المياه.. معاناة تفوق الخيال
تحت رعاية المعنيين في قطاع «مؤسسة نبع الفيجة» من المهندسين والأكاديميين والخبراء، تم بعونهم عودة تطبيق برنامج التقنين المعتاد، أو إن صح القول: «تفعيل تطبيق التقنين على بقية مناطق العاصمة وريفها»، لكون تطبيق برنامج التقنين لم يُلغَ بالأساس في أغلبية مناطق محافظة دمشق وريفها.
بحجج وذرائع فريدة من نوعها هذه المرة، حيث أكد مدير الاستثمار والصيانة في المؤسسة العامة لمياه الشرب في دمشق وريفها بتاريخ 21 الشهر الجاري: «أن استهلاك أهالي العاصمة والريف المجاور للمياه وصل إلى أرقام قياسية (غير منطقية) خلال فترة العيد والعطل الحاصلة لمدة تفوق الـ 10 أيام، حتى تجاوز فيها الاستهلاك 9 أمتار مكعبة في الثانية على مستوى العاصمة وأجزاء من الريف».
أزمة المياه الموسمية
في مثل هذا الوقت من كل عام- ومن قبل الأزمة السورية حتى- تشهد مدينة دمشق وريفها أزمة موسمية وهي أزمة المياه، حيث تزداد هذه الأزمة استفحالاً يوماً بعد يوم بحجج لا تدخل في العقول البشرية، وحُفظت عن ظهر قلب لدى المواطن السوري. وقد تجلت هذه الأزمة بحرمان العديد من المناطق والأحياء في محافظة دمشق من المياه وتطبيق برنامج التقنين المزمن، والتي تعتبر من المناطق والأحياء المُكتظة بالكثافة السكانية. ويمكن القول: إن العمل على وضع برنامج التقنين في سورية أصبح الشغل الشاغل للمسؤولين في جميع القطاعات، دون رحمة أو رفق بحياة المواطن السوري.
تضارب بالتصريحات!
في هذا السياق، في تصريح رسمي بتاريخ 16 شباط 2021 من قِبل المؤسسة العامة للمياه: «لا تقنين على مياه الشرب في دمشق ومحيطها» حيث أوضح مدير الصيانة والاستثمار في مؤسسة المياه في تصريح: «أنه مع زيادة غزارة نبع عين الفيجة إلى أكثر من عشرة أمتار مكعبة بالثانية يتم تزويد دمشق ومحيطها بالمياه دون تقنين».
وهذا التصريح كان قبل ثلاثة أشهر وخمسة أيام من التصريح الحاصل في 16 الشهر الجاري، وفي ذاك الوقت، تم توضيح من قبل مدير الصيانة والاستثمار في المؤسسة: «يتم تزويد دمشق ومحطيها بالمياه دون تقنين».
وفجأة، ومن دون سابق إنذار كـ«العادة» إضافةً إلى تفاجؤ جميع المعنيين في هذا القطاع «خسرنا الفائض... سكان العاصمة استهلكوا المياه بشكل غير منطقي!».
ومن خلال هذه الكلمات والتصريحات غير المنطقية نرى التقصير بعين ذاته، وعدم المراقبة لمخزون مياه نبع الفيجة، طبعاً في حال أنهم قد خسروا المخزون كما يقولون أساساً خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة، كما تم التصريح عنه.
«مشاكل ودفع» على المواطن فقط!
ضمن جملة التصريحات الخُزعبلية للمسؤولين على جميع الأصعدة، نرى أن المواطن السوري هو الذي يدفع ثمن كل المشكلات المُفتعلة والمقصودة دائماً وأبداً.
ففي ظل هذه الأزمة الموسمية التي نشهدها في كل عام بحجج وذرائع مختلفة عن سابقاتها، نرى أن المواطنين السوريين في ظل التقنين الجائر للكهرباء وحالياً الماء، فإنهم يقعون في مشكلات كبيرة على الصعيد الحياة اليومية وعلى صعيد الحالة الجيبية.
فالمعادلة صعبة الحل لديهم دائماً موجودة، في حال توفرت المياه تكون الكهرباء مقطوعة، ولا يسمح لهم في هذه الفرصة بتعبئة خزاناتهم على أسطح المباني بسبب الضخ الضعيف، وفي حال توفر التيار الكهربائي تكون في هذه الأثناء المياه مقطوعة!!
«وحلوها يا أمّة الله»، مما يضعهم أمام أزمة حقيقية- خانقة لا يمكن حلها إلا بخطة حكومية محكمة للتضيق ونهب جيوب المواطنين السوريين، ألا وهي «الصهاريج» كحل بديل لشبكات المياه.
لقد قمنا برصد أسعار تعبئة صهاريج «مياه الغسيل والتغسيل»، حيث وصل سعر البرميل الواحد إلى 2000 ليرة سورية، وأقل سعة لخزان المياه تكون برميلين ونصف، أي بسعر 5000 ليرة سورية، والعائلة السورية المؤلفة من 3 أو 4 أشخاص بحاجة إلى خزانين كحد أدنى، أي: ما يعادل 10000 ليرة أسبوعياً و40000 ليرة شهرياً بمتوسط دخل للموظف الحكومي 60 ألف ليرة سورية، عداك عن تعبئة مياه الشرب، فقد وصل سعر صندوق مياه بقين المؤلف من 12 عبوة ذات سعة لتر ونصف، ما بين الـ 8000 والـ 12000 ليرة حسب المنطقة طبعاً. وهكذا يصبح الحصول على مياه الشرب عبئاً مالياً بحد ذاته يُنهك قوة الاستيعاب لدى المواطن.
علماً أننا في الحقيقة لم نصل حتى الآن إلى شح المياه الحقيقي، فما زال تنفيذ قرار التقنين الـ 12 ساعة قيد التنفيذ حتى الآن، وهذه التكاليف الإضافية المضافة بالإجبار على عاتق المواطنين السوريين ذوي الدخل المحدود جداً- ربما ستكون ذات مقاييس عالية أكثر مع تنفيذ قرار التقنين في الأيام القادمة.
أزمات متتالية
تتوالى أزمات السوريين المعيشية منذ عام 2011، وتجتمع لتشكل حملاً ثقيلاً يحمله المواطنون السوريون على أكتافهم، فمع غلاء المنتجات وارتفاع أسعارها، وتدهور قيمة الليرة السورية وانخفاض الدخل، وعدم القدرة على الوصول إلى الوقود، يفقد المواطنون قدرتهم على تأمين المياه كأبسط مثال.
فبالرغم من اتهام مؤسسة المياه للمواطنين بالاستخدام الزائد والجائر للمياه خلال الفترة السابقة، فإن مشكلة المياه ليست بمشكلة جديدة في سورية، فهي من المشكلات القديمة التي تعود إلى ما قبل الأزمة، ويمكننا وصفها من المشاكل مستعصية الحل، أو إن صح القول- مشكلة يُستفاد منها من قبل المعنيين في هذا القطاع.
في حين أن الشعب السوري عانى قبل الأزمة السورية من نقص كبير بالخدمات، مما دّلَ على العجز الحكومي في تقديم الخدمات الحياتية للشعب السوري ككل، بحيث إن هذا النقص قد ولّد مشكلات وكوارث كبيرة في ظل تدني المستوى المعيشي والاقتصادي في سورية، وخصوصاً لدى غالبية الشعب المعدوم، فقد باتت هذه الأزمة كباقي الأزمات المُفتعلة فرصة لدى البعض لكسب المزيد من الثروات على حساب جيوب المُفقرين، بعيداً عن تفكير الحكومة بإيجاد حلول جدّية وحقيقية لوقف تلك الأزمات التي انهكت شعباً بأكمله.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1019