المزاج الشعبي تجاوز مرحلة الاحتقان
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

المزاج الشعبي تجاوز مرحلة الاحتقان

هل معرفة حال وواقع المزاج الشعبي في هذه الفترة بحاجة لباحثين واختصاصيين ومراكز أبحاث، أم أنه أصبح واضحاً وظاهراً، ولم تعد هناك حاجة لسبر غوره ودراسته وتحليله؟

فبقدر ما تبدو إمكانية رصد حال المزاج الشعبي متشابكة ومعقدة ومتبدلة، بقدر ما تظهر واضحة وعارية بهذه الفترة.

الاحتقان من أدق التفاصيل

قد لا يختلف اثنان في واقعنا الراهن على أن المزاج الشعبي العام، تجاه الوضع المعيشي مثلاً، تجاوز مرحلة التململ والتذمر والاستياء، ووصل لمرحلة الغضب.

وقد لا يختلف اثنان على أن تردي الواقع الخدمي، بالتوازي مع تدهور الوضع المعيشي الضاغط، ومع تداعيات ومفرزات الحرب والأزمة، وفي ظل استمرار السياسات الاقتصادية الليبرالية المحابية لمصالح الأقلية الفاسدة والناهبة، والمجحفة بالمقابل بحق الغالبية المفقرة، أوصل هذا المزاج لمرحلة الاحتقان من جديد.

فالأحاديث اليومية، وما يجري تداوله عبر وسائط التواصل الاجتماعي، بين الجدية والسخرية والتهكم، لا يخرج عن كونه تعبيراً عن حال الاحتقان المستمر والمتزايد لدى الغالبية المفقرة والمجوعة. والأمر لم يعد يرتبط بتصريح من هذا المسؤول أو ذاك، ولا بما يتعلق بتردي خدمة معينة، أو بتقصير ولا مبالاة هنا وهناك، ولا حول غياب أو تغييب دور الدولة وتراجعه، بل على أدق التفاصيل الحياتية اليومية المتشابكة والضاغطة على حياة الغالبية المفقرة والمهمشة.

النزوع نحو الاستقرار حال طبيعي

بحسب بعض الاختصاصيين: «إن المزاج العام لا يمكن أن يخطئ بنزعته نحو الاستقرار، وإعادة الدفع إليه عند الضرورة».
فمفردات مثل: (التوتر، التململ، التذمر، القلق، الخوف، الهدوء، السكينة، الغضب، التهكم، التفاؤل، اليأس، التشاؤم، الإحباط..) ربما هي عميقة بمدلولها النفسي، على المستوى الفردي، وبانعكاساتها على الوسط المحيط، وهي مرنة بحيث تبدو متبدلة ومتغيرة، برغم النزوع الطبيعي نحو التوازن والاستقرار والسكينة، إلا أنها جميعاً تعبر عن حال مزاج، قد يكون عنصره الأساس فردياً، لكنه يتحول إلى شعبي ومجتمعي عام عندما تجتمع عوامل عدم الاستقرار وتُعمم.

فتبدل وتغير حال المزاج الفردي الخاص والشعبي العام حالة طبيعية، وتقلباتها يمكن قياسها بين (المرن والخشن) بحسب الظرف والحال، وبحسب درجة التوتر كمعيار رئيسي ربما، وذلك بحسب تغير الظروف والشروط الحياتية، وآثارها ونتائجها على الحاضر والمستقبل.
فهذا التبدل والتغير غايته الدفع باتجاه تغيير التوجهات التي تزعزع حال الاستقرار الذي ينزع إليه الفرد والمجتمع عموماً بشكل طبيعي.

عوامل الاستقرار ومساعي الاحتواء

عند الحديث عن عوامل الاستقرار، التي ينزع إليها الفرد والمجتمع، يبدأ الحديث عن تلبية المتطلبات والحاجات، المتطورة والمتغيرة بدورها، والتي تحكمها عموماً جملة من الشروط، منها ما هو فردي على مستوى الإمكانات وتوظيفها وصولاً إلى تحقيق الطموحات والرغبات، ومنها ما هو عام على مستوى توجهات المجتمع العامة، بما يخدم ويحقق استمراره وتطوره ونموه، والتي تحكمها بالنتيجة جملة من السياسات والتوجهات والضوابط والقوانين، وغيرها من العوامل الكثيرة الأخرى.

وبشكل عام، يجري التعامل مع حال المزاج الشعبي العام عند المنعطفات والمتغيرات، التي ترخي بظلالها السلبية على الحياة والمعيشة والخدمات، عبر أدوات تقليدية تعمل على إعادة احتوائه، في مسعى لاستعاد الثقة بالتوجهات والسياسات المعمول بها، وهو ما كان يجري، وما زال، على مستوى العمل الحكومي مثلاً، بغض النظر عن النجاح بذلك من عدمه!

لا إمكانية لاستمرار الاحتواء

واقع الحال يقول: إن السياسات الحكومية المطبقة، مع نتائجها السلبية الكبيرة على كافة المستويات، استنزفت كل إمكانات استعادة ثقة المواطنين بها، وخاصة الغالبية المنهوبة والمفقرة والمهمشة، بغض النظر عن مواقفهم ومواقعهم وتوجهاتهم.

فالضغوط المعيشية القاسية، بالتوازي مع تردي الخدمات، وما وصل إليه الحال مع واقع النهب والفساد، الكبير والفج والوقح، المغطى عليه من خلال هذه السياسات، أصبحت أكبر بكثير من حدود إعادة الاحتواء عبر اتباع السياسات نفسها، والآليات المستهلكة والمعادة والمكررة نفسها.

التغيير والنزوع للاستقرار
والقرار 2254

إذا كان النزوع نحو التغيير بغاية الوصول إلى الاستقرار أمر طبيعي كما سبق، سواء على المستوى الفردي أو على المستوى الشعبي والمجتمعي العام، فإن التغيير الشامل والعميق بات حاجة ملحة وضرورية، مجتمعياً وشعبياً، حتى مما قبل لحظة تفجر الأزمة الوطنية، نتيجة تراكم الكثير من عوامل الاضطراب والتوتر وعدم الاستقرار التي شملت كافة مناحي الحياة، والتي تزايدت حدتها خلال سنوات الحرب والأزمة بشكل كبير، وتفاقمت بشكل مطرد مؤخراً.

فمع استمرار الأزمة الوطنية العامة دون حل حتى الآن، برغم توفر أداة حلها المتمثلة بالقرار 2254، ومع استمرار عوامل التعطيل والعرقلة للوصول إلى هذا الحل من قبل بعض القوى الفاعلة والمؤثرة، محلياً وإقليمياً ودولياً، فقد بلغ التوتر الاجتماعي درجاته القصوى مجدداً، متجاوزاً حدود الاحتقان، ربما بانتظار لحظة تفجر جديدة، فالمزاج الشعبي محتقن، وعامل الزمن لن يرحم أحداً!
ومع عدم تغييب تباين أدوار وغايات وأهداف القوى المؤثرة على الأزمة الوطنية، إقليمياً ودولياً، لعل السؤال الذي يفرض نفسه على كافة القوى الوطنية، الجدية والجادة،

بهذا السياق:
هل من الوطنية الدفع بهذا الاتجاه «التفجر»، أو الصمت حياله، مع كل ما قد يحمله من آلام مخاض، بغاية الوصول إلى التغيير الشامل والعميق المنشود الذي يفرض الاستقرار اللازم، باعتباره نزوعاً طبيعياً مستحقاً لا فكاك منه شعبياً ومجتمعياً ووطنياً، أم السير نحو هذا التغيير بسلاسة، بعيداً عن كل أساليب التعنت والتعطيل التي تمارسها بعض القوى، سعياً إلى إعادة الاستقرار عبر تنفيذ القرار 2254 كاملاً، وبالسرعة الكلية تلافياً لآلام المخاض مجدداً، والتي من الممكن أن تكون أكثر إيلاماً وأطول مدة ربما، مع يقيننا أن النتيجة الموضوعية محسومة بالنهاية لمصلحة الشعب والوطن لا محالة؟.

معلومات إضافية

العدد رقم:
991