إنهاء دعم الأسمدة وتقليص دور المصرف الزراعي التعاوني
تم الإعلان عن إلغاء الدعم على الأسمدة مطلع حزيران الفائت واعتماد البيع «بسعر التكلفة» من قبل المصرف الزراعي، وذلك استناداً لتوصية اللجنة الاقتصادية وموافقة الحكومة عليها بذلك الحين.
وبتاريخ 1/10/2021 صدر تعميم من قبل المصرف يقضي بإيقاف بيع الأسمدة بالسعر «المدعوم»، واعتماد البيع «بالأسعار الرائجة».
الآثار السلبية لإنهاء الدعم على الأسمدة بشكل كلي تتشابك مع الكثير غيرها من مسببات تراجع الإنتاج الزراعي (النباتي والحيواني) وصولاً لإنهاكه، وربما مع نية مبيته بوقف هذا الإنتاج بشكل نهائي، أو استكمال إمكانات التحكم به بالحد الأدنى، عسى ولعل تكتمل حلقات خنقه، بما في ذلك إمكانية استبدال ما يوفره على مستوى الاحتياجات المحلية عبر الاستيراد، وبذلك تتحقق أماني ورغبات كبار حيتان النهب والفساد.
سعر التكلفة والسعر الرائج
الخطوة التي تم الإعلان عنها مطلع حزيران الماضي كانت تتضمن إنهاء الدعم عملياً، لكن ربما مع فرصة ضئيلة للاستفادة من الفارق السعري مع السوق، وهذا ما تضمنته عبارة «سعر التكلفة» في حينه افتراضاً.
ففي تصريح لوكالة سانا بتاريخ 1/6/2021، أوضح مدير عام المصرف الزراعي «أن تسعير الأسمدة في القرار الصادر وفقاً لتوصية اللجنة الاقتصادية تم بناء على التكلفة الحقيقية الواردة إلى المصرف مع إضافة تكاليف الشحن وأجور العتالة والعاملين، مبيناً أنه تمّ التسعير أيضاً دون أي هامش ربح وبأقل من السعر الرائج بمعدل ما بين 10و15% وذلك بهدف تأمين استجرار المادة للفلاحين».
أما الجديد بموجب التعميم الأخير، فهو في عبارة «السعر الرائج»، أي إنهاء دور المصرف الزراعي، حتى على مستوى هذا الفارق السعري البسيط الذي قد يستفيد منه المزارع، والذي تم اعتباره نوع من «الدعم» على ما يبدو، لكن الواضح أنه لم يعد هناك من مبرر لدور المصرف الزراعي في توفير الأسمدة بسعرها الرائج، فهو متوفر عبر حيتان السوق والمتحكمين به بهذا السعر سلفاً.
المصرف الزراعي للإقراض فقط
أجاز قانون المصرف الزراعي التعاوني الصادر بالمرسوم التشريعي 30 لعام 2005، بموجب المادة 3 منه: «أن يقوم بعمليات شراء وبيع وتوزيع مستلزمات الإنتاج الزراعي بنفسه، أو بالمشاركة مع غيره، أو بالوساطة نقداً أو إقراضاً».
وهذه «الجوازية» المنصوص عنها قانوناً عبارة عن دور تدخلي إيجابي لمصلحة المزارعين والقطاع الزراعي، وبالتالي المستهلكين افتراضاً، وهو ما كان يتم خلال السنوات السابقة نسبياً، وإن بشكل جزئي ومحدود، (البذار- الأسمدة- الأعلاف- المبيدات الزراعية- الأدوية البيطرية- شبكات الري بالتنقيط- استيراد الأبقار..) ومع ذلك بدأ تقليص هذا الدور تباعاً وصولاً لإنهاء هذا الدور التدخلي الجوازي.
فبين عبارتي «سعر التكلفة» و«السعر الرائج» تم تحييد دور المصرف الزراعي على مستوى جزء من مهامه التدخلية بما يخص «دعم» الأسمدة، أو غيرها من مستلزمات الإنتاج الزراعي وتوفيرها.
وبعبارة أخرى أكثر وضوحاً، فقد تم تقليص دور المصرف الزراعي إلى هذا المستوى، ليتم استكمال ابتلاع هذا الدور تباعاً من قبل حفنة من كبار حيتان السوق ولمصلحتهم، طبعاً على حساب المزارعين والإنتاج الزراعي والمستهلكين والاقتصاد الوطني ككل.
أما عن دور المصرف على مستوى مهام «دعم» الزراعة فسيقتصر على ما يقدمه من قروض للمزارعين من الآن فصاعداً، وذلك بحسب ما نص عليه القانون: - القيام بجميع الأعمال المصرفية لخدمة النشاط الزراعي بشقيه النباتي والحيواني والمهن والحرف والصناعات والخدمات المرتبطة به أو بمنتجاته- تشجيع الادخار- تقديم جميع الخدمات والتسهيلات المصرفية بمختلف أنواعها وأشكالها.
وبهذا الصدد، فقد سبق أن أكد مدير عام المصرف بتاريخ 1/6/2021 لوكالة سانا: أن «الحكومة تعمل على ايجاد آليات جديدة للاستمرار بدعم القطاع الزراعي والفلاحين، مبيناً أنه تم منذ بداية العام الجاري الإعلان عن خطة طموحة للإقراض في المصرف، تم بموجبها تحديد حجم المبالغ المخطط إقراضها ضمن الخطة التسليفية بقيمة إجمالية تقدر بـ 50 مليار ليرة سورية».
تحت رحمة كبار الحيتان
من المعلوم أن جميع مستلزمات الإنتاج الزراعي، المنتجة محلياً أو المستوردة، مسيطر عليها من قبل حفنة من كبار التجار والمستوردين، متحكمون بها (سعراً ونوعاً وكماً ومصدراً)، بما يحقق لهؤلاء أعلى هوامش ربح احتكارية ممكنة، وحتى المحروقات لم تعد استثناءً بذلك، فالكميات المخصصة بالسعر «المدعوم» للعمليات الزراعية غير كافية على الإطلاق، مما يضطر المزارعين للجوء إلى السوق السوداء لتأمين احتياجاتهم الزراعية بسعرها المرتفع.
إن إنهاء دور المصرف الزراعي التعاوني على مستوى عمليات شراء وبيع وتوزيع مستلزمات الإنتاج الزراعي، بالرغم من كل الملاحظات التي يمكن أن تساق حول هذا الدور، واقتصار مهامه على عمليات الإقراض، بحسب الخطة «الطموحة» أعلاه، يعني وبكل وضوح ليس تقليصاً لدور المصرف الزراعي فقط، بل قضم جزء جديد من الدعم الحكومي للقطاع الزراعي، من ضمن مسيرة تقليص الدعم الجارية والمستمرة على كافة القطاعات، وخاصة الإنتاجية منها، المتوافقة مع السياسات الليبرالية المتبعة، أي ترك هذا القطاع تحت رحمة كبار حيتان السوق والفاسدين، نهباً واستغلالاً، ليس على مستوى تأمين مستلزماته فقط، بل وعلى مستوى تسويق وتوزيع وبيع منتجاته ومحاصيله، وهو ما يكرس المزيد من تحكم وسيطرة كبار الحيتان على القطاع الزراعي وإنتاجه (النباتي والحيواني)، وهؤلاء لا يعنيهم تأمين الاحتياجات الاستهلاكية المحلية من منتجاته، أو ارتباط حجم هذا الإنتاج بالاقتصاد الوطني، بل لا يعنيهم بقاء هذا القطاع الإنتاجي من عدمه، فما يعني هؤلاء هو جني الأرباح الاستغلالية والمزيد منها، ولو كان ذلك على حساب المزارعين والمستهلكين والاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1039