الحكومة ومآلات تخفيض الدعم الكهربائي
عبير حداد عبير حداد

الحكومة ومآلات تخفيض الدعم الكهربائي

بات الواقع الكهربائي السيء واقعاً لا مفر منه، ومهما علت الأصوات الحكومية لمحاولات التلميع والتحسين، لا محال سيبقى من سيء إلى أسوأ.

فخلال اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد يوم 21 أيلول الماضي، تم التوجيه لاتخاذ إجراءات عدة لتحسين واقع الكهرباء، وكل هذه التلميعات ليستقبل المواطن الفصل الشتوي «بالهناء والنعيم»، خصوصاً أن لا شيء ينقصه سوى «القليل» من دقائق الوصل الكهربائي التي توفر له رفاهية إضافية كي يحسد عليها!

إجراءات ولكن!

من الإجراءات التي وجهت بها رئاسة مجلس الوزراء يوم 21 أيلول الماضي، استكمال تأهيل محطات التوليد المتعاقد عليها، وزيادة كميات الغاز المستخرج واستثمارها بشكلها الأمثل في عمليات التوليد، بالإضافة إلى التوسع باستخدام الطاقات البديلة وتذليل الصعوبات أمام مشاريعها!
بالواقع، ما تم بحثه ووضعه لخطة تحسين الكهرباء، قد يبدو محفزاً ومنطقياً بالنسبة لمواطن من كوكب آخر ليس له علاقة بمعاناة المواطن السوري، حيث يمكن لذلك الكلام المعسول أن يجدي معه، ولكن مع الحالة السورية فلا جديد من تلك التصريحات والاجتماعات، واعتدنا أنها تبقى حبراً على ورق، أو كلاماً مسجلاً عبر شاشات التلفزة.
فكل سنة تقريباً نسمع عن عدة خطط صيانة لإحدى المحطات، والتي تكلف المليارات، وما النتيجة؟ فلا جديد يطرأ نحو التحسن الملموس!

تخفيض الدعم الكهربائي ونتائجه الكارثية!

من المعتاد أن التقنين الكهربائي يكون جائراً خلال الفصلين «الشتوي والصيفي» مقارنة بأشهر الاعتدال الخريفي والربيعي، كونه يوجد استهلاك أكبر للكهرباء خلال فترتي البرد والحر، وانعدام وسائل التدفئة الناتج عن تخفيض الدعم عن مادة المازوت إلى 100 لتراً خلال فصل الشتاء الماضي، بالإضافة لارتفاع أسعاره في السوق السوداء بشكل كبير، لكن تحديداً هذه السنة تم نسف سيناريو الخطة السابقة، لتصبح جميع فصول السنة متساوية بالتقنين، بل وبمعدل وصل كهربائي متدنٍ يصل في بعض المناطق خلال الفترة الحالية لساعة وصل يومية فقط، وبمناطق أخرى 4 ساعات وصل يومية، وغيرها من المناطق 3 وصل مقابل ثلاث قطع.... ما يعني غياب عدالة التقنين الكهربائي بين جميع المناطق، بالإضافة لسوء وتردي الخدمة، طبعاً ولا أحد يدري كيف سيكون الحال مع الفصل الشتوي الذي أصبح على الأبواب، وخصوصاً أن مازوت التدفئة المزمع توزيعه لكل أسرة سورية 50 لتراً فقط لا غير، بحال استكمال توزيعها طبعاً، مع وعود بإعادة توزيع 50 لتراً أخرى، شريطة زيادة التوريدات!
إن تخفيض الدعم حقيقةً طالت قطاع الطاقة الكهربائية منذ عدة سنوات، وعملية خنق الدعم ما زالت مستمرةً كما تدل الوقائع، وضمنياً التقنين الجاري يقصد به أن دعم الكهرباء الحكومي لا يغطي سوى هذا العدد القليل من ساعات الوصل اليومية التي تتزود بها عزيزي المواطن.
وكان لهذا الإجراء نتائجه الكارثية التي طالت البيوت السورية، فساعات التقنين المجحفة، أدت إلى فساد المؤن التي كلفت عشرات الآلاف لكل عائلة، يعني «فوق الموتة عصة قبر» بالإضافة لتدني قدرة الطلاب على الدراسة مع ساعات الظلام الطويلة، وحرمان الأطفال من رفاهية مشاهدة التلفاز...إلخ، مع عدم إغفال تكاليف إصلاح وصيانة الأجهزة الكهربائية المنزلية التي تتعطل جراء عدم انتظام التيار الكهربائي.

القطاعات الإنتاجية لم تسلم

كذلك كان حال المنتجين في كافة القطاعات «الصناعية- الزراعية- الحرفية»، فالتقنين الكهربائي أثر على واقع الإنتاج عموماً، فقد كان واحداً من أهم مسببات تراجعه.
وعن حال القطاع الصناعي، فلم يعد قاطرة نمو تساهم بزيادة الناتج الوطني، فواقع الكهرباء المتردي انعكس بشكل مباشر على الواقع الاقتصادي الذي بات متدهوراً بكل معنى الكلمة، ابتداءً من التقنين الذي طبق بداية العام الحالي ضمن المدن الصناعية الذي يبدأ من السادسة مساء يوم الخميس وحتى السادسة لصباح يوم الأحد، ما يعني أنه على الصناعي إما توفير المازوت بشكله الحر وبتكلفة تصل لـ 3 آلاف ليرة لكل ليتر لتغطية ساعات القطع، أو أن يغلق منشأته الصناعية خلال هذه الفترة، عدا عن ساعات التقنين خلال الأسبوع أو الأعطال التي لا بد منها بين الحين والآخر، خاصة أن مخصصات المازوت المدعوم للصناعيين لا تكفي لتغطية ساعات الإنتاج المطلوبة.
وللتذكير، فقد تم رفع سعر المازوت المدعوم للصناعين نهاية العام 2020 من 269 إلى 650 ليرة سورية، وكذلك الأمر تم رفع سعر مادة مازوت التدفئة المدعومة خلال شهر حزيران للعام الحالي من 180 إلى 500 ليرة سورية.
هذا ما زاد الطين بلة على الصناعي، فهذا الرفع الحكومي الأخير أدى لرفع سعر المازوت الحر، بحيث أصبح من الصعب على الصناعي الاستمرار بالإنتاج كما السابق، فالإنتاج أصبح مكلفاً على حسابات الصناعيين، مما دفع بعضهم للمطالبة بالسماح لهم باستيراد مادة المازوت لاستمرار عملهم بدلاً من أن يتكلفوا شراءه بالشكل الحر وبأسعار خيالية.
مع الإشارة أن تراجع القطاع الصناعي لا ينحصر فقط بالأسباب المذكورة أعلاه، فعدم استقرار أسعار الصرف من أهم مسببات تراجع الإنتاج، خصوصاً أن هناك مواد أساسية مستوردة بالدولار تدخل ضمن العملية الإنتاجية، ما يعني ارتفاع تكاليف الإنتاج، أضف إلى ذلك انخفاض القدرة الشرائية لدى المواطنين، وهذا يؤدي إلى ركود الأسواق المحلية، كما فقد المنتج الوطني القدرة على منافسة الأسواق الخارجية نظراً لانخفاض تكاليفها مقارنة مع ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي، مما سمح للمتنفذين بطرح حلول بديلة تتناسب مع مقاس الفساد والربح المحسوب لجيوبهم عبر الاستيراد، الذي أجهز بالنتيجة على بعض القطاعات، متناسين الحلول التي تخدم واقع تطور الإنتاج الصناعي الذي يساهم بدعم الإنتاج الوطني.
وبالتالي، إن ما يحتاجه هذا القطاع الهام ليس فقط دعماً على مستوى حوامل الطاقة، بل لإجراءات أكثر حزماً تصب بمصلحة الإنتاج والبلاد والعباد، فلا بد من تقديم الدعم الكامل للقطاع الصناعي، والإنتاجي عموماً، بعيداً عن مصالح القلة القليلة من النخب المسيطرة على البلاد.

السؤال الأكثر إلحاحاً

السؤال الجدي هنا: أين تذهب المليارات التي تنفق على أعمال الصيانة والتأهيل المتكررة، ومليارات الدعم السنوي المخصصة من حسابات الخزينة العامة، أي من جيوب المواطنين؟
هل هي فعلاً تنفق بشكل جدي، أم أنها كما المعتاد باب نهب يفتح ويغلق كما يحلو لصناع القرار، خصوصاً مع غياب الرقابة الفعلية؟
فالتغذية الراجعة لنتائج تلك المشاريع والتوجهات المكررة سنوياً صفر بالمحصلة، مع التأكيد أنه لا توجد ساعات وصل فعلية، وبالتالي استهلاك، يؤدي بالنتيجة لاهتلاك المحطات ومراكز التحويل وغيرها، والتي تصبح بسببها بحاجة لأعمال الصيانة المتجددة، بل كل ما نلمسه تراجع متزايد بواقع الكهرباء.
أما عن استجرار كميات إضافية من الغاز لاستثمارها في توليد الكهرباء، فإمكانياتها متاحة افتراضاً، خصوصاً أن غالبية حقول الغاز في المنطقة الوسطى وريف دمشق، وهي خاضعة لسيطرة الدولة، ونظراً لتوفر آبار الغاز، القديمة المستثمرة، والجديدة المعلن عنها مع الكثير من التهليل والبهرجة الإعلامية، والتي من الممكن أن تغطي جزءاً هاماً من حاجة محطات توليد الكهرباء، وهذا ما أثبته إنتاج الغاز خلال العام 2018، الذي وصل إلى 13 مليون متر مكعب يومياً، بعدما كان 7 ملايين متر مكعب يومياً خلال العام 2016، والذي أثر إيجاباً على واقع الكهرباء، لينخفض من جديد حتى يومنا هذا إلى 9 مليون متر مكعب يومياً، ولا مبررات رسمية لهذا الصعود والهبوط، والذي يؤثر عملياً على واقع إنتاج الطاقة الكهربائية، إلا أنه كانت هناك أسباب أخرى لا يمكن الإفصاح عنها رسمياً! ليبقى أمل زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية مقتصراً على النوايا الحكومية فقط.
أما عن الطاقات البديلة المتجددة، وبرغم كل الحديث الرسمي عن دعم الاعتماد عليها، فهي لن تبصر النور إلا بمقدار حجم منافع المستفيدين منها، ليس على مستوى حاجات الاستهلاك طبعاً، بل على مستوى توفير مستلزماتها المكلفة، المتحكم بها من قبل حيتان الاستيراد، وهذا ما علمتنا إياه التجارب مع البدائل الكهربائية خلال السنين الماضية وحتى الآن، فكيف مع مستلزمات إنتاج الطاقات المتجددة؟!

رغم شح الكهرباء قد ترتفع فاتورتها على المواطن!

ذكر موقع سيرياستيبس يوم 21 أيلول الماضي، وفقاً لمصادره الخاصة، أن الكهرباء تقف بالدور بعد قرار رفع أجور الاتصالات، ووفقاً للموقع، هناك دراسة مفادها أن أسعار مبيع كيلو الواط المنزلي ستصبح ليرتين بدلاً من الليرة الواحدة، وأن هناك ارتفاعات أخرى ستطال الشرائح الأخرى والأعلى استهلاكاً وبنسب مختلفة، وبما يخفف من الضغط على الخزينة التي تدعم الكهرباء.
وهنا تجدر الإشارة أنه بحال طبق ما ترنو إليه هذه الدراسة، وكما يقول المثل «ما في دخان بلا نار»، فهذا يعني أن هناك تخفيض دعم آخر سيجري عبر رفع أسعار الكهرباء، والذريعة تخفيف الأعباء عن الدعم الحكومي المقدم للمواطن!
وأي دعم هذا مع تضاعف فاتورة الكهرباء الشهرية، بظل استمرار التقنين المجحف بحق المواطن، الذي يقضي 80% من وقته بلا كهرباء، ومعظم ليله على ضوء الشمع أو (الليد) بأحسن الأحوال!
أما الأخطر فهو أن رفع سعر الكهرباء سيؤدي مباشرة إلى سلسلة متتالية من رفع أسعار جميع السلع والخدمات، أي مزيد من استنزاف المواطنين، ودفع الغالبية المفقرة نحو المزيد من الإفقار والعوز.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1038
آخر تعديل على الإثنين, 04 تشرين1/أكتوير 2021 04:02