«القص واللصق» الحكومي سياسة أيضاً
استعرضت الحكومة عبر موقعها الرسمي بتاريخ 13/6/2019 رؤيتها حيال القطاع الصناعي والإنتاجي، تحت عنوان: «جردة حساب.. أكثر من 55 قراراً لدعم القطاع الصناعي والانتقال من العشوائية إلى التنظيم».
فقد ورد كمقدمة لهذا الاستعراض ما يلي: «كان للقطاع الصناعي حصته الوافية من الدعم والمتابعة في إطار سياسة التبني الحقيقي للإنتاج المحلي التي اعتمدتها الحكومة السورية، انطلاقاً من شعار «الاعتماد على الذات» الذي لم يكن اعتماده من باب الترف، بل حلاً وحيداً في ظل الظروف الاقتصادية والعقوبات القاسية المفروضة على سورية».
وقد ورد أيضاً: «في هذا السياق، اتخذت الحكومة مجموعة قرارات تزيد عن /56/ قرار على مدى العامين الماضيين لدعم قطاعي الصناعة والاستثمار والعودة مجدداً إلى ممارسة هذا القطاع لدوره في معادلة النمو الاقتصادي، بعد أن فاقت خسائره 100 مليار دولار.. مع الاستمرار بتطوير معامل القطاع العام الرابحة بالتشاركية مع القطاع الخاص الصناعي لإعادة تنشيط المعامل المتوقفة عن الإنتاج.. توزعت التشريعات التي تم إصدارها في هذا الإطار بين الدعم المادي والإجرائي، وشملت تخصيص 20 مليار ليرة كدعم مباشر للمستثمرين و20 مليار كدعم للفوائد المترتبة على المقترضين، وإعادة تأهيل البنى التحتية للمدن والمناطق الصناعية».
بالإعادة إفادة
عدد القرارات، مع بعض الأرقام والحيثيات السابقة، كانت الحكومة قد أوردتها خلال مناسبة أخرى سابقة عن التاريخ أعلاه بما يقارب 4 أشهر، وذلك في مبنى هيئة الاستثمار السورية بتاريخ 21/2/2019.
فقد غطت وسائل الإعلام في حينه، لقاء رئيس الحكومة، بصحبة عدد من الوزراء والمسؤولين، مع مجموعة من المستثمرين من قطاعات مختلفة، ومن مختلف المحافظات، وذلك خلال «إطلاق أول جلسة من جلسات الأربعاء الاستثماري، لحل ما يعترض مسيرة هذا الملف المتعثر وبالسرعة القصوى لكل حالة على حدة، لكن مع التركيز على عبارة «المستثمرين الجادين والجادين فقط».
ومما ورد في حيثيات الاجتماع أعلاه: «دعا رئيس الحكومة إلى الاستثمار الحقيقي والجدي، وطرح أية مشكلة ضمن اجتماع دوري يحدد كل أربعاء في هيئة الاستثمار، لتبقى الكرة في ملعب من لديه نية حقيقية في الدخول في هذا المجال، وذلك ضمن خطة الحكومة للتنمية الاقتصادية وتبسيط الإجراءات، حيث اتخذت /56/ قراراً على مدى عامين منها مادي والآخر إجرائي لدعم قطاعي الصناعة والاستثمار.. هناك تسهيلات كثيرة للمستثمرين، حيث تم تخصيص 40 مليار ليرة سورية منها 20 مليار للدعم المباشر و20 مليار لدعم الفوائد المترتبة على المقترضين».
مراوحة بالمكان
يبدو الاستعراض الحكومي الأخير بتاريخ 13/6، بالمقارنة مع مضمون الاجتماع مع المستثمرين بتاريخ 21/2، وكأنه عملية «قص ولصق» لبعض العبارات والأرقام ليس إلا، ويمكن لمن يرغب أن يعود للتغطيات الإعلامية عن كليهما، ربما مع بعض الاستثناءات بالعناوين والتوجه.
ففي الاستعراض الجديد يبدو التوجه لدعم القطاع الصناعي والإنتاج المحلي، بينما كان الاجتماع مع المستثمرين من أجل التسهيلات التي تخص استثماراتهم، بحيث يبدو وكأنه لا مانع لدى الحكومة من تغيير العناوين، والقطاعات المستهدفة من خلالها بحسب الحال، طالما أن الأرقام الرسمية موحدة.
وبعبارة أخرى، بالمقابل، فإن الحكومة ومنذ أكثر من 4 أشهر تبدو وكأنها تراوح مكانها، سواء على مستوى ما تسميه «دعم القطاع الصناعي والإنتاجي» أو على مستوى القطاع الاستثماري، وجلّ ما هناك هو إعادة لتبويب الأرقام الرسمية المتداولة.
جديد لا يمكن إغفاله!
بمطلق الأحوال، فإن القرارات المذكورة كإنجاز خلال عامين بغالبيتها تحمل المزيد من الامتيازات للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، والدليل هو مبالغ الدعم المقدمة والمعلنة، ولعل الجديد الوحيد المطروح حالياً من خلال الاستعراض الحكومي بتاريخ 13/6 يتمثل بعبارة: «الاستمرار بتطوير معامل القطاع العام الرابحة بالتشاركية مع القطاع الخاص الصناعي لإعادة تنشيط المعامل المتوقفة عن الإنتاج»، كتأكيد على السياسات الحكومية المتبعة بهذا الصدد.
ولا ندري ما هي الجدوى من التشاركية مع القطاع الخاص الاستثماري بالنسبة لمعامل القطاع العام الرابحة تحت مفردة «التطوير»، اللهم باستثناء ضمان الربح للمستثمرين على حساب هذه المعامل الرابحة أصلاً، كما على حساب العاملين فيها وحقوقهم بلا شك، كمدخل لاستكمال الخصخصة تحت اسم «التشاركية» الملتوي، أي: على حساب الاقتصاد الوطني ككل بالنتيجة والمآل، كما لا ندري كيف يستوي ذلك مع عبارة «سياسة التبني الحقيقي للإنتاج» بعد أن يصبح قطاع الدولة يتيماً على إثر التخلي الحكومي عنه يوماً بعد آخر.
فالحكومة ما زالت مستمرة باستنزاف قطاعات الإنتاج، الصناعي وغيره، عبر سياساتها المتبعة، وخاصة السياسات الأجرية، فلا دعمَ حقيقياً ولا من يحزنون، كما ما زالت أولويتها هي تقديم كل ما يلزم لزيادة أرباح المستثمرين مع كافة التسهيلات اللازمة لتحقيق ذلك، بما في ذلك التخلي عن قطاعات الدولة الرابحة نفسها، بل والسيادية أيضاً، وذلك تماشياً مع السياسات الليبرالية المعتمدة من قبلها، طبعاً مع غض النظر عن جنسية المستثمرين كأفراد أو شركات، محليين أو أجانب.
وبهذا المعنى، يبدو العمل الحكومي لا يقتصر على سياسة «القص واللصق» المقترن بالعبارات وحسب الحال فقط، بل بسياسة «القص واللصق» الليبرالي المقترن بنقل الملكية الخاصة بالدولة والشعب إلى أصحاب الرساميل بشكل متتابع وبلا توقف، مع ضمان تحقيق الأرباح لهؤلاء، عبر المزيد من المزايا والتسهيلات، مع المزيد من استنزاف جيوب الغالبية المفقرة والمسحوقة من الشعب لتستقر في جيوب القلة التي تثرى على حساب هؤلاء كما على حساب الاقتصاد الوطني.
استعادة ما تم التفريط به
لا شك أن رأس المال جبان بطبيعته، ولا يرغب بالمغامرة، والمستثمرين من أصحاب رؤوس الأموال دائمي البحث عن القطاعات الأكثر ضماناً للربح، والأعلى فائدة منها، والأسرع في دورة رأس المال، لكن ذلك لا يعني أن تقوم الحكومة بتقديم قطاعات الدولة الرابحة على طبق من ذهب لهؤلاء من أجل ضمان أرباحهم بأعلى نسب ممكنة وأسرع عائدية متاحة، على حساب هذه القطاعات والعاملين بها والاقتصاد الوطني، كما جرى ويجري حتى الآن، والأمثلة على ذلك أصبحت عديدة وكثيرة، بل وتفقأ الأعين، اعتباراً من الاتصالات، ومروراً بالإسمنت والفوسفات، وليس انتهاء بالمرافق السيادية.
بل من واجبها أن تستعيد ما تم التفريط به من هذه القطاعات خلال السنوات الماضية تحت عناوين تشجيع الاستثمار وغيرها من الذرائع الأخرى، كما من واجباتها أيضاً أن تقدم كل ما يلزم للمساعدة على إعادة الحياة لكافة قطاعات الدولة الإنتاجية والإنشائية والخدمية وغيرها، بشكل حقيقي وفعلي بعيداً عن الشعارات المكررة والعبارات البراقة، ولعل ذلك يكون بداية التطبيق الحقيقي لما ورد أعلاه بأن: «شعار الاعتماد على الذات لم يكن اعتماده من باب الترف، بل حلاً وحيداً في ظل الظروف الاقتصادية والعقوبات القاسية المفروضة على سورية».
أما بداية البداية على هذا الطريق فهي القطع مع السياسات الليبرالية المتبعة منذ عقود، والتي كانت أحد أهم أسباب ما نحن فيه، وما يمكن أن نصل إليه، مع الوطن، من بؤس بحال الاستمرار بها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 918