دردشة مع شوفير !
أثناء انتظاري في الطريق، لأيّة حافلة تقلّني إلى المدينة بعد إجازة في القرية استغرقت عدة أيام، تهادت إلى جانبي سيارة (ڤان) مغلقة وأشار إليّ السائق بالركوب. دقّقت به، إنه صديقي منذ أيام الدراسة. حملتُ أغراضي القليلة وصعدت السيارة إلى جانبه.
خلال الطريق، دار حديث فيما بيننا عن الأزمة، واقتراب التسوية السياسية والمعرقلين وتغيّر ميزان القوى الدولي، وما إلى ذلك. وقبل وصولنا حاجز مدخل المدينة، مدّ يده إلى جيبه وسحب منها ورقة نقدية من فئة الـ 200 ليرة. وقال لي: »أتابع كتاباتك أحياناً على صفحة الفيس بوك، وفي جريدة »قاسيون». وسوف أهديك هذا اليوم فكرةً للكتابة. ما عليك إلاّ المراقبة والتسجيل، وأنا متأكد من أن الحدث سيحرّضك على كتابة نص، وسوف تدعو لي لأني ساعدتك على فكرة مادّة صحفية».
لدى بلوغنا الحاجز حيث اصطفّت عشرات السيارات على المسرب اليميني المخصص للشاحنات التجارية من الأنواع المختلفة، لاحظتُ أن أغلب السائقين يصافحون العنصر العسكري يداً بيد. قلت في نفسي: »يبدو أن العلاقة اليومية ما بين السائقين وعناصر الحاجز خلقت نوعاً من المودّة والصداقة، تحتّم عليهم التحية مصافحةً، وقد تتطور الأمور في المستقبل إلى أن يسلّموا على بعضهم تقبيلاً، وربما يزورون بعضهم البعض.. من يدري؟»
المهم، حينما جاء دورنا، صافح السائقُ العنصرَ وبيده الـ200 ليرة، لتعود خاليةً بعد المصافحة، وتابعنا سيرنا دونما أيّ تفتيش!.
التفت صديقي إليّ باسماً وقال:
_ هل عرفت لماذا ستشكرني اليوم؟ لقد شاهدتَ بنفسك عيّنةً مما يحصل على الكثير من الحواجز في البلاد!
ولما كنت قد سمعتُ الكثير من الحكايا على الحواجز، سواء منها في الداخل أو على الحدود، سألته بلا أيّ استغراب:
_ برأيك، كم سيارة تمرّ على هذا الحاجز يومياً ويتقاضى عناصره الخوّة؟
أجاب بغير اكتراث:
_ بين الألف والألفي سيارة كحدٍّ أدنى. وطبعاً الخوّة ليست واحدة، فهي تختلف تبعاً لحجم السيارة وحمولتها ونوعية البضائع وعائديتها وغير ذلك.
قلت له مستوضحاً:
وكم تقدّر الغلّة اليومية للحاجز؟
زرَّ إحدى عينيه، وقلّص فمه، وهزّ رأسه يمنةً ويسرةً وأجاب بعد لحظة صمت:
_ مم.. لا أقلّ من مليون ليرة.
تُرى، كم عدد الحواجز في أنحاء البلاد كافة، وما قيمة ما تحصّله من تشليحٍ وتشبيح؟
والسؤال الأمرّ الذي يصفع: ما هي مصلحة هؤلاء وأمثالهم من الوصول إلى حلّ سياسي للكارثة السورية؟! علماً أن هذه »العيّنة» ما هي إلاّ مثال صغير عن كبار تجار ومستثمري الأزمة، الذين حققوا إيرادات ضخمة لا يمكن أن تتوفر لهم في حالات السِّلم أبداً.