زيتون صحنايا قيد التموت.. فهل من منقذين؟
أشجار الزيتون المعمرة في بلدة صحنايا أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الهلاك والفناء النهائي، وذلك بسبب رئيسي يتمثل بشح المياه كمشكلة رئيسية، إن كان على مستوى انخفاض معدلات الهطولات المطرية، أو على مستوى جفاف نهر الأعوج، الذي يعتبر شريان الري التاريخي للأراضي الزراعية في المنطقة، عبر فرعه المسمى «الصحناوي».
وقد تضافرت ظروف الحرب والأزمة، مع مشكلة الجفاف، لتأتي وبالاً على هذه الأشجار، خاصة مع التفلت تجاه عمليات التحطيب الجائر لها، والتعدي على الأراضي الزراعية لتحويلها إلى مناطق مخالفات سكنية.
مياه الشرب أولوية والأرض للتصحر!
شح المياه في بلدتي صحنايا والأشرفية، يعتبر مشكلة مستعصية ومركبة ومزمنة، وقد تم السعي الرسمي خلال السنوات الماضية على إيجاد حلول لتأمين مياه الشرب للأهالي كأولوية، بما يؤمن احتياجاتهم الضرورية، وعلى الرغم من تحسن الوضع على هذا المستوى نوعاً ما، إلا أن المشكلة ما زالت قائمة، بانتظار الحلول الجذرية لها، حيث ما زال الأهالي حتى الآن يؤمنون نقص حاجتهم من المياه عبر الصهاريج.
أما على مستوى المياه اللازمة للري، سواء لبساتين الزيتون، أو للأراضي الزراعية بشكل عام، فما زالت الحلول الرسمية قاصرة ومحدودة لدرجة العجز عن تأمين الحاجة المناسبة من المياه، بما يؤمن بقاء هذه الأشجار على قيد الحياة، ويحد من التصحر والجفاف المنتشر توسعاً في المنطقة على حساب الأراضي الزراعية فيها.
عشرات الآلاف من الأشجار إلى اليباس
أشجار الزيتون والمنتجات الزراعية الأخرى، ما زالت تعتبر مصدر رزق أساسي للكثير من الفلاحين مع أسرهم في المنطقة، وقد فقد هؤلاء جزءاً هاماً من مصدر رزقهم هذا، بسبب نقص مياه الري والجفاف الذي أتى على إنتاجهم ومردوديته، مما جعل من واقع معيشتهم أكثر بؤساً وتردياً، مع حال من العجز واليأس على تحسين واقعهم، بسبب اللامبالاة الرسمية تجاه هذه المعاناة.
فعشرات الآلاف من أشجار الزيتون، حيث قدر عدد هذه الأشجار بحوالي 35 ألف شجرة بعضها عمره 500- 600 عام، وغيرها من الأشجار المثمرة، بالإضافة لألاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، مهددة باليباس والتصحر في المنطقة بنتيجة الجفاف وشح المياه، والسبب الرئيسي بذلك هو عدم الاهتمام الرسمي بهذه المشكلة، مع آثارها السلبية الآنية والمستقبلية، سواء على مستوى الواقع المعيشي للفلاحين، أو على المستوى الاقتصادي العام، وحتى على مستوى البيئة والطبيعة.
جهود أهلية ومجتمعية!
محدودية الحلول الرسمية، والتي تركزت على مياه الشرب فقط كأولوية، وانعدامها على مستوى مياه الري، فرض على الأهالي أن يبحثوا عن حلولهم الجماعية الخاصة، والتي أثمرت بعضها بالتعاون مع البلدية، وبعض الجهات الأخرى، بإعادة تهيئة وتنظيف أقنية نهر الأعوج في البلدة، بعد أن تم الإفراج عن جزء منها، إلا أن استمرار جفافه جعل من هذه الأقنية عبارة عن أقنية للمياه الملوثة والآسنة، ومع ذلك يتم إرواء مساحات زراعية منها، مع عدم إغفال ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج سلبية على الصحة، نتيجة استهلاك هذه المنتجات من قبل المواطنين.
كما سعت جمعية أصدقاء البيئة في صحنايا، والتي أسست بعام 2011 من قبل بعض المهتمين بالخدمة العامة في البلدة، إلى إيجاد حلٍ لمشكلة مياه الري، عبر اقتراحها حفر آبار مخصصة لهذه الغاية في البلدة، مشفوعة بالدراسات والمخططات، وقد تكللت جهودها عام 2016 بالحصول على موافقة من وزارة الموارد المائية، بالإضافة لبعض الجهات الرسمية الأخرى، من أجل حفر بئرين بأراضي أملاك الدولة في محيط البلدة، وقد تم الحصول على التراخيص القانونية لحفر هاتين البئرين، وذلك لري أشجار الزيتون، مع العلم أن الموافقات الرسمية لم تقترن بتغطية التكاليف المترتبة على حفر الآبار وصولاً لوضعها في الاستثمار.
مشكلة التمويل؟
أمام مشكلة تأمين التمويل اللازم لهذه الغاية، ولهذا المشروع الحيوي والهام، فقد لجأت الجمعية للبحث عن ممولين، بعيداً عن الجهات الحكومية الرسمية، من أجل تنفيذ هذا المشروع المُكلف بغاية الحفاظ على ما تبقى من أشجار الزيتون قبل استكمال تموتها يباساً.
وقد أثمرت جهود الجمعية بأن وجدت في «بطركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس» ممولاً لهذا المشروع، بالتعاون مع بعض الجهات الدولية المانحة، بعد أن تم شرح أهميته وضرورته وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
وبالفعل فقد تم إنجاز حفر بئر واحد، تمت تغطية تكاليف إنجازه من الجهات الدولية المانحة بالتعاون مع البطركية، وقد تبين أن كمية مياه الضخ منه غير كافية لعمليات الري كما هو مأمول، حيث تم الحفر على عمق 250 متر وكانت النتيجة بواقع ثبات المياه بمقدار 1،5 إنش فقط، مما يعني ضرورة حفر البئر الآخر، مع استكمال البنية اللوجستية للبئرين، خاصة من ناحية مصدر الطاقة التشغيلي لهما، بالإضافة لخزان التوزيع، وغيرها من اللوجستيات الأخرى، من أجل وضعها في الاستثمار النهائي.
فعلى مستوى تأمين التغذية الكهربائية، تم التوصل مع وزارة الإدارة المحلية والبيئة ووزارة الكهرباء على أن تكون التغذية بالطاقة الشمسية، كما تمت الموافقة على إنشاء «خزان» لجمع المياه وتوزيعها.
اليباس أو التمويل
واقع الحال المشاهد، يقول: إن العمل على إنجاز البئر الثاني لم تتم المباشرة به بانتظار تأمين جهة تمويلية مانحة، على الرغم من استمرار جهود الجمعية بالتعاون مع الجهود الأهلية والمجتمعية من أجل تحقيق هذا الهدف، سواء عن طريق البطركية كطرف، بالتعاون مع الجهات الدولية المانحة، أو عن طريق الدولة، أو أية جهة أخرى، باعتبار أن المشروع لا يمكن استثماره العملي في التجميع والري، إلا من خلال كميات الضخ الناجمة عن البئرين مجتمعتين، خاصة في ظل ضغط عامل الزمن، كون كل يوم إضافي من التأخر في نقص الري، يعتبر بتحالفه مع الجفاف، بوابة موت محقق وحتمي للأشجار.
فهل مِنْ منقذٍ لأشجار الزيتون والطبيعة؟
وهل ستستمر الدولة بتحييد نفسها عن هذه الحاجة الضرورية اقتصادياً وبيئياً، وتستمر بالتمنع عن القيام بدورها وواجبها على هذا المستوى؟
أسئلة برسم الحكومة، ووزارة المواد المائية، ووزارة الزراعة، ووزارة الإدارة المحلية والبيئة، والاتحاد العام للفلاحين و..
برسم الحكومة!
ما يؤسف حقاً من كل ما سبق، هو تكريس حياد الدولة عن مهامها على هذا المستوى، بل وتخليها عن هذا الدور واقتصاره على الموافقات الورقية فقط في أحسن الأحوال، علماً أن هذه المسؤولية تقع على عاتق الجهات الحكومية أولاً وآخراً، وخاصة على مستوى التمويل، كون مثل هذه المشاريع الحيوية والهامة تعتبر من واجباتها افتراضاً، وليس من مهام وواجبات الجهات الممولة والمانحة الدولية، أياً كانت هذه الجهات.
والنتيجة الحالية، هي: أن عشرات الآلاف من أشجار الزيتون ستستمر بالموت البطيء، كما هي حال الأراضي الزراعية في المنطقة، أمام أعين الجهات الرسمية، وعلى حساب الطبيعة والبيئة والإنسان، بانتظار الممولين لاستكمال المشروع!