دعم حكومي اضطراراً!
سمير علي سمير علي

دعم حكومي اضطراراً!

في جلسته المنعقدة بتاريخ 31/10/2017، وافق مجلس الوزراء على تقديم دعم مادي مباشر للفلاحين، للحصول على بكاكير الأبقار ذات المردودية العالية.

وحسب الحكومة، فإنها بذلك تعمل على تشجيع الفلاحين على الإنتاج الزراعي، وترميم قطيع الثروة الحيوانية، بغية تقديم الدعم لمربي الأبقار وتشجيعهم على العودة لمزاولة هذا النشاط، بهدف خلق فرص عمل تساعد على تأمين الدخل اللازم لأسرهم.
الدعم الذي تم إقراره يتضمن: سعر مبيع البكيرة بنسبة 30 بالمئة من قيمتها للمستفيد عن طريق القروض، ليصبح السعر النهائي للبيع 990500 ليرة سورية بدلاً من 1415000 ليرة سورية قبل الدعم، ودعم سعر مبيع البكيرة للمستفيد نقداً بنسبة 35 بالمئة ليصبح السعر النهائي للبيع 919750 ليرة سورية بدلاً من 1415000 قبل الدعم.

رأي مختلف للفلاحين
حسب بعض الفلاحين: إن هذا القرار المتمثل بتخفيض أسعار البكاكير المستوردة كان بسبب الاستنكاف عن الشراء، سواء نقداً أو تقسيطاً من قبلهم، وذلك كون السعر الرسمي قبل التخفيض كان مرتفعاً بالمقارنة مع الأسعار السائدة في سوق الأبقار، خاصة وأن التوريد المتفق عليه بناء على العقود المبرمة بدأ بالوصول تباعاً، بالإضافة إلى بعض التحفظات على آليات التقسيط المعتمدة من قبل المصرف الزراعي التعاوني.
والسؤال الذي طرحه هؤلاء: كيف يمكن للأسعار المحلية أن تكون منخفضة أكثر من أسعار الاستيراد إذا كان القطيع بحالة نزف وتراجع؟ وما هي تلك الآليات في الاستيراد، التي جعلت من هذا السعر مرتفعاً بالنتيجة؟ في إشارة مواربة لبعض الشبهات حول عقود الاستيراد والاضطرار لإغلاقها ولفلفتها، حسب رأيهم.

ملف قديم تأخر تنفيذه!
يشار إلى أن ملف استيراد الأبقار تم فتحه منذ عدة سنوات، وذلك على إثر التراجع الكبير بأعداد قطيع الأبقار محلياً، كما غيره من قطعان الثروة الحيوانية الأخرى، نتيجة سني الحرب والأزمة وتداعياتها، بالإضافة إلى انعكاسات ذلك السلبية على المربين والفلاحين، كما على السوق والمستهلكين.
الحديث السابق عن استيراد الأبقار كان مشروعاً بمحورين، الأول: من أجل ترميم قطيع المؤسسة العامة للمباقر، والثاني: من أجل البيع للفلاحين والمربين، سواء نقداً وبالشكل المباشر، أو تقسيطاً عبر المصرف الزراعي التعاوني، عن طريق الاكتتاب على الأبقار المستوردة، وكلاهما من أجل إعادة تكوين قطيع الأبقار بعد التراجع الكبير بأعداده، خاصة مع ما يمثله هذا القطيع على مستوى توفير اللحوم والحليب والأجبان والألبان، وغيرها من المنتجات الحيوانية الأخرى، نوعاً ومواصفة وسعراً واستقراراً في واقع السوق الاستهلاكي عموماً، بالإضافة إلى ما يؤمنه العمل بمجال المنتجات الحيوانية، بين التربية والتصنيع، من فرص عمل ومصادر رزق للعاملين فيه وعلى هامشه، والذي يعتبر للكثيرين منهم، المصدر الوحيد للرزق.
لقد تأخر البدء بتنفيذ هذا المشروع عدة سنوات، على الرغم من فتح باب الاكتتاب لدى المصرف التعاوني الزراعي للفلاحين والمربين، وفقاً لشروط تم اعتمادها من قبل المصرف، كان أحدها: تسديد دفعة أولى من قبل هؤلاء، إلا أن التأخر في التنفيذ، الذي غابت أسبابه ومبرراته، أدى ببعض المكتتبين إلى الانسحاب، فيما بقي جزء منهم في انتظار التنفيذ والاستلام.

أسعار مرتفعة وشروط صعبة!
واقع الحال يقول: إن المشروع بُدء بتنفيذه أخيراً، وقد بدأت دفعات التوريد في الوصول تباعاً، استناداً للعقود المبرمة من قبل مؤسسة المباقر ووزارة الزراعة والإصلاح الزراعي مع الموردين، إلا أن عائقاً إضافياً كان في مواجهة الفلاحين والمربين، تمثل في ارتفاع سعر الأبقار المستوردة، وشروط المصرف الزراعي التعاوني.
حسب وزير الزراعة، في حديث عبر بعض وسائل الإعلام سابقاً: إن عدد المكتتبين هو 2800 مكتتب، بينما يبلغ عدد الأبقار المستوردة 8000 بقرة وصلت منها دفعتان، الأولى: كانت 603 بقرة، والثانية كانت 850 بقرة، والباقي قيد التوريد تباعاً.
أما على مستوى شروط الاكتتاب للفلاحين والمربين الراغبين في الشراء تقسيطاً فهي: تسديد دفعة أولى 100 ألف ليرة، على أن تستوفى بقية القيمة على شكل قرض يسدد على مدى خمسة أعوام، مع تقديم الضمانات اللازمة بما فيها العقارية، بالإضافة طبعاً إلى الفوائد المترتبة على هذا الاقتراض حسب السعر المعتمد.

ضرورات
لا بد من التأكيد على أهمية وضرورة ترميم القطيع المحلي من الأبقار بعد النزيف الحاد بأعداده خلال السنين الماضية عبر استيراد البكاكير، وخاصة ذات النوعية الجيدة مواصفةً ومنشأً، سواء على مستوى التأقلم مع البيئة المحلية وهو الأهم، أو على مستوى كم الحليب المنتج، بالإضافة للحجم وسرعة التكاثر، وغيرها من المواصفات الأخرى، التي من المفترض أن يتم من خلالها تحسين القطيع المحلي، عدداً ومواصفة بالنتيجة، بالإضافة إلى أهمية السعر المنخفض والمنافس، بما لا يؤثر على المواصفة سابقة الذكر.
في المقابل، لا بد من التأكيد: أن تكون شروط الاكتتاب والتسليم لهذه الأبقار المستوردة، للفلاحين والمربين، فعلاً شروطاً ميسرة تأخذ بالحسبان ما أصاب هؤلاء من أضرار خلال السنين الماضية، سواء على مستوى فقدان قطعانهم، أو على المستوى الاقتصادي والمعيشي لهؤلاء، مع الانعكاسات السلبية الأخرى التي طالتهم نتيجة الحرب والأزمة، بمعنى آخر بما يتناسب وإمكانات هذه الشريحة الفعلية وضروراتها الاقتصادية والمعيشية.

الدعم الحقيقي المتكامل
بعد ذلك كله وبالعودة إلى ما سبق حول القرار الحكومي: إن الإجراء الحكومي المتمثل في الاستيراد والبدء بتنفيذه يعتبر خطوة أولى على مستوى ترميم قطيع الأبقار المحلية، وإن تأخر هذا التنفيذ كثيراً، ويبقى الجزء الأهم وهو الدعم الحقيقي للفلاحين والمربين.
فالقرار ربما كان نتيجةً لعدم قدرة الفلاحين على تحمل تكاليف السعر المعلن، والشروط الموضوعة من أجل تقسيط هذا السعر على شكل قرض مقترن بفوائد مرتفعة، إلا أن الضرورة والأهمية تقتضي ربما دعماً حقيقياً يبدأ من إعادة النظر بأسعار الاستيراد نفسها، والآليات التي تم اعتمادها للتعاقد، بالإضافة لإعادة النظر بآليات منح القروض للفلاحين بشروطٍ ميسرة أكثر، على مستوى الدفعة الأولى، والضمانات ومدة التقسيط والفوائد، والأهم من ذلك كله، أن يتم دعم مستلزمات الإنتاج الحيواني، تربية وتسميناً وتصنيع منتجات، اعتباراً من الأعلاف وليس انتهاءً بالمحروقات، على أن يتم ذلك بعيداً عن أوجه الفساد والمحسوبية كلها.
عندها يمكن للفلاح والمربي أن يحصل على التشجيع اللازم من أجل معاودة الإنتاج الزراعي والحيواني المطلوب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
835