إما زيادة الأعمار أو تعديل السياسات التعليمية!
سمير علي سمير علي

إما زيادة الأعمار أو تعديل السياسات التعليمية!

أوضح وزير التعليم العالي مؤخراً: «أنه سيتم إعادة النظر في سن التقاعد للأستاذ الجامعي من خلال قانون تنظيم الجامعات ورفعه بما يلبي الطموح»، وذلك بحسب إحدى الصحف الرسمية، على ضوء الحديث عن ظاهرة عدم ترفع الأستاذ الجامعي والتقاعد المبكر والاستقالة من الجامعات الحكومية، من أجل «كسب المناصب في الجامعات الخاصة ذات الرواتب العالية، ولاسيما في الاختصاصات الطبية«، وقد بينت الصحيفة بحسب مصادرها أيضاً: أن «عدد أعضاء الهيئة التدريسية 4970 عضواً».

إن عرض المشاكل المرتبطة بالكادر التعليمي في المرحلة الجامعية، وأعضاء الهيئة التدريسية فيها، على هذا الشكل، ووفقاً لهذا الأسلوب من الإخراج والحلول، فيه الكثير من الاختصار والاستسهال في عرض جوهر هذه المشاكل وعمقها، وصولاً للطريقة الناجعة في حلها، مع غيرها من المشاكل المتشابكة معها أيضاً.

زيادة الأعمار هي الحل الأنسب

لا شك أن وزارة التعليم العالي ومن خلال واقع النقص بعدد أعضاء الهيئة التدريسية في جميع الجامعات الحكومية، وواقع المنافسة مع الجامعات الخاصة على مستوى الأجور كآلية استقطاب لهؤلاء، ارتأت بأن يكون الحل هو بزيادة سن التقاعد الحالي لهم، ولو كان بيدها ربما ترتأي أن تطالب بزيادة من أعمارهم أيضاً، مع دعائنا لهم بطول العمر طبعاً.
فزيادة أعمار أعضاء الهيئة التدريسية بالتوازي مع زيادة سن التقاعد سيكون الحل الأبعد أمداً لهذه المشكلة من دون شك، ويبقى أن تلجأ الوزارة للدعاء لتحقيق ذلك! خاصة إذا علمنا أن سن التقاعد للمدرس 60 عاماً، وللأستاذ المساعد 65 عاماً، وللأستاذ 70 عاماً.
فهذا النمط من الحلول الجزئية لا شك أنه يرتبط بكيف يتم النظر للمشكلة ومن أية زاوية؟ وبالتالي، ستكون هذه الحلول على شاكلة تلك النظرة من الاجتزاء، والنتيجة، أن المشكلة مع تشابكاتها ستستمر دون الحلول الحقيقية لها.

أرقام وبيانات

بحسب بيانات المجموعة الإحصائية لعام 2018 الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء، فقد كان عدد أعضاء الهيئة التعليمية في العام الدراسي 2016-2017 على مستوى جميع جامعات القطر (دمشق- حلب- تشرين- البعث- الفرات- حماة- طرطوس)، كما يلي:
/5246/ إناث، /3855/ ذكور، وبمجموع وقدره /9101/، طبعاً يشمل ذلك جميع الكليات: (حقوق- اقتصاد- شريعة- تربية موسيقية- التربية- العلوم الصحية- الطب البيطري- العلوم التطبيقية- الإعلام- السياحة- هندسة كهرباء ميكانيك- هندسة كيميائية وبترولية- العلوم السياسية- هندسة المعلوماتية- تكنولوجيا الاتصالات- هندسة تقنية- الزراعة- الفنون الجميلة- الآداب والعلوم الإنسانية- الطب- الصيدلة- طب الأسنان- السنة التحضيرية- التمريض- العلوم- هندسة العمارة- هندسة مدنية)، البالغ عددها 26 كلية، طبعاً مع عدم إغفال تفرعاتها بالإضافة إلى المعاهد التابعة لوزارة التعليم العالي.
بالمقارنة مع الرقم أعلاه، لا بدَّ من الإشارة إلى أعداد الطلاب أيضاً بنفس العام الدراسي 2016-2017، حيث كانت بحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء كالتالي:
أعداد الطلاب /184149/ إناث، /234415/ ذكور، وبمجموع /418564/، بالإضافة لأعداد المستجدين البالغ /38866/ إناث، /50156/ ذكور، وبمجموع /89022/ طالب وطالبة مستجدين، فيصبح المجموع العام لطلاب المرحلة الجامعية بجميع الجامعات /507586/ طالب وطالبة.
وبحساب النسبة والتناسب بين مجموع أعداد أعضاء الهيئة التدريسية مع مجموع أعداد الطلاب، يتبين أنه بالعام الدراسي 2016-2017 كان لكل 55 طالب وطالبة تقريباً عضو هيئة تدريسية واحد.
وبالمقارنة مع العدد الحالي لأعضاء الهيئة التدريسية بهذا العام الدراسي 2018-2019 حسب ما ورد أعلاه والبالغ /4970/ عضواً، أي: بانخفاض وقدره /4131/ عضواً، بنسبة تعادل 50%، يمكن أن نستنتج أن الواقع الحالي فيه لكل 110 طالب وطالبة عضو هيئة تدريسية واحد، طبعاً مع الأخذ بعين الاعتبار أن مجموع أعداد الطلاب قد تزايد خلال الأعوام الدراسية الماضية لا شك.

الإقبال على الكارثة

من البيانات المختصرة أعلاه، يتضح بأن مشكلة بهذا الحجم الكبير من النزف بالكادر التدريسي في المرحلة الجامعية، بالمقارنة مع أعداد الطلاب الجامعيين المتزايد عاماً بعد آخر، لا يمكن أن يكون حلها بزيادة السن التقاعدي لأعضاء الهيئة التدريسية الحاليين، على حسابهم وعلى حساب صحتهم وفناء عمرهم، ناهيك عن كونها على حساب معيشتهم مع أسرهم أصلاً في ظل السياسة الأجرية المتبعة، وإذا ما أضفنا لذلك ما تقدمه الجامعات الخاصة من ميزات وامتيازات، لا تقف عند حدود الأجر فقط، يتبين حجم الكارثة المقبلين عليها على مستوى التعليم الجامعي، فقط من هذه الزاوية دون سواها.
طبعاً لا يمكن النظر لهذا النزف المستمر بالكادر التدريسي دون النظر لما تقوم به الوزارة على مستوى التعويض عنه، فواقع الحال يقول: إن سياسات التعليم الجامعي المعمول بها، وخاصة على مستوى الدراسات العليا ودرجات الماجستير والدكتوراه والبحث العلمي، لن تكون كفيلة بردم الهوة التي وصلنا إليها، ولعل الأمثلة على ذلك كثيرة يصعب عدّها وتعدادها.
فالصفحات الجامعية على وسائل التواصل الاجتماعي فيها الكثير مما يعانيه الطلاب بمراحل الدراسات العليا والدرجات العلمية، اعتباراً من القبول مروراً بالتمويل وليس انتهاء بالامتحانات والرسائل والإشراف عليها، وكل ما يتعلق بهذا الجانب الهام، باعتباره ركيزة الانطلاق الافتراضية لترميم النقص بالكادر التدريسي لاحقاً، بالإضافة طبعاً إلى الحاجة له على مستوى بقية القطاعات ككادر مؤهل وحاصل على الدرجات العلمية التخصصية.
ومع إضافة تداعيات السياسات الحكومية الأخرى تشابكاً مع تداعيات مشاكل التعليم العالي والسياسات المرتبطة به لكم أن تتخيلوا حجم المشكلة، وإلى أية درجة كارثية يمكن أن نصل لاحقاً.
ختاماً نختصر بالقول: لا يمكن أن تُحل المشاكل وفقاً لنماذج الترقيع السائدة، وعلى حساب المواطنين، بغض النظر عن موقعهم ودورهم، ولا نبالغ عندما نقول: إن جُلّ مشاكلنا يرتبط بالسياسات المعمول بها، وهي ما يجب العمل على تعديله، وكل ما عدا ذلك لن يكون إلا تأجيلاً يترافق مع تفاقمٍ بالمشاكل أكثر وأعمق.

معلومات إضافية

العدد رقم:
918
آخر تعديل على الإثنين, 17 حزيران/يونيو 2019 13:01