العربة والحصان في العمل الحكومي
اجتماع آخر عقد برئاسة رئيس مجلس الوزراء مع معاوني الوزراء، في منتصف الشهر الحالي، بحضور بعض الوزراء، بالإضافة إلى الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء.
فقد سبق وأن عقد اجتماع مماثل مطلع شهر نيسان، وذلك تحت عنوان تعزيز العمل المؤسساتي واستنهاض الخبرات في مفاصل العمل الحكومي جميعها للمشاركة بفعالية أكبر في تطوير العمل الإداري، وتحقيق التنمية البشرية.
جرت النقاشات في الاجتماع الأخير على محاور عدة: مشروع الإصلاح الإداري_ المشروع الوطني لسورية ما بعد الأزمة_ المشاريع التي أطلقتها الحكومة لمتابعة الملفات المشتركة بين الوزارات_ تطبيق الرؤى التي وضعتها الوزارات حول مشروع عملها.
دورات رفع كفاءة ومحاسبة
لقد خلص الاجتماع إلى: تشكيل منظومات عمل من معاوني الوزراء، تكون بمثابة رديف لمجموعات العمل في رئاسة مجلس الوزراء، فيما يتعلق بالعمل القطاعي، وتكليف وزارة التنمية الإدارية التنسيق مع الوزارات كلها لإقامة دورات رفع كفاءة معاوني الوزراء، وإحداث نقلة نوعية في آليات عملهم تمكنهم من الارتقاء بواقع وزاراتهم.
اللافت في الاجتماع هو: ما أشار إليه رئيس الحكومة حول مؤشرات نوعية لتقييم عمل معاوني الوزراء، وسيتم على أساسها تعزيز إنجازات من يثبت أنه أهل للمسؤولية الملقاة على عاتقه، وإقالة من تثبت عدم كفاءته، معتبراً أن المرحلة القادمة تتطلب تلافي أي تقصير وظيفي من شأنه التأثير سلباً على سير العملية التنموية.
صكّ تشريعي في الانتظار
في الاجتماع أعلاه، قدمت وزيرة التنمية الإدارية شرحاً حول مشروع المرسوم التشريعي، المتعلق بتمكين مركز عمل معاوني الوزراء ومَأْسسته وأهدافه في تطوير عمل الوظائف القيادية، وإصلاح مساراتها الوظيفية، وتحديد مراكز عمل محددة المهام والاختصاصات، تستجيب لاختصاصات الوزارة وتأطير دور معاوني الوزراء ليكونوا أحد مكونات المشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي سيصدر بشكل تشريعي.
يشار إلى أنه في الاجتماع الذي عقد في شهر نيسان، كان قد طلب رئيس الحكومة مراجعة آليات عمل معاوني الوزراء، وتطوير الذات بهدف تطوير العمل، وترجمة معنى كلمة معاون وزير في الواقع المهني والإداري بالشكل الأمثل، وقد وضح في حينه: أنه سيتم تشكيل فريق عمل من الوزراء المختصين (العدل والتنمية الإدارية) لمراجعة تفويضات معاوني الوزراء ودراسة صلاحياتهم، وإعداد التشريعات اللازمة لتطوير الصلاحيات والتفويضات بالشكل الأمثل، وأن يكون معاون الوزير قادراً على الربط بين الوزير والعاملين في الإدارة، ويتمكن من قراءة رؤية الدولة وسياسة الوزارة وما هو مطلوب للعمل.
وفي شهر أيار تداولت وسائل الإعلام: أن لجنة التنمية البشرية في رئاسة مجلس الوزراء ناقشت بجلستها رقم 186 تاريخ 22/5/ 2017 مشروع الصك التشريعي الناظم لعمل معاوني الوزراء، وتحديد صلاحياتهم وتوضيح مركزهم الوظيفي، بعدما وضعت وزارة التنمية الإدارية اللمسات الأخيرة على هذا المشروع، آخذة بملاحظات بعض الجهات العامة حول مشروع المرسوم، كما تم تداول بعض حيثياته بالإضافة لما ورد في متن المذكرة المعدة من قبل وزارة التنمية الإدارية المرفقة بالأسباب الموجبة.
أسئلة مشروعة
مجموعة من الأسئلة تطرح نفسها بعد هذا الاستعراض لاجتماعين نوعيين، سيتبعها اجتماعات أخرى حسب ما أعلن:
مجريات الاجتماعين تظهر وكأن وظيفة معاون الوزير هي وظيفة مستحدثة في العمل الحكومي، فهل هي كذلك؟
كيف كان يعمل، وما زال، هؤلاء المعاونون إذا كان معنى كلمة معاون وزير بالواقع المهني والإداري بحاجة للترجمة؟!
ما هي الأسس التي يتم اعتمادها حالياً في تعيين المعاونين، طالما ظهر أنهم بحاجة لدورات رفع كفاءة تجريها لهم وزارة التنمية الإدارية؟
كيف ستتم ترجمة إشارة رئيس الحكومة حول إقالة من تثبت عدم كفاءته، طالما مؤشرات التقييم لم يتم إقرارها بعد؟
لماذا التأخر بإقرار الصك التشريعي حول مركز عمل معاوني الوزراء، طالما أنه بهذه الأهمية وهو معد منذ ثمانية أشهر مع أسبابه الموجبة؟
إصلاح السياسات أولاً والأهم
في هذا الإطار لا بد من الإشارة: أن عمل المعاونين، والتفويضات التي يعملون من خلالها، تصدر عن رئاسة مجلس الوزراء، بالتنسيق مع الوزراء، قانوناً وافتراضاً.
أخيراً نقول: ما من شك بأن الإصلاح الإداري ضرورة هامة، لكنه لا يمكن في حال من الأحوال أن يكون بديلاً عن إصلاح السياسات وتعديلها، ولعل ما تقوم به الحكومة على هذا المستوى لا يعدو كونه تهرباً من هذا الاستحقاق الأكثر ضرورة والأكثر إلحاحاً وأهمية، كمثال العربة والحصان، فإصلاح السياسات، هو ما يمكن أن يوفر الأرضية اللازمة لأية عملية إصلاح إداري إيجابية مطلوبة، في المقابل، فإن أية عملية إصلاح إداري لا يمكن لها أن تصلح ما أفسدته، أو ستفسده السياسات المعمول بها، ولعل مثل هذه الاجتماعات وشبيهاتها دليل ومؤشر على ذلك.