مأساة متصاعدة في التعليم
من المعلوم بالضرورة لأي عاقل يعي ما تحتاج إليه كل دولة حتى تحقق وتواكب تطورات وضرورات العصر من تعليم يرتقي بعقول الجيل، ويجعل منهم أبناءً قادرين على البناء والتطوير، فما هو حال التعليم في بلدنا؟
لا شك أن التعليم في سورية، وخاصة خلال سنوات الأزمة، تعرض إلى كثير من التراجع والترهل في مراحله كافة، وخاصة التعليم الأساسي والثانوي، وفي كل نواحيه.
وقد نشرت قاسيون في أعداد سابقة بعض المشكلات المتعلقة بالتعليم والتربية، وما زالت المشكلات بتفاقم مستمر.
الاكتظاظ والوباء
الاكتظاظ في الصفوف الدراسية، وبالسواد الأعظم من المدارس، ظاهرة ليست بالجديدة، فالصف في بعض المدارس تجد فيه ما يزيد عن خمسين طالباً ويجلس في المقعد ثلاثة طلاب، وبعضهم قد لا يجد لنفسه مقعداً يستقر فيه مع حقيبته المدرسية، فيفترش الأرض قرب منصة المدرس، أو يجلس عليها ملتفتاً إلى السبورة.
ورغم استيعاب بعض مدارس الحلقة الأولى للطلاب على شكل حضور صباحاً وظهراً بالتناوب، إلّا أن مشكلة الاكتظاظ لا تزال قائمة، ما يعكس مشكلة لدى المدرس في ضبط الشعبة، وإنهاء الدرس في الوقت المخصص الذي لا يزيد عن 45 دقيقة، كما أنه غالباً لا يستطيع أن يتابع عملياً هذا العدد الكبير بشكل كامل، ولا يستطيع مشاهدة ما يكتبونه.
مقاعد غير كافية والموجود مهترئ
أما المقاعد ذاتها فهذه مشكلة أخرى، إذ إن النقص في عدد المقاعد في كل صف دراسي يترك آثاره السيئة على الطالب والمدرس، قد تجد أكثر من عشرة طلاب يجلسون على الأرض بلا مقاعد في بعض المدارس، مع أن مدراء المدارس يطالبون بتزويد المدرسة بمقاعد كافية، غير أن الاستجابة ضرب من التمني الذي نادراً ما يتم الاستجابة له بعدد غير كاف.
أما المقاعد الموجودة فهي على حالةٍ من التآكل والاهتراء لدرجة أنه يستحيل وضع ورقة عليها عند الامتحان، وأصبح العرف عند الطالب أن يحضر داعماً سميكاً لكي يضع عليها ورقته الامتحانية.
فأين تصريحات وزارة التربية حول البروتوكول الصحي لتفادي وباء كورونا المستجد في المدارس، إذ لا يمكن تنفيذ التباعد الجسدي بين الطلاب في ظل الازدحام من طرف، ونقص عدد المقاعد من طرف آخر؟
المدارس بلا تعقيم
أو صابون أو مشرف صحي!
عندما نقول تدابير احترازية فهذا يعني مثلاً: أن الطالب الذي يرتدي كمامة يستطيع أن يدخل إلى دورة المياه المعقمة والمزودة بالصابون مع وجود المياه المستمر، مع عدد دورات مياه كافية، وهذا في مدارسنا ضرب من الخيال!
فأعداد دورات المياه لا تتناسب أبداً مع عدد الطلاب الموجودين، أما التعقيم والصابون فهذا ما لم نجده أبداً، فغسل اليد بشكل مستمر بالصابون لا يمكن أن نرجوه من الطلاب في ظل هذا الواقع، حتى المدرسين يعانون من الواقع ذاته في المدارس، إذ لا توجد دورات مياه كافية، أي: بمعدل دورتي مياه لـ 30 مدرساً في المدرسة مع الشح بمواد التنظيف.
مناهجنا الدراسية والتجهيزات!
وُضِعت المناهج الحديثة بكل تفاصيلها كما هو مفترض لتواكب التطور التكنولوجي، تحديثاً لما كانت عليه المناهج القديمة، فكيف يستطيع المدرس تطبيق طرائق التعليم الحديثة وفق هذه المعطيات بدءاً من المقاعد وانتهاءً بالإنترنت؟
المناهج الدراسية الحديثة تحتاج إلى شابكة سريعة يحصل الطالب منها على ما يحتاجه من معلومات ومراجع غير موجودة في المكتبة، والكثير منهم يفتقر إلى الإنترنت خاصة في ظل التقنين الكهربائي الذي يصل إلى 4 ساعات قطع، وساعتي وصل مع التقطع أيضاً، وبطء في الشبكة لدرجة أنه يصعب تحميل أي بحث مطلوب، وبعض المواد تحتاج إلى أجهزة إسقاط ضوئي في كل شعبة حتى يتم تنفيذ الدرس بالشكل المطلوب، حتى الوسائل البسيطة غير الإلكترونية كثيراً ما يفتقدها المدرس كالأقلام الملونة ولوحات الإيضاح وأجهزة الصوت للغات.
فالأمر ببساطة أن كل ما وُضِع من مناهج حديثة ومطورة تنفذ على الطريقة القديمة من سبعينات القرن الماضي، وذلك بسبب قلة التجهيزات، بالإضافة إلى عدد الطلاب الذي يجب أن يكون وفق الطرائق الحديثة لا يتجاوز 25 طالباً في الشعبة الصفية.
الكتاب المدرسي
الكتاب المدرسي وهو الأهم بالنسبة للطالب، وخاصة في الحلقة الأولى، وقد اشتكى الكثير من الأهالي من تسليم الطلاب كتباً مدورة من العام السابق، وقد تعرضت للتلف ونجد فيها الأسئلة محلولة، بغض النظر عن صحة الحلول من الطلاب السابقين غير أنه لا تتماشى مع الغاية من هذه المناهج، كما أن طلاب الصف الأول والثاني يجدون نفوراً من التعلّم أثناء تلقيهم هذه النماذج من الكتب التالفة والمكتوب عليها من قِبل غيرهم.
تطبيق مفاجئ للاقتراحات!
كانت قد أعلنت وزارة التربية مسبقاً اقتراحاً يشمل تطبيق الدوام على دفعتين في حال ازدحام الطلاب، وبالتناوب صباحاً وظهراً، مع ما قد يعكسه هذا الأمر من أضرار على المعلمين الذين يلتزمون بأعمال بعد الظهر في شتى القطاعات الخاصة، لترميم جزء من الهوة الأجرية وانعكاساتها السلبية على المستوى المعيشي.
الاقتراح والتنفيذ قد يكون إيجابياً على بعض المستويات، وخاصة بما يتعلق بالازدحام في المدارس وبداخل الشعب الصفية وهو أمر ضروري ومطلوب، غير أن مثل هذا القرار كان يجب أن يطبق قبل بدء العام الدراسي حتى يتمكن ذوو الطلاب والمدرسون من برمجة أوقاتهم، وترتيب أولوياتهم حسب هذه الظروف، أما أن يفرض فجأة، وبعد مضي قرابة الشهر من بدء العام الدراسي في بعض المدارس، فهو ما يجعل الأهالي والمدرسين معاً في حالة من الارتباك والضيق، وهو ما جرى مع البعض من هؤلاء مؤخراً، حيث اضطر بعض ذوي الطلاب للتغيب عن أعمالهم مؤقتاً ريثما يعيدوا برمجة أوقاتهم بما يتناسب مع الدوامين، وبعض المعلمين اضطروا للتخلي مؤقتاً عن فرصة عملهم الثانية التي تعينهم على معيشتهم، ريثما يبرمجون أمورهم من أصحاب الأعمال الخاصة الذين يعملون لصالحهم.
ما سبق غيض من فيض مشكلات قطاع التعليم، وما زال الحديث فيه الكثير من التتمة التي ستأتي تباعاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 987