مدينة التل.. تصعيد أهلي مثمر
حسم مجلس مدينة التل الجديد موضوع المشكلة المثارة حول بيع بعض الأراضي في المدينة لإحدى الجمعيات السكنية، حيث قرر المجلس بتاريخ 18/11/2018: «طي قرار بيع العقارات (السكن الشعبي) وإرسال كتاب إلى محافظة ريف دمشق مشفوعاً بدراسة قانونية وفنية حول أسباب قرار الطي».
المشكلة المثارة بحيثياتها ومجرياتها ومفاعيلها، وصولاً لقرار الحسم أعلاه، هي حادثة تجدر الإشارة إليها والتوقف عندها، وذلك من أجل تسليط الضوء على دور المجتمع الأهلي ووسائل الإعلام والرأي العام، إن جاز قول ذلك.
في الحيثيات والمجريات
وافق مجلس المدينة السابق على عقد بيع لقطعة أرض مساحتها بين 12 و14 دونماً في منطقة الجمعيات (السكن الشعبي) داخل التنظيم في منطقة حرنة الشرقية لإحدى الجمعيات السكنية حديثة العهد، والتي أُشهرت في نهاية عام 2016، وذلك بسعر المتر 10 آلاف ليرة سورية فقط.
اللافت في الأمر، حسب ما رشح عبر وسائل الإعلام، أن الجمعية كانت قد وجهت كتابها إلى مجلس مدينة التل طالبة تخصيصها بقطعة الأرض تلك بتاريخ 3/9/2018، وبتاريخ 5/9/2018 طلب المجلس من محافظة ريف دمشق توضيحاً عن الأسعار التي يمكن بيع المقاسم للجمعيات بها، ليصدر قرار المجلس بالموافقة على التعاقد بالتراضي لتخصيص الجمعية بالمقاسم المطلوبة بتاريخ 13/9/2018، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المجلس في ذلك الوقت كان مستغرقاً بعمليات التحضير لانتخابات الإدارة المحلية، حيث أسفرت النتائج عن تشكيل مجلس مدينة جديد في النصف الثاني من نفس الشهر.
ما أثار حفيظة الأهالي بداية هو سرعة أداء مجلس المدينة السابق في البت بموضوع الموافقة على التعاقد بالتراضي مع الجمعية، حيث أنجزت تلك العملية بفترة قياسية لم تتجاوز الـ 10 أيام، وذلك في الزمن الضائع خلال فترة التحضير لانتخابات مجلس جديد، الأمر الذي وضع إشارات استفهام من قبل الأهالي عن سبب الإسراع في إنجازه لهذه المهمة بهذا الزمن القياسي؟!
أما الصاعق بالنسبة للأهالي فقد كان حول سعر المتر المربع الذي أقر كقيمة للأرض المخصصة للجمعية، حيث حدُدِّ السعر من قبل المجلس بمبلغ 10 آلاف ليرة للمتر المربع فقط، والمقارنة التي تم الحديث عنها من قبلهم حول رفض مجلس المدينة سابقاً أن يبيع بعض المقاسم لإحدى الجمعيات في عام 2010 بسعر 70 ألف ليرة للمتر المربع، وذلك لانخفاض السعر، وقيامه ببيع بعض الأراضي في مناطق مرتفعة بأسعار مضاعفة عن تلك، علماً أن التقديرات تقول بأن سعر المتر المربع في الوقت الحالي من المفترض ألّا يقل عن 100 ألف ليرة.
ما سبق أعلاه شرّع الأبواب أمام الأهالي لطرح المزيد من التساؤلات، ولوضع المزيد من علامات الاستفهام عن الصفقة التعاقدية بين الجمعية السكنية المعنية والمجلس القديم، والتي لم تخلُّ من الشبهات عن فسادها.
تصعيد أهلي
تفاعلت مواقف الأهالي، وصولاً للضغط من أجل إلغاء التعاقد «الصفقة» مع الجمعية السكنية، وإعادة النظر بالسعر المقدر والمقرر للأراضي المخصصة للجمعيات، خاصة وأن عائدات البيع من المفترض أن تشكل إيراداً للمدينة لتغطية المصاريف على المشاريع الخدمية والبنية التحتية في المدينة، من تزفيت للطرقات وإنارتها وحل مشكلة الكهرباء والصرف الصحي والمياه والنظافة وغيرها، وهي بالنتيجة حق من حقوق المواطنين في المدينة، في الوقت الذي تشكو منه المدينة من نقصٍ في هذه الإيرادات من أجل هذه الغايات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن النفقات التي ستتكبدها المدينة لقاء تأمين البنية التحتية والخدمات للأراضي المتعاقد عليها مع الجمعية كمقاسم سكنية، ستكون أكبر بكثير من الإيرادات منها، أي: أن الموضوع برمته عبارة عن خسارة بخسارة، بحسب الأهالي.
وقد تصاعدت المواقف الأهلية وصولاً لأنماط الاحتجاج والتعبئة عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وعبر وسائل الإعلام، مطالبة المجلس الجديد بإلغاء التعاقد مع الجمعية الذي بت به المجلس السابق، خاصة وأن ذلك يعتبر من صلاحيات المجلس قانوناً، وهو ما جرى فعلاً، حيث طوى المجلس الجديد القرار البيع كما ذكر أعلاه.
المخططات التنظيمية
والنفع العام
الموضوع، والمشكلة، والاحتجاج الأهلي، وأنماط التعبئة، وإشارات التعجب والاستفهام، والشبهات، وما أسفرت عنه من نتائج تمثلت بطي القرار، ربما لم يكن كافياً بالنسبة للأهالي، رغم أهمية القرار.
في المقابل لا بدَّ من الإشارة إلى أهمية الأنماط التعبوية والضاغطة التي عمل عليها الأهالي لتحشيد الرأي العام في المدينة، وتجاوب المجلس الجديد، من أجل الوصول لهذه النتيجة مبدئياً، فربمّا ذلك يفتح الباب على المخططات التنظيمية في المناطق كافة، وما يخصص ضمنها من أراضٍ تحت مسمى «السكن الشعبي» وغيره، وعن دور المجالس المحلية والوحدات الإدارية وواجبهم تجاه الحفاظ على المصلحة العامة، وليس في مدينة التل فقط، خاصة وأن أنماط الاستملاك للأراضي وفقاً لهذه المخططات تكون ضمن إطار، وتحت مسمى، النفع العام افتراضاً، بينما واقع الحال يقول: إن عمليات الاستثمار التي تتم استناداً لهذه المخططات ربما لا تحقق هذه الغاية، حيث تصب بمجملها كأرباح في جيوب تجار العقارات وسماسرتها، بالإضافة إلى ما قد تنتفع به الوحدات الإدارية من موارد بخسة على هامشها، أو ما ينتفع به المواطنون على مستوى بعض الخدمات والبنى التحتية العامة، أما الحديث عن الجمعيات السكنية، وخاصة تلك التي تروج لنفسها بأنها مخصصة «للسكن الشعبي»، فذلك حديث آخر ذو شجون، فواقع الحال يقول: إن السكن، أيُّ سكنٍ، لم يعد متاحاً إلّا للنخبة من المقتدرين.