حلب.. السكن الجامعي محسوبية واستثمار

حلب.. السكن الجامعي محسوبية واستثمار

يسارع الطلاب الوافدون من المحافظات ومن ريف حلب، مع بداية العام الدراسي من كل سنة، للتسجيل على السكن الجامعي، للتخفيف من عذاب السفر، ونفقته والوقت المهدور خلاله، وهرباً من بدلات الإيجار المرتفعة.

فإذا كان من المتعذر تأمين السكن لجميع الطلاب المحتاجين بسبب عدم زيادة أعداد الوحدات السكنية، بما يتناسب مع زيادة أعداد الطلاب السنوية، فإن بعض الممارسات تزيد من صعوبة الحصول على سرير في السكن الجامعي لهؤلاء، وخاصة مع تفشي بعض مظاهر الاستثمار والاستغلال بهذا المجال.

الأولوية والأفضلية والبقية على الله

يعاني طلاب الجامعة القادمون من ريف حلب أو من المحافظات الأخرى من مشكلة الحصول على غرفة أو سرير في السكن الجامعي، وخاصة طلاب الكليات النظرية، باعتبار أن طلاب الكليات العلمية والتطبيقية لهم الأولوية، لكن الواقع العملي يقول: إن الأفضلية لبعض ناشطي اتحاد الطلبة، وطبعاً للمحظيين من أصحاب المحسوبية والوساطات.

«سيلين»، طالبة هندسة من دمشق، تحكي معاناة انتظار قوائم الأسماء، وإن كان انتظارها لا يقارن بأقرانها، حيث كان بالحد الأدنى أسبوعين، كونها طالبة كلية علمية وأولوية السكن لهم، لكن معاناة هذه الأسابيع لطالبة من محافظة أخرى لا صلات لها في حلب، يكون عبء تأمين المبيت أشد وطأة عليها.

«مريم»، طالبة طب من تل عرن، لا زالت تعاني مشكلة الطريق يومياً ثلاث ساعات ذهاباً وإياباً، حالها كحال الكثير من طلاب تل عرن والأرياف الأخرى، كما هو حال الطلاب من باقي المحافظات الذين لم تتح لهم فرصة الحصول على سرير في السكن الجامعي.

فصعوبات الحصول على سرير أو غرفة في السكن الجامعي لم تقتصر على التعليمات والروتين، والهامش الزمني المرتبط بهذا الشأن، وفقاً للأولوية أو حتى الأفضلية، بل تعدتها إلى ممارسات تمييزية استناداً للمحسوبية والوساطة، والأكثر سوءاً إلى استغلال الحاجة لهذا السكن حيث أصبح فرصة للتكسب ولجني الأرباح.

غرف في المزاد العلني

برزت في الآونة الأخيرة عملية الاستثمار والمتاجرة ببعض الغرف في المدينة الجامعية، والتي باتت شبه علنية!

ففي ظل وجود طلاب بأمس الحاجة لغرفة تقيهم شرور السفر والطرقات، وتعبها ونفقتها، كان هناك بالمقابل البعض ممن لا يملكون الحق في الحصول على غرفة في السكن، لكن ربما مكانتهم ومحسوبيتهم وقربهم من بعض أصحاب القرار، في اتحاد الطلبة أو غيره، منحتهم فرصة الحصول على غرفة للمتاجرة، لا للسكن فقط!

في حديث لقاسيون مع «حسين»، طالب من ريف حلب، والذي كان يبحث عن سكن في المدينة الجامعية، ولكونه طالباً من كلية الحقوق فنسبة قبوله بالسكن تكون شبه معدومة، بسبب التعليمات، وفي ظل وجود سماسرة تستثمر بالغرف لمن يدفع أكثر!
يقول «حسين»: إنه التقى أحد الطلاب السماسرة، الذي أخبره بأنه قادر على أن يؤمن له غرفة في السكن مقابل مبلغ قدره 80,000 ليرة، وإن رأى المبلغ أكبر من قدرته فله أن يستقبل معه طلاباً إضافيين، يتقاسم المبلغ معهم!

وعند سؤاله عن العدد المسموح بأن يكون في الغرفة، كانت الإجابة: بأنه لا شأن له بعدد الطلاب بعد أن يتقاضى المبلغ المتفق عليه، فمن يدفع له حق إسكان من يشاء من الطلاب، وضمانات عدم التعرض للطلاب تتوقف على استلامهم الإيصالات «الرسمية»، التي تعتبر مدفوعة الثمن مع آجار الغرفة، ولكن مخصصات كل غرفة محددة لأربعة أشخاص فقط، سواء زاد عدد القاطنين في الغرفة أم قل، وما هو مضاف إلى هذا العدد يتحمل مسؤوليته بنفسه على مستوى المخصصات.

يذكر أن المخصصات عبارة عن سرير، وفرشة «سفنجة»، «وحرامين» لكل طالب، ولا تشمل الوسائد أو الشراشف وغيرها (مخصصات ناقصة).

غض نظر أم شراكة

بعض عمليات الاستثمار تتم إثر إخراج طلاب بعض الغرف السكنية، بذريعة الصيانة أو غيرها، وأحياناً من قبل الطالب السمسار نفسه بذريعة حاجته لها «أنا صاحب الغرفة «وبدي ياها»، ليتم تسليمها فور إخراجهم لشخص آخر لقاء مبلغ استثمار أعلى.

يشار بهذا الصدد، أن مبالغ الاستثمار في الغرف قد تصل لـ 150,000 ليرة، حسب الاضطرار وشطارة الطالب السمسار، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عمليات الاستثمار هذه لا يمكن لها أن تتم بغفلة عن أعين المشرفين والمسؤولين عن الوحدات السكنية، وربما لقاء نسبة مقتطعة ومقطوعة لقاء غض الطرف، وما يؤكد ذلك أن الغرف المخصصة للمطالعة لم تسلم من عملية التجارة والاستثمار، حيث يتم استثمار بعضها بهذا الشكل أيضاً!

وطبعاً كل ما يمكن أن يقال عن المخالفات، بشأن التوزيع وأعداد الطلاب في كل غرفة والمخصصات والخدمات، له تبريراته ومسوغاته، والتي تبدأ ولا تنتهي عند تزايد الحاجة للسكن، وعدم كفاية الوحدات السكنية لتؤمن هذه الحاجة.

يذكر أنه قد تم إخراج طلاب إحدى الوحدات في حزيران الماضي، بعد مطالبة المسؤولين عن الوحدة، وجاء قرار الإدارة حينها قبل بداية الامتحان بأيام قليلة، وكان البديل بأن تستقبل كل غرفة من الوحدات السكنية الأخرى طالباً إضافياً واحداً.

ظروف سيئة وخدمات معدومة

الظروف المعيشية في السكن تخلو من كل ما هو صحي، فبالرغم من منع استخدام السخانات الكهربائية في المدينة الجامعية حفاظاً على السلامة العامة، إلا أنهم مضطرون لاستخدامها خفية نتيجة عدم مقدرتهم على تأمين الغاز، فلا وجود لبطاقة تؤمن لهم وجوده، وتحميهم من سعره في السوق الحر كطلاب، ولا تدفئة متوفرة تحميهم من أمراض البرد.

فأية وقاية وتباعد يمكن للطالب أن يحققه في هكذا ظروف تنتهك خصوصيته، وتخلو من الظروف الصحية والمعيشية المطلوبة؟ علماً أن بعض الغرف في بعض الوحدات السكنية كانت خالية، وربما محجوزة!
يذكر أن طالب السكن يحتاج مصروف أكل وشرب فقط ما بين الـ 70 والـ 100 ألف ليرة شهرياً، دون ذكر لباقي الاحتياجات الأخرى الدراسية والصحية والنقل.. إلخ، في ظل بنية اجتماعية ومعيشية موبوءة.

فمن سيردع سماسرة المدينة الجامعية والفساد المتغلغل في جهازها الإداري؟ ومن سيدعم مصلحة الطلاب اليوم، في ظل كل ما يتعرضون له من معاناة في السفر وسواه، والظروف الاقتصادية والتعليمية القاسية؟
فحال الطلاب باتت لا توصف اليوم في ظل بؤرة الفساد التي طفت على السطح بشكل واضح، يراها القاصي والداني، فلا ترقيع لمشكلة المدينة الجامعية وسواها بات قادراً بعد اليوم أن يغطي ما يحصل!

الخصخصة وتكريس الطبقية في التعليم وخدماته

الاستثمار الاستغلالي في السكن الجامعي من قبل البعض على حساب المحتاجين من الطلاب، برغم عدم قانونيته وشذوذه، يبدو ليس بعيداً عن التوجه الرسمي العام بهذا الإطار.
فقد تم الكشف مؤخراً: أن وزارة التعليم العالي أعدت مشروع قانون لتحويل المدن الجامعية إلى «هيئات عامة مستقلة»، وأكد مدير الشؤون القانونية في وزارة التعليم العالي على: «أهمية المشروع في خلق استقلالية مالية وإدارية لجميع المدن الجامعية المحدثة، الأمر الذي ينعكس على الواقع الخدمي وتطوير واقع المدن وتحسينها والارتقاء بها بشكل أفضل».

وقد ورد على صفحة «قاسيون» بهذا الخصوص في حينه ما يلي: «الموضوع ليس مقدمات للخصخصة، بل خطوة عملية مباشرة نحوها.. الترجمة العملية والتنفيذية اللاحقة، أن هذه الهيئات ستضع تعليمات القبول في المدن الجامعية المقترنة حكماً مع الكثير الشروط، ولعل أهمها سيكون بما يتعلق بالبدل النقدي، ليس لقاء الإقامة فقط، بل المقابل للخدمات المقدمة للطلاب.. ولن نستغرب لاحقاً أن يكون بعض هذه الخدمات مخصصاً لشريحة الـVIP من الطلاب المحظيين والأثرياء، كخدمات النجوم بدرجاتها ومستوياتها في الفنادق السياحية، تكريساً لطبقية الخدمات الجامعية، بعد أن تغلغلت هذه الطبقية على التعليم نفسه، وسيكون هؤلاء منافسين للغالبية المفقرة من الطلاب الجامعيين، الذين أحدثت هذه المدن من أجلهم أصلاً.. لم يعد هناك أي شك، أنه وفي ظل السياسات الليبرالية، التي يزداد توحشها يوماً بعد آخر، وبسببها، لن تكون للمفقرين أية حقوق».

معلومات إضافية

العدد رقم:
994