بين حَقّ الطبيب وظُلم «المريض».. «الفقير يتعالج بالجامعة»!

بين حَقّ الطبيب وظُلم «المريض».. «الفقير يتعالج بالجامعة»!

كثرت المطالبات مؤخراً بتحديث تسعيرة أطباء الأسنان، لتصبح أكثر مواكبةً وملائمةً لارتفاع التكاليف الطارئة على مستلزمات المهنة، ورغم عدم صدور شيء رسمي بهذا الخصوص، إلا أن أياً من الأطباء لم ينتظر جهد الوزارة، واجتهد لتحصيل «حقه» من المرضى بتسعيرة تناسبه!.

منذ عام 2013 كانت آخر تسعيرة رسمية صادرة بهذا الشأن، لكن ارتفاع أسعار مواد ومستلزمات طبيب الأسنان لم يتوقف حينها، خاصةً وأن كثيراً مما يستخدم في العلاجات السنية مواد مستوردة، أي أن سعرها مرتبط بوضع الليرة السورية، أمام الدولار الأمريكي، وبالتالي بات الفرق كبيراً، بين ما يتقاضاه الطبيب في الوقت الراهن وبين التسعيرة الموحدة.

تسعيرة الـ2013 ودولار اليوم!

قد يكون إلقاء اللوم على الطبيب نفسه منفرداً، بسبب الأجر المرتفع الذي يطلبه حالياً، فيه  شيء من المبالغة والإجحاف بحقه، لكن المضي بهذه الوتيرة المتواصلة من رفع قيمة الأجور والمعاينات، فيه حتماً كثير من الظلم للمريض أيضاً.

حددت وزارة الصحة عبر قرار صدر في 2013 سعر صورة الأشعة البانورامية، والتي تتألف من أربع وحدات، بحد أدنى 385 ليرة وحد أعلى 550 ليرة، وقلع سن أو جذر جراحياً بين 550 و1100 ليرة، بينما حالة تقويمية كاملة للأسنان بالحاصرات ذاتية الربط بين 33000 و44000 ليرة، وحالة تقويمية كاملة للأسنان “تقويم لساني” بين سعر 55000 و68750 ليرة، كما حددت أجرة تبييض الأسنان للفكين في العيادة، مع ثمن المواد المبيضة، بين 11000 و13750 ليرة.

وفي الواقع، يتقاضى أطباء الأسنان لقاء قلع السن أو الضرس 2500-3000 ليرة، وعند سحب العصب 5 آلاف ليرة سورية، ويكلف تاج خزف لسن واحد مالا يقل عن 12500 ليرة، أما العلاج التقويمي فيكلف مبلغاً يصل لما يعادل 500 دولار (250 ألف ليرة سورية).

سعر المواد تضاعف 11 مرة

هذه الأرقام التي يعتبرها طبيب الأسنان مجزيةً بحقه، كون جزء منها عائداً لتكلفة المواد والتجهيزات وغيرها من أمور، باتت عبئاً ثقيلاً على جيوب ذوي الدخل المحدود، علماً أنها قد تزيد قليلاً عمّا تم ذكره، بسبب اعتمادها على الطبيب نفسه ومكان العيادة، وغيرها من أمور تجعل الموضوع أقرب للتجارة منه إلى لعلاج..

نقيب أطباء الأسنان في دمشق رشاد مراد، كشف أن مواد المعالجة السنية ارتفعت حوالي 11 ضعفاً، معتبراً أنه «عبر اتفاق بين المريض والطبيب، يمكن للأخير تقاضي سعرٍ مرتفعٍ مقابل تقديم خدمة ذات جودة مرتفعة».

وبرر مراد مطالباتهم برفع التسعيرة بأمثلة على ارتفاع التكاليف، حيث أصبح سعر المخدر مثلاً 7500 ليرة، لأسوأ الأنواع، بعد أن كان 600 ليرة سابقاً، ومواد التعقيم أصبحت تكلف شهرياً 125 ألف ليرة، بعد أن كانت لا تتجاوز الـ10 آلاف ليرة.

العيادات الخاصة لمن يملك المال!

الحل وتقويم الظرف حتماً ليس بيد المريض، أو الطبيب وحدهما، لأن القضية خارجة عن قدرتهما في مفاصل أساسية عدة، فحتى الحكومة التي تتغنى بتقديمها الدعم لمواطنيها، والسعي لتحقيق مصلحتهم في كل قراراتها، نأت بنفسها عن إيجاد حلول مرضية ومنصفة للطرفين، إلى أن اقترح نقيب أطباء دمشق في مداخلة إذاعية بأن يتجه «من لا يملك المال من المرضى لعيادات الأسنان في جامعة دمشق، لتلقي علاج مجاني هناك»!..

اقتراح النقيب قد يحمل طرفاً للحل يرضي الأطباء فقط، رغم أنه (أي النقيب) يعلم يقيناً حال عيادات الأسنان في الجامعة، وما تعانيه من عقبات تؤهلها لتكون ملجأً للمرضى بشكل دائم، وفي الظروف كافةً.

علاج على حساب الطلاب!!

أحد طلاب طب الأسنان في جامعة دمشق شرح لجريدة (قاسيون) الوضع تماماً في العيادات الجامعية، وقال طالباً عدم ذكر اسمه، «في السنة الرابعة، يتشارك عدد من الطلاب معاً لجمع ثمن مواد طبع لتلبيسات الأسنان، التي تصل تكلفتها لحوالي 13 ألف ليرة سورية، حيث تكفي هذه الكمية للقيام بـ15 طبعةً».

وبيّن الطالب، سنة خامسة، أن هناك ازدحاماً على كراسي المعالجات، فهناك فقط 36 كرسياً لـ900 طالب، أي أن كل 3 طلاب يعملون على كرسي واحد، ويجب عليهم إنجاز عملهم مجتمعين خلال ساعتين فقط.

ولفت الطالب إلى أن هناك مشكلة أجهزة التصوير القديمة والدائمة التعطل كونها تعتمد التصوير اليدوي لكل سن على حدة.

وذكر الطالب مسألةً هامةً، ألا وهي: إن الطلاب يشترون على حسابهم الشخصي، منذ السنة الأولى بعض التجهيزات مثل القبضات والكفوف وسنابل الحفر، وتبقى معهم طيلة فترة دراستهم الجامعية، موضحاً أنها غالية الثمن، لذلك لا يمكن للكلية أن تتكلف على الطلاب جميعاً وتشتريها لهم، بل يقوم الطلاب بشرائها واستخدامها طيلة 5 سنوات على الأقل، حيث يجري تعقيمها في غرفة التعقيم بالكلية والتي تضم 6 معقمات، أي أن عملية التعقيم التي تستغرق ساعتين، تشهد ازدحاماً كونه لا يوجد سوى هذه الغرفة فقط.

ومن جانبها أصبحت مخابر طب الأسنان تعمل وفق السعر الحر، الذي يتغير مع تغير سعر الصرف، كون المواد المستهلكة التي تستخدمها في تصنيع الأسنان ومواد التلبيس والحشوات وغيرها هي مواد مستوردة، متذبذبة السعر تبعاً لسعر صرف الدولار.

استمرارية وفائدة.. وحجج مكشوفة

البحث عن الربح وتحقيق الفائدة بحجة الاستمرارية في ميدان الأعمال، باتت ذريعةً يستخدمها القاصي والداني، بدءاً من الحكومة، التي تنحو بدورها لرفع أسعار خدماتها ومنتجاتها، عوضاً عن معالجة الخلل وإيجاد حل «يفرمل» حالة الفلتان المتواصل، السعري والمالي والأجري، والاقتصادي عموماً، الذي أخرج شريحةً واسعةً من الناس من تصنيفها، وأدى لتفاقم الأزمة المعيشية، وزيادة الفجوة بين الفئات والطبقات الاجتماعية والاقتصادية على حد سواء..

الحلول رغم صعوبتها، أو طول الفترة الزمنية التي قد تستغرقها، موجودة وتم طرحها من قبل اقتصاديين عدة، إلا أن أياً منها لم يؤخذ على محمل الجد، لأن السياسات الليبرالية المتبعة منذ عقود، من قبل الحكومات المتعاقبة، وضعت نصب عينها هدفاً محصوراً بتحقيق مصالح شريحة معينة، على حساب بقية شرائح المجتمع، مغيبةً دورها وواجبها في الرعاية الاجتماعية، مع التخفيض المستمر للدعم على الكثير من المفاصل الضرورية والهامة، والتي تعتبر الرعاية الصحية إحدها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
802