مُنغّصات علمية- تطفيشية
توجد أنماط متنوعة من سياسة التضييق التي تتبعها الحكومة الموقرة على السوريين اليوم، فقد حلفت «يمين» على إظهار كل المعيقات الحياتية التي تنهك عاتق المواطن ودفعها في طريقه دون رحمة أو شفقة.
من المعلوم، أن المنغصات الحياتية التي يعيشها المواطن في سورية ليست جديدة، ولكن ما يحدث من تجديد للعمل الحكومي هو «تبهير» وإضافة خاصية جديدة ألا وهي «تطفيش» المواطن، بعد انتهاء الحرب الدامية التي عاشها بأعوامها التسعة.
«منغص» بنكهة جديدة
من الممارسات المنغصة كانت بحق الفئة الطلابية «طلاب الدراسات العليا» هذه المرة، فالمشكلة الكبرى التي تواجه طلاب الدراسات العليا هي القرارات الجديدة والمتجددة، التي أقرها مجلس التعليم العالي في جلسته رقم (6) للعام الدراسي 2020/2021 والتي انعقدت بتاريخ 3 الشهر الجاري.
فالصعوبات والتحديات التي تواجه طلاب الدراسات العليا- كثرة الأزمات المُفتعلة بحقهم والتضييق عليهم أكثر فأكثر وعلى جميع الأصعدة، بدايةً من انقطاع الكهرباء «وهي أصغرها وأهمها سبباً» ونهايةً من ارتفاع التكاليف المادية التي تتوجب على طالب الدراسات العليا لإتمام بحثه العلمي.
تطفيش علمي
فقد أقر مجلس التعليم العالي بجلسته السابقة (11) مادة كانت على شكل منغصات واجهت طلاب الدراسات العليا، حيث انقسمت هذه المنغصات إلى جزأين ربما «أكاديمي وعامة» وكلاهما مُفتعل ضمن السياسة التطفيشية المتبعة من قِبل الحكومة ومؤسساتها التعليمية حتى.
ومن هذه المنغصات التي واجهت الطالب حسب ما تم إقراراه بالمواد الـ (11) وتبويباتها، هي عبارة عن الإلزام بالدوام الكامل للبعض، علماً أن البعض غير ملزمين بالدوام الكامل، حيث إنه قد يصل الدوام المُلزم إلى ما يقارب الـ 12 ساعة من خلال إلزامهم بالتخلي عن عملهم للطالب الموظف، لمراقبة الامتحانات، وإعطاء الدروس العملية بالكليات العلمية، وحضور جلسات مناقشة للماجستير والدكتوراه.
حتى أنهم يقومون بإلزام الطلاب بحضور جميع السيمينارات المطلوبة خلال فترة إنجاز رسالة الماجستير أو الدكتوراه.
ومن ناحية تقديم الدعم الجامعي، فلا تفكر أبداً بالدعم، لأن التعليم العالي تتعاطى مع الدراسات العليا وكأنها مجرد رغبة ذاتية للطالب وليست ضرورة لاستمرار توليد الكوادر الضرورية للبلاد، بمعنى «عزيزي الطالب إذا كنت ترغب بمتابعة تعليمك العالي فلك ما تريد، ولكن من جيبك».
لأن الجامعة عملياً لا تتحمل تكاليف المواد الباهظة (الحد الأقصى للتمويل بعد طلب كافة المبررات، هو 200 ألف ليرة للماجستير مثلاً)، فهي غالباً لا تتوفر ضمن نطاق الجامعة، وفي حال قامت الجامعة بتوفير المواد فإنها قد تتأخر حوالي العامين، وبالتالي فإن طالب الدراسات العليا عملياً يتأخر هذا الوقت كله ويحاسب على تأخره أيضاً من قِبل مجلس القسم.
عداك عن ذلك، فإن انقطاع التيار الكهربائي في الجامعة يسبب عرقلة رهيبة لتنفيذ المشاريع التي تتطلب أجهزة كهربائية، وبالطبع فإن الجامعة لا تتحمل مسؤولية انقطاع التيار وتأخر الطالب بتسليم مشروعه.
ناهيك عن موضوع تقديم البحث العلمي النهائي لطلاب الدكتوراه الذي انتقل من مجلس القسم إلى نائب رئيس الجامعة، بُغية ضمان نوعية البحث العلمي، (رغم أن نائب رئيس الجامعة ليس على دراية كُلية بجميع الاختصاصات بالتأكيد)، ولكن خالف تعرف.
وآخر ما تم حصر طالب دراسات العليا، وتضييق موضوع السفر أثناء التسجيل.
عندما يخطو أي طالب في سورية خطوة الدراسات العليا عليه أن «يبلع ريقه»، ويتحلى بالصبر، ويدعو الله أن يسهل له طريقه ويرزقه من حيث لا يحتسب، لأنه لا تقديم دعم ولا مساعدات وحصار وتضييق على طلاب الدراسات العليا.
كيفية ترميم الفجوة العلمية
حقيقةً، خسرت سورية على الأقل حوالي 70% من كوادرها العلمية بسبب الحرب بين الهجرة والموت، أي إن عماد الكوادر العلمية المتبقية في سورية تعادل الـ 30% فقط، إن مرحلة التعافي وإعادة الإعمار بحاجة إلى كل فرد يحمل خبرة عالية للنهوض بمقدرات هذا البلد، والحفاظ عل هذه الكوارد التي لا تقدر بثمن مهمة وطنية بامتياز، ولا يمكن تفسير تطفيش هذه الكوادر العليا إلا ضمن سياسة إفراغ البلد من علمائه المستقبليين ومصادرة إمكانية النمو في السنوات العشرين القادمة.
ويجب على المعنيين في الحكومة في هذا القطاع التعليمي تحديداً مساعدة الطلاب الراغبين بتحصيل الدراسات العليا داخل سورية، ومد يد العون لهم بغية سد الفجوة الكبيرة التي شهدتها سورية خلال سنوات الحرب، من خلال:
مساعدة الطلاب على تنفيذ البحوث العلمية من خلال توفير المواد المطلوبة.
توفير التيار الكهربائي أو أحد بدائله لأنه من الضرورات لإتمام أي مشروع على الأجهزة الكهربائية.
أن تسمح الجامعات للمقبولين في الدراسات العليا بإتمام الدراسة دون التمسك بشرط التفرغ الكلي- الإلزامي، وخاصة موظفي الدولة منهم الذين يجبرون على أخذ إجازة (دون راتب) لكي يكمل تعليمه، ويكون من الأفضل تقديم راتب للطالب كنوع من الدعم للدارسات العليا والطلاب في آن واحد.
حقيقةً، اليوم سورية بحاجة لهذه الشهادات العليا، خاصةً عندما نقارن بين سياسة التطفيش المتبعة من قِبل القطاع الحكومي- التعليمي حتى، وبين جامعات الدول الأخرى التي تقوم باستقطاب جميع الفئات الطلابية بجميع اختصاصاتهم ليس كمد يد العون لهم، لإتمام رحلتهم الدراسية بشكل أساسي إنما لاستقطاب خبراتهم الهامة على عكس ما يتم ههنا من خلال سياسة الحكومة التطفيشية المتبعة بحق المواطنين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1024