حمص.. مقومات العودة

حمص.. مقومات العودة

استقر الكثير من أهالي مدينة حمص في بيوتهم وأحيائهم وبدأوا باستعادة نشاطهم وحياتهم الطبيعية فيها، بينما مازالت بعض المعيقات تحول دون عودة واستقرار البقية المتبقية من هؤلاء، وكذلك هي حال الأهالي في ريف المدينة الكبير، كما يجمع هؤلاء جملة من أوجه الصعوبات والمعاناة المشتركة.

في المقابل، فإن عمليات إعادة التأهيل للبنى التحتية والشوارع الرئيسة في مدينة حمص وريفها ما زالت مستمرة من قبل المحافظة والبلديات، والتي لم تستكمل بشكلها النهائي بعد، كما تستمر استعادة الخدمات العامة للمدينة وريفها من قبل الجهات العامة الأخرى.
البعض استقر والبقية بالانتظار
بعض أحياء المدينة التي لم تتعرض للدمار بشكل كبير كانت الأسبق على مستوى عودة استقرار الأهالي فيها، واستعادة حياتهم ونشاطهم الاقتصادي والاجتماعي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجزء الأكبر من هؤلاء لم يغادروا بيوتهم وأحياءهم طيلة السنوات الماضية، بينما مازالت بعض الأحياء الأخرى التي تعرضت أجزاء كبيرة من أبنيتها للدمار الجزئي أو الكلي، واضطر الكثير من أهلها لأن يتركوها وينزحوا عنها، بانتظار عودة أهلها إليها والاستقرار فيها لاستعادة حياتهم وأوجه نشاطهم.
عودة هؤلاء إلى بيوتهم وأحيائهم عملياً لا تقتصر فقط على استكمال عمليات إعادة التأهيل للبنى التحتية فيها وترحيل الأنقاض منها وعودة الخدمات إليها، برغم أهمية كل ذلك طبعاً وضرورته، حيث تقوم المحافظة والجهات العامة الأخرى على استكمال هذه المهام تباعاً في هذه الأحياء، برغم بعض الملاحظات على هذا الجانب، وخاصة على صعيد توفير الطاقة الكهربائية وتأمين العدادات للمشتركين، لكن المشكلة الأهم بالنسبة لهؤلاء تتمثل بإمكانية إعادة تأهيل بيوتهم نفسها التي تعرضت للدمار الجزئي أو الكلي، وذلك لارتباط ذلك بجملة من المعيقات، أهمها هو: جانب التكلفة الباهظة في ظل الواقع الاقتصادي الصعب والمعيشي المتردي، وفي ظل الصعوبات على مستوى صرف التعويضات الموعودة عن الأضرار، أو على مستوى الورقيات والثبوتيات المطلوبة في حال اللجوء لبعض جهات التمويل من أجل عمليات الترميم والتأهيل، بما في ذلك براءات الذمة المطلوبة (الكهرباء- الماء- الهاتف) ومن قبل المحافظة أيضاً، بالإضافة طبعاً إلى الموافقة الأمنية المطلوبة بما لها وما عليها.
وبحسب بعض الأهالي فإن كل هذه المتطلبات تعتبر عبئاً وتكلفة إضافية كبيرة، خاصة وأن استكمال كل هذه الورقيات والثبوتيات والموافقات أصبحت بوابة للاستفادة من قبل البعض، على حسابهم وعلى حساب سرعة عودتهم واستقرارهم.
مشكلة رغيف الخبز
الخدمات العامة في المدينة، وبرغم استمرارها وعدم توقفها طيلة السنوات الماضية، إلّا أنها ما زالت منتقصة، وبحاجة للمزيد من الاهتمام، خاصة في ظل تزايد التعداد السكاني في المدينة والريف بنتيجة عودة الأهالي إلى بيوتهم.
المشكلة الأبرز بالنسبة للأهالي على هذا الصعيد تتمثل بتأمين رغيف الخبز، فهؤلاء يعانون يومياً من أجل تأمين قوت يومهم المتمثل بهذا الرغيف، بسبب شدة الازدحام على الأفران، والتي لا تختلف لا ليلاً ولا نهاراً، حيث يضطر من يريد الحصول على ربطة خبز للوقوف بطابور الفرن عدة ساعات، ما يعني عملياً الكثير من الجهد والعناء، ناهيك عن هدر الوقت، أو الاضطرار لشراء حاجته من هذه المادة من قبل المعتمدين أو من بعض المحال، طبعاً مع فارق سعري على كل ربطة، والذي يرتبط بعامل توقيت البيع، بين الليل أو النهار، وبعامل البعد عن الفرن.
وبرغم الحديث الرسمي عن أنه لا وجود لأزمة خبز ناحية الكمية، وبأن جزءاً من المشكلة مفتعل ومرتبط بتخفيض كميات الطحين الموزع على الأفران، منعاً لبيعه والاتجار به من قبل بعض المستفيدين والفاسدين، إلّا أن واقع الحال يقول: إن تأمين رغيف الخبز مشكلة، وهي بحاجة للحل، علماً أن مشكلة الرغيف لا تقتصر فقط على تأمينه، بل وفي أحيان كثيرة ترتبط كذلك الأمر بمواصفاته وجودته، حيث تختلف هذه المواصفة بين فرن وآخر، وحتى في الفرن نفسه في بعض الأحيان، ما يعني ضرورة بذل المزيد من الجهود على مستوى الرقابة والمتابعة، والجدية بذلك، كون هذه المادة ضرورة حياتية يومية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المشكلة ليست محصورة في المدينة، فهي تظهر بشكل أكثر فجاجة في الريف القريب والبعيد.
مشكلة الصحة والطبابة
المشكلة الحياتية الأخرى التي يعاني منها أهالي المدينة والريف تتعلق بجانب الصحة والطبابة، فالمشافي والمستوصفات العامة في ازدحام دائم، فبرغم الخدمات التي تقدمها هذه المشافي والمستوصفات لعموم المواطنين، إلا أنها تعتبر غير كافية، ولعل افتتاح المشفى الوطني الجديد يساعد في تخفيف الضغط والازدحام نوعاً ما، وهو ما يرجوه الأهالي، إلا أن مشكلة الأمراض لا تتعلق بتوفير فرصة العلاج منها فقط، بل في الوقت اللازم لذلك، وخاصة عندما يكون الحديث عن العمليات الجراحية، أو عن عمليات غسل الكلى مثلاً، فبعض الحالات يكون عامل الزمن بالنسبة إليها عاملاً ضاغطاً في ظل الازدحام والأعداد الكبيرة، ما يعني الاضطرار للجوء للمشافي والعيادات الخاصة، مع ما يعنيه ذلك من تحملٍ للنفقات الكبيرة جراء ذلك، فالاستطباب في القطاع الخاص أصبح من سوية النجوم الخمس، التي لا يتحمل تكاليفها إلا الحظوة من الأغنياء.
الجانب الأخر على هذا المستوى من المشكلة، هو: تأمين الدواء، ليس بسبب عدم توفره، بل بسبب أسعاره المنفلتة، حيث تتوفر في الصيدليات كافة أنواع الأدوية، وإن لم يتوفر نفس الدواء فهناك البدائل عنه، لكن كل بحسابه وحسب نوعه ومصدره، بالإضافة «إلى شطارة» الصيدلاني في كسب المزيد من الأرباح على حساب المحتاجين من المرضى، والمتضرر الأكبر من ذلك هم من يعانون من الأمراض المزمنة، القلب والضغط والسكري وغيرها من الأمراض، ولعل ذلك يعتبر مشكلة عامة لا تقتصر على مدينة حمص وريفها بل وفي كل مدينة أيضاً.
مشاكل أخرى
على هامش هذه المشاكل الرئيسة تأتي مشاكل إضافية تتضافر معها، بحيث تبدو مجتمعة عوامل منغصة بالنسبة للمواطنين.
فمشكلة المواصلات بحاجة للحل، حيث لم يتم استكمال تخديم أحياء المدينة كافة بالمواصلات، بالإضافة إلى نقص أعداد وسائط النقل العاملة على الخطوط فيها، أو بين المدينة والريف، ومع طول بعض الطرقات والتفافها بسبب استمرار إغلاق بعض الطرقات، وبوجود الحواجز، تصبح مشكلة النقل والمواصلات أكثر شقاءً بالنسبة للمواطنين، ناهيك عن بعض أوجه الاستغلال من قبل بعض السائقين، أو الاضطرار للجوء للتكاسي مع ما يعنيه ذلك من تكلفةٍ وعبءٍ.
أما مشكلة الأسعار في الأسواق، التي تعتبر مشكلة عامة، لم ولن تجد طريقها للحل على ما يبدو، خاصة في ظل ضعف الرقابة والمتابعة واستمرار أوجه الفساد. فبرغم الحديث عن كثرة دوريات التموين والصحة والبلديات في الأسواق بغاية متابعتها ورقابتها ومنع الغبن الممارس على المواطنين في السعر والمواصفة والجودة، إلّا أن واقع الأسواق على حالها من الانفلات على هذه المستويات.
ماركة مسجلة للحماصنة
مشكلة إضافية- يعاني منها العاملون في الدولة والمتقاعدون في المدينة- تتمثل بعدد الصرافات القليلة الموجودة، وتعطل جزء منها، حيث تزدحم هذه الصرافات مطلع كل شهر بالمواطنين، الذين يصطفون في طابور الانتظار في العراء، صيفاً وشتاءً، والأدهى أن يقوم بعض العاملين في المصارف، وبذريعة التعبئة أو الصيانة لهذه الصرافات، باستغلال المواطنين، حيث يقوم هؤلاء بسحب أرصدة بعض البطاقات لقاء عمولة من أصحابها، على حساب المنتظرين في الطابور، وهي طريقة جديدة من الاستغلال، لم يسبق أن سمع بها أبناء المحافظات الأخرى، وبحسب بعض الحماصنة فإن هذه الذريعة الجديدة للتكسب تعتبر سابقة يجب أن تسجل باسم هؤلاء.