غربال الحكومة وسماؤنا المتلبدة
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

غربال الحكومة وسماؤنا المتلبدة

يبدو أن مطلع الشمس بالنسبة للحكومة يختلف الاختلاف كله عن مطلع الشمس بالنسبة للمواطن المُفقر، فحياة هذا المواطن متلبدة دائماً، بينما ترى الحكومة شمسها من زاوية أخرى.

وزير المالية قال مؤخراً: إن وزارته تدفع مطلع كل شمس 3 مليارات ليرة كدعمٍ اجتماعي للخبز والطاقة والمشتقات النفطية، وأن هذا المبلغ جزء من الدعم اليومي على بقية القطاعات، مثل: الصحة والتعليم وغيرها، مستفيضاً بعرض الأرقام المدونة في الموازنات، وكأن هدفه من هذا الحديث تسويق المواطن وكأنه متسول على بوابات الحكومة، لتذكره بمأساة التباين بين سمائهِ الغائمة، وسماء المحظيين بشمسها، التي تنعكس دفئاً على حياتهم وفي جيوبهم، كما لتغييب حقوق المفقرين في حياة كريمة، على مستوى الدخل والخدمات والسكن والصحة وغيرها، كما لتغييب دور الحكومة المفترض على هذه المستويات وغيرها.
قد يكون حديث وزير المالية صحيحاً على مستوى الأرقام الجرداء المعلنة، ودور وزارته في هذا المجال، إلا أن حديثه أغفل حقيقة واحدة فقط وهي: أن موارد الخزينة التي يتم التصرف بها من قبل الحكومة ووزارة المالية، تمول أساساً من جيوبنا وإنتاجنا وعرقنا، بالإضافة لمقدرات البلد وخيراتها التي من المفترض أنها ملكية عامة، وبالتالي فإن المنّية التي تمارس علينا بين الحين والآخر بعبارات الدعم الاجتماعي وغيرها لا أساس لها من الصحة عملياً، فالشكل الطبيعي هو: أن تعود المنفعة علينا مما يتم تحصيله لصالح الخزينة من جيوبنا، بالإضافة لما يتم استثماره من مقدرات وخيرات البلد عبر الأدوات والأذرع الحكومية، التي من المفترض أنها تدير هذه العمليات ولا تمتلك صلاحية التصرف بها وبعائداتها إلا وفقاً لهذه المنفعة نظرياً.
واقع الحال، يقول: إن غربال الحكومة، المتمثل بعبارات «المنّية» المكررة، لا يمكن له أن يغطي شمس الحقيقة التي تقول: إن الدفء كله الذي يحظى به المتخمون والفاسدون، في حياتهم وفي جيوبهم، هو من جيوبنا وعلى حساب تعبنا واستنزافنا أولاً وآخراً، وما كان لهم ذلك لولا الآليات والسياسات الحكومية، التي تحابي مصالح وجيوب هؤلاء على حساب المزيد من إفقارنا، كما على حساب المزيد من استنزاف خيرات البلد.
بكل بساطة، نحن لا نرى الشمس أو مطلعها، فكيف لنا أن ننعم بدفئها، فبالكاد نذهب إلى شقائنا اليومي بحثاً عما يسد رمقنا، لنعود بعد غياب الشمس منهكين متعبين، لم نتمكن من تحقيق هدفنا اليومي المتمثل بإمكانية إشباع أفواه أفراد أسرنا المعوزة، أو من تأمين متطلبات الحياة اليومية، فكيف ببدل الإيجار الشهري، أو بنفقات الطبابة والتعليم والتدفئة والكهرباء التي تقول الحكومة إنها مدعومة، بينما هي في الواقع تخفض من الإنفاق عليها عاماً بعد آخر، وكل مرة بمسمى جديد، من تصحيح الأسعار لأليات توزيع الدعم لمستحقيه، لتغطية التكاليف والإنفاق، التي تفرض علينا المزيد من الرسوم والضرائب، ومع كل عنوان من هذه العناوين يستنزف الدعم، كما حياتنا تباعاً.
والنتيجة من ذلك كله: إننا بقينا هياكل عظمية بعد أن تم تجريدنا من جلودنا ونُهش لحمنا وتلبد حاضرنا ومستقبلنا، فيما تضخمت «كروش» البعض كما توسعت جيوبهم، ضامنين يومهم واستقرار مستقبلهم، على مرأى ومسمع ودعم حكوماتنا العتيدة.
هل يعلم وزير المالية والحكومة، ماذا يعني مطلع كل شمس بالنسبة لنا نحن المفقرين، بسبب السياسات الحكومية التي تستنزفنا تباعاً على مستوى المعيشة والخدمات؟.
هل يعلم الوزير أن ما يسميه أجوراً شهريةً، بعد آليات التجميد المتبعة حكومياً، لم تعد تكفي كفاف أسبوع على مستوى الإطعام فقط، في ظل تفلت الأسعار وتدني قيمة الليرة؟.
هل سأل الوزير نفسه: كيف لنا أن نؤمن قوتنا ومتطلبات حياتنا اليومية الضرورية، قبل تكرار أسطوانة الدعم الحكومي على مسامعنا نخراً بما تبقى لدينا من عظام؟.
هل من حساب حكومي للدعم الحقيقي في جيوب الناهبين، عبر السياسات المتبعة، سواء على مستوى الفساد، أو على مستوى الإعفاءات الضريبية، أو على مستوى الإقراض الذي ينعم به هؤلاء دون سواهم، أو على مستوى التجارات السوداء، وغيرها من وسائل الثراء والتكسب غير المشروع، كبوابات مشرعة رسمياً أو عبر غض النظر والتعامي عنها؟.
المزعج بعد هذه الفجاجة كلها من السياسات الحكومية التي تنعكس علينا فقراً وعوزاً، هو: المزيد منها عبر تسويقنا كمتسولين على أبوابها، تمن علينا بما تجود به من كرم تحت مسمى الدعم!
نحن لسنا متسولين على بواباتكم أيها السادة، فكل ما يمكن أن يساق تحت عنوان الدعم يعتبر جزءاً صغيراً من حقنا المستلب والمستباح، الذي لا بد لنا من أن نستعيده، وقد يكون ذلك عاجلاً وليس آجلاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
835