دير الزور: النفوس تخنقُ الأنفاس!

دير الزور: النفوس تخنقُ الأنفاس!

بعد دحر التنظيم الإرهابي «داعش» من مدينة دير الزور وريفيها الشرقي والغربي جنوبي الفرات (الشامية) برزت عشرات آلاف المشاكل المعيشية والاجتماعية والخدمية، ومن أبرزها: تلك المتعلقة بالأحوال المدنية (النفوس).

سبع سنوات من هيمنة التنظيمات المسلحة بأسمائها المتعددة على محافظة دير الزور ريفاً ومدينة، حُرم المواطنون خلالها من مراجعة دوائر الدولة الخدمية، ومنها: السجل المدني، فتراكمت عشرات آلاف القضايا المتعلقة بحياتهم وموتاهم وولاداتهم وزواجاتهم وطلاقاتهم، وغيرها.. لأن التنظيمات المسلحة منعتهم وصادرت وثائقهم كلها.
ازدحام وإرهاق وسمسرة
الحصول على وثائق إثبات شخصية، كالهوية ودفتر العائلة وإخراج قيد وبيان عائلي، وبيانات ولادة وزواج وطلاق ووفاة، أو إثبات واقعات، وغيرها.. وهذا ما خلق ازدحاماً كبيراً يخنق الأنفاس في دائرة الأحوال المدنية التي أحدثت، وهي عبارة عن غرفتين صغيرتين في مبنى مديرية السياحة في دير الزور، واحدة لأبناء الريف، وأخرى لأبناء المدينة، وينتظر المواطن أسبوعاً على الأقل ليحصل على إحدى الوثائق، وتصل إلى شهرٍ وأكثر، ناهيك عن استغلال السماسرة والفاسدين، مما يرهق المواطن مالياً أولاً: في دفع أجور النقل ذهاباً وعودة لعدة أيام، وثانياً: يرهقه جسدياً ونفسياً، ويدفعه دفعاً نحو الفاسدين والسماسرة، بل إن الكثيرين منهم، فضلوا الذهاب إلى المحافظات الأخرى كالعاصمة دمشق، وتحمل العناء والتكاليف ليحصل على الوثائق معرّضاً نفسه لخطر الاعتقال والتوقيف، أهون عليه من الانتظار في دير الزور!
وقائع وشهادات
قاسيون تابعت ذلك ميدانياً، والتقت العديد من المواطنين والمواطنات، واستمعت لمعاناتهم مباشرة، ومنهم:
أبو محمد: «يا أخي أنا من الريف الغربي، عندي أربع بنات، ما عندهم هويات، واليوم صارلي شهر رايح جاي، وما قدرت أبصمهم، من الأزمة التي قدامك، والبعض من أبناء الريف ينام على الرصيف أياماً ليحجز دوراً، وأكثر الأيام لا يصله الدور، نتيجة المحسوبيات والسماسرة، وهاي الحالة صارلها عشرة شهور، ليش المحافظ والمسؤولين ما يحلوا الأزمة، أم أن المنظر عاجبهم، ومنذ أربعة شهور وعدونا بنقل سجلات الريف الغربي إلى مدينة التبني، وسجلات الريف الشرقي إلى موحسن والمياذين والعشارة، وطلع كلو حكي فاضي ما له أساس من الصدق، والظاهر أن هناك مستفيدين من الأزمة، تصور إخراج القيد يكلف 3000 وتبصيم الهوية 6000 أجور السماسرة، وتسديد رسوم للمالية 7000، وقيمة أوراق 1000، وأجور نقل الشخص 1000 ذهاب و1000 عودة على مدى شهر أنا وبناتي، أي تكاليف ما يقارب 200 ألف ليرة، احنا مو لاقين لقمة ناكلها..».
وتابع أبو محمد: «الدخول إلى المبنى، والوصول إلى غرفة النفوس مصيبة وهي على ثلاث مراحل. أولاً: طابور على الباب الخارجي. وثانياً: طابور على باب الغرفة إذا كان حظك جيداً. وثالثاً: طابور أمام الموظف. والمصيبة الأعظم، أنك إذا نسيت طابعاً، أو كان المبلغ الذي تحمله لا يكفي، ستخرج فاضي اليدين، لتعود مرةً أخرى وتقف الوقفات ذاتها، وهيهات «يجيك الدور.. عوجة»!
أم محمود: وهي تكاد تبكي، من الريف الشرقي، «صارلي شهر أراجع النفوس، وما عملت شي.. كل الشهر مشان هويتي الضايعة، واليوم جيت وقالولي: دور المياذين وريفها يوم الاثنين، شوف هالطابور، وهذا الشعب المسكين الواقف، وهذا اللي بالأخير ايمته يوصلو الدور، مشان يبصم عالهوية..»
وتابعت أم محمود: «المسؤولية على المحافظ، والمسؤولين عن الأزمة. أنا أعرف الأزمة ربما شهر شهرين لازم يلاقولها حل.. لكن صارلنا عشرة شهور على هذه الحالة، وكأن أهالي دير الزور ناقصهم غير اللي مر عليهم، وكله كوم والمسبات والشتائم والإهانة كوم آخر، وأنا أدفع للنقل كل يوم 1000 ليرة جيّة، و1000 رجعة علماً أن التسعيرة 245 والسائق يقول: ما أجانا شي رسمي بالتسعيرة، ولا أحد يحاسبه.. يا ابني أنتم بالجريدة انقلوا صوتنا ومعاناتنا، لعل المسؤولين الكبار يسمعون، لأننا لم نعد نثق بمسؤولي الدير».
ضرورة إيجاد الحلول
قاسيون، إذ تنقل ما سبق كعينةً من آلاف المواطنين، تطالب بحلول سريعة، وأولها: نقل السجلات المدنية إلى المدن والنواحي في الريفين الشرقي والغربي، وتوفير الكادر اللازم، وغالبيتهم موجودون وهم من أبناء المناطق نفسها، أو تكليف مدراء المناطق والنواحي، وحتى المدارس بذلك في الأرياف، ليسهل على المواطنين الحصول على وثائقهم، وتخفيف الأعباء المالية والمعاناة الجسدية والنفسية عنهم، وكذلك محاسبة المقصرين والفاسدين الكبار قبل الصغار، فهؤلاء المواطنين الذين بقوا متمسكين بوطنهم وأرضهم يكفيهم استغلالاً وكتم أنفاس، فكرامة الوطن من كرامة المواطن، وهما فوق كل اعتبار. وكل تبرير لذلك بحجة الأزمة هو باطل سلفاً!