي 92 ألف هكتار، و42 ألف هكتار مزروعة بالقمح البعل.
الرقة: أكد مدير زراعة الرقة أن الحالة العامة لمحصول القمح المروي جيدة.
إدلب: بلغت المساحة المزروعة بالقمح المروي 3,057 هكتار والبعل 16,980 هكتار، وأكد مدير زراعة إدلب أن المساحات في منطقة الاستقرار الثانية والثالثة تأخر فيها النمو بسبب تعرضها لموجة الصقيع والتأخر في الزراعة وقلة الأسمدة.
اللاذقية: المساحة المزروعة بمحصول القمح بلغت 4,665 هكتاراً بنسبة تنفيذ بلغت 219% من الخطط المقررة، وبحسب مدير الزراعة يوجد أضرار فيزيولوجية واضحة على القمح سببت تأخر في النمو في أكثر من 20% من المساحة المزروعة وذلك بسبب الغدق في بعض الحقول ثمّ الصقيع الذي استمر لعدّة أيام وبعدها مباشرة ارتفاع مباشر لدرجات الحرارة وصل إلى 30 درجة مئوية مما سبب صدمة للنباتات وخاصة في الحقول التي كانت في بداية مرحلة النضج اللبني حيث حدث إجهاد مائي نتيجة الغدق الموجود الذي سبب تعطّل الجذور.
ريف دمشق: المساحة المزروعة بالقمح المروي في محافظة ريف دمشق بلغت 15,259 هكتاراً بنسبة تنفيذ 110 % ومساحات القمح البعل 2,053 هكتاراً بنسبة تنفيذ 92%، وبحسب مدير الزراعة هناك ضعف في النمو في المناطق ذات الهطولات المطرية القليلة والمتأثرة بموجات الصقيع بشهر آذار.
الغاب: المساحة المزروعة بالقمح المروي وصلت إلى 49,266 هكتار و2,919 هكتار بعل وإجمالي المساحة المزروعة 52,185 هكتار، حيث تعد الحالة العامة لمحصول القمح سواء المروي أو البعل في المناطق المذكورة أعلاه مقبولة إلى جيد، وبحسب مدير الزراعة فإن القمح الذي تمت زراعته مكان محصول الشوندر فهو في مرحلة الاستطالة نتيجة التأخر بالزراعة.
أما بالنسبة إلى الحسكة فقد أكّد مدير زراعة الحسكة أن انحباس الأمطار منذ نهاية شهر آذار الماضي أدى إلى الإجهاز على كافة المحاصيل الزراعية البعلية ومن ضمنها موسم القمح البعلي بمساحة مزروعة تصل إلى 243,500 هكتار بنسبة تنفيذ53%، وتعتبر المساحة المروية المقدرة بـ 95,200 هكتار بحالة جيدة بنسبة تنفيذ 90%.
لا عبر من النتائج السابقة
من الملاحظ خلال العرض السابق لحالة المحصول لم يتم التطرق إلى أساليب مواجهة خطر الجفاف على المحصول البعلي ذي المساحة الأوسع، والفاقع في ذلك، أنه لم يجرِ أخذ الدروس والعبر من كارثة العام الماضي فيما يخص محصول القمح البعلي، وما أصابه إثر قلة الأمطار والجفاف الذي أدى إلى خسارته، بل يجري السير على خطا العام الماضي، والاكتفاء بتجيير تلك النتائج على تأثير التغيرات المناخية، دونما اتخاذ إجراءات جدية لتغيير مسار ومألات الكارثة المنتظرة.
فموسم القمح البعلي في الجزيرة أعلنت خسارته بشكل كامل، وقد يتبعه في بقية المناطق نفس النتيجة في حال تأخر الأمطار أكثر، وهو ما جرى عملياً حتى الآن!
معاناة وأسباب
يعاني قطاع الزراعة من تراجع الإنتاج منذ سنوات سبقت الأزمة السورية، وذلك نتيجة لسياسات تخفيض الدعم التي بدأت أولى خطواتها خلال السنوات الأولى من الألفية الثالثة، وازدادت وتيرة التراجع خلال سني الأزمة بشكل متسارع، وذلك بفضل العقوبات والحصار الاقتصادي التي باتت ذريعة أساسية لتحميل أسباب التراجع عليها، حيث تعمقت سياسة تخفيض الدعم أكثر من ذي قبل، كما عممت سياسة استيراد مستلزمات الإنتاج الأساسية لصالح القلة الناهبة من كبار الحيتان، بدلاً عن تعزيز سياسة إنتاجها محلياً، أو تأمينها عبر الدولة في الحد الأدنى، والعمل على خلق البيئة المناسبة لإنجاح تلك الخطوات.
ولعل تراجع الدعم الحقيقي عن مثل هذه المحصول الإستراتيجي، ممنهج نحو إنهائه، باتجاه إحلال الاستيراد كبديل لا بد منه لسد الحاجة، على اعتبار أن القوى الناهبة المسيطرة على صناعة القرار ترى في ذلك مصلحتها النهبوية الربحية.
دليل ملموس كمثال
خير دليل على ما سبق كانت خطوة وزارة الزراعة في توفير المازوت الزراعي لمزارعي القمح المروي فقط، وبالسعر الحر 1700 ليرة لليتر الواحد، وبمدة التسجيل المحددة بـ 72 ساعة، التي أعلنت بصريح العبارة عبر تعميمها فكرة إما انتظار المازوت المدعوم إلى حين توفره، الذي ربما لا يتوفر قبل شهري نيسان وأيار، وهذا بمثابة إعلان رسمي للقضاء على محصول القمح، أو أن يرضخ الفلاح، والمقتدر فقط، على شراء المازوت بسعره الحر عبر السوق السوداء.
فطالما أن هناك إمكانية لتأمين المازوت ضمن الآجال الزمنية المحددة، ومشروط بشكله الحر، فهنا تظهر المشكلة بأنها ليست نقص كميات المازوت المتوفرة، إنما خطوة جديدة نحو تخفيض دعم جديد، مع تعزيز دور السوق السوداء على المادة.
نحو المجاعة
وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فقد أدرجت سورية ضمن البلدان التي ستواجه خطر الانحدار نحو المجاعة العالمية الكارثية.
فرغم أرقام الواقع أعلاه، والتجارب المريرة السابقة، ورغم التحذيرات الأممية، لم يجرِ اتخاذ خطوات فاعلة باتجاه تفعيل سياسة الاعتماد على الذات، من خلال تقديم الدعم الحقيقي للفلاحين عبر تأمين مستلزمات الإنتاج كافة، بل يتم العمل بالضد من المصلحة الوطنية والمواطن.
وطبعاً كل ذلك دفع ثمنه المواطن على شكل مزيد من تعمق الفقر المدقع، والمزيد من انعدام أمنه الغذائي، وسيدفع ثمنها أضعافاً مضاعفة لاحقاً بذريعة تداعيات الأزمة الأوكرانية على الوضع الاقتصادي، التي أدت نحو المزيد من ارتفاع في أسعار الطاقة والغذاء والشحن العالمي، وسيتم استغلال ذلك محلياً كما العادة مع كل الأزمات على أيدي من لا يرحم من شركاء النفوذ والنهب والفساد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1068