بدعة تربوية بهلوانية من خارج الواقع؟
بدعة جديدة تطرحها وزارة التربية بعيداً عن الواقع وقفزاً عليه، وهذه المرة تحت مسمى «حلوة مدرستي»، التي أطلقتها على شكل مسابقة «للإضاءة على الجوانب التربوية المميزة في المدارس».
المسابقة مفتوحة للمشاركة من قبل المعلمين والطلاب، مع وضع هامش زمني لتاريخ وصول المشاركات، وقد اقترنت بأسلوب تشجيعي من خلال منح جوائز للفائزين.
تفاصيل المسابقة
ورد على الصفحة الرسمية للوزارة بتاريخ 29/10/2020، ما يلي: «انطلاقاً من أهمية عرض الأنشطة التربوية والتعليمية في المدارس وإظهار الانطباعات الإيجابية التي تتركها المدرسة في عيون طلابها ومعلميها خلال فترة الدوام المدرسي، وحرصاً على تعزيز دور المعلمين والطلبة في إبراز قدراتهم في التعلم والتعليم، وتنمية الذائقة الجمالية لديهم، وتعويدهم النظرة الإيجابية إلى الحياة بوصفها جزءاً من معايير التعلّم الوطنيّة، تُطلق وزارة التربية مسابقة للمعلّمين والطلاب من أجل المشاركة في إرسال صور ومقاطع فيديو من حياتهم اليومية في مدارسهم لعرضها في الصفحة المخصصة على فيسبوك باسم «حلوة يا مدرستي» حتى تاريخ ١٥ نيسان ٢٠٢١م... علماً أنه سيتم منح جوائز لأفضل عشرين طالباً وطالبة وأفضل عشرين معلّماً ومعلمة حقّقت مشاركاتهم أعلى نسبة إعجاب على هذه الصفحة، وسيتم تكريمهم في حفل خاص قبل امتحانات نهاية العام مباشرة».
مخالفة التعليمات الوزارية
في البداية لا بد من الإشارة الى أن موضوع التصوير داخل المدارس والشعب الصفية من المفترض أنه من الممنوعات، وخاصة بالنسبة للطلاب.
فالتعليمات الوزارية تقضي بعدم السماح باستخدام الهواتف المحمولة وتشغيلها داخل المدرسة، بل مع مصادرتها عند اللزوم إن اقتضى الأمر، فكيف سيتم التمكن من المشاركة بالمسابقة بحسب ما ورد أعلاه، إلّا إنْ كانت المسابقة بحد ذاتها ستكون تبريراً لمشروعية حمل الجوالات واستخدامها داخل المدارس، مع كل ما يمكن أن يقال حيال التحفظات عن ذلك، أو أنه سيتم السماح للبعض من التلاميذ والطلاب بذلك، فيما يمنع البعض الآخر، ربما وفقاً للأهواء أو عوامل المحسوبية والوساطة، وبذلك تفقد المسابقة جزءاً من مضمونها وغايتها التربوية، بل ستكون نتيجتها عكس ذلك!.
أما الجانب الآخر على مستوى مخالفة العملية التربوية والتعليمية فهو فسح المجال وتقديم الذريعة للتسيب وهدر الوقت، على حساب الحصة الدرسية، وعلى حساب الوقت الزمني الذي من المفترض أنه موجه ومخصص للطلاب والتلاميذ، وليس لأي شيء آخر!
فالمسابقة مفتوحة حتى منتصف شهر نيسان من العام القادم، أي: عند الاقتراب من مواعيد الامتحان النهائي ونهاية العام الدراسي، أي: إن هناك هدراً للوقت، وذريعة مبوبة ورسمية بذلك كانت الوزارة بذاتها مسببتها، فهل فعلاً ستكون النتيجة حصاداً تعليمياً وتربوياً؟!
أصحاب الرسالة
لن نبخس حق المعلمين ودورهم على المستوى التعليمي والتربوي في ظل مجمل الظروف الصعبة التي يكابدونها، اعتباراً من أجورهم المتدنية، مروراً بجهودهم المضنية المبذولة مع طلابهم وتلاميذهم، وليس انتهاءً بمعاناتهم في التنقل والانتقال من وإلى مدارسهم، كما نثني على الجهود الإضافية المبذولة من قبل البعض المتفاني والمبتكر، برغم قلة ومحدودية الإمكانات من أجل إتمام رسالتهم على أكمل وجه، على نفقتهم وبمبادرات شخصية وفردية، مع تأكيدنا على أن هؤلاء ليسوا قلة، لكنهم مغمورون، وهؤلاء لا ينتظرون لا مكافأة ولا جائزة، بل هؤلاء أصحاب رسالة وملتزمون بها.
وإذا كانت الغاية من هذه المسابقة تسليط الأضواء على هؤلاء فحبذا بداية السعي الجدي إلى حل مشاكلهم أو التخفيف من معاناتهم، خاصة وأن جزءاً هاماً منها مرتبط بالوزارة نفسها وبالحكومة من خلفها، وبمجمل السياسات التعليمية المعمول بها.
للجمال فقط!
نأتي إلى الجانب الأهم من القضية، حيث تبدو الوزارة وكأنها قد أتمت واجباتها على مستوى تأمين مستلزمات وضرورات العملية التعليمية والتربوية في المدارس، وعلى كافة المستويات، ولم يبق أمامها إلّا حصاد النتائج والمكافأة عليها عبر هذا الشكل من المسابقات.
ولنتصور أن أحد الطلاب صور واقع دورات المياه في مدرسته، وقد بيّن خلال التصوير الواقع المزري لهذه الدورات بصنابيرها المعطلة، أو بشبكتها الصحية خارج الخدمة، أو قام بتصوير الشعبة الصفية، وواقع الاكتظاظ الطلابي فيها، وصعوبة العملية التعليمية في ظل هذا الاكتظاظ، خاصة بما يتعلق بالأنشطة الصفية التي تحتاج لوسائل إيضاح غير متوفرة مثلاً، أو صوّر بعض النوافذ التي تفتقد للزجاج، أو غياب المدافئ، أو كيف يقوم بعض التلاميذ بتنظيف الباحات على حساب ساعات الدرس، أو شعبة صفية بلا معلمين!
ولنتصور أن أحدهم قام بتصوير انتهاء الدوام المدرسي في يوم ما، وكيف يتراكض الطلاب والتلاميذ إلى خارج المدرسة فرحين، وكأنهم كانوا في كابوس.
لا شك أن مثل هذه الصور أو مقاطع الفيديو لن تنشر، كما لن تحقق النتيجة المطلوبة على مستوى الجوائز، هذا إن لم نقل إن من سيرسلها قد ينال الزجر والعقاب!
فما يجب أن يظهر عبر الصور والفيديوهات المرسلة للمشاركة في المسابقة هي الصورة الجميلة في المدارس «وإظهار الانطباعات الإيجابية التي تتركها المدرسة في عيون طلابها ومعلميها خلال فترة الدوام المدرسي»، وما عدا ذلك من صور، ومهما كانت واقعية، فهي مرفوضة!
من المؤكد أننا لسنا بحاجة لسرد المزيد من الأمثلة، التي تمثل الواقع المأساوي في المدارس، سواء بما يتعلق بالطلاب والتلاميذ وواقعهم داخل المدارس واحتياجاتهم، أو بما يتعلق بالمعلمين وظروفهم ومعاناتهم المستمرة، داخل الشعب الصفية وخارجها.
الإعداد المسبق والمحاسبة اللاحقة
لن نبالغ بالقول: إنه من المتوقع أن تفوز بالمسابقة تلك الصور والفيديوهات المعدة سيناريوهاتها مسبقاً، مع لمسة إخراجية فنية تٌظهر ما يجب إظهاره من مواضع الجمال المطلوبة وزارياً، كي تظهر الوزارة وكأنها قامت بدورها وواجبها على أكمل وجه، وربما لتجيّر لاحقاً كل أوزار تقصيرها على المعلمين والكادرات الإدارية في المدارس، وربما تحاسبهم كذلك الأمر!
فالمسابقة، بإعلانها ومضمونها، تعتبر قفزاً بهلوانياً على الواقع والوقائع، كما تمثل شكلاً فجاً من أشكال التهرب من المسؤولية، بل والمخالفة الجلية لتعليمات وزارية، وغايات تعليمية وتربوية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 990