أكثر من لون واللوحة واحدة الشيوعيون السوريون يعقدون اجتماعهم الوطني السادس على طريق وحدتهم
بعد انتظار طويل، يعود الشيوعيون السوريون، رافعو شعار «كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار» إلى ضم شتاتهم وفصائلهم، ربما لأنهم أدركوا أخيراً أن لا كرامة ولا خبز لهم مع الحالة الفصائلية والانقسامية التي يعيشونها منذ ثلاثة عقود.. وفود تقاطرت من جميع المحافظات السورية على اختلاف فصائلهم «ومن هنا جاءت بهجتهم وكل جمالهم» ليعقدوا الاجتماع الوطني السادس من أجل وحدة الشيوعيين، بعد أن جرت عملية انتخابهم وفق صيغة غير مسبوقة في التنظيم الشيوعي عموماً والسوري خصوصاً، حيث أعطت تلك الصيغة حق الانتخاب لكل مواطن سوري يدعم وحدة الشيوعيين السوريين شرط أن لا يكون منتمياً لحزب سياسي آخر.
في الاجتماع لم يكن جميع الحاضرين من لون واحد، كما هي العادة في مؤتمرات الحزب الشيوعي السوري، هنا تجد ألوانا أخرى، من النور وحزب العمل والتاركين والمستقلين، وإن كانت الغالبية من تيار «قاسيون» الذي ينخرط بكافة هيئاته في عملية التوحيد على خلاف التيارات الأخرى، فهذا التيار الذي شق عصا الطاعة عن الحزب «الأم» بعد معاناة طويلة مع قيادته، استطاع خلال خمسة أعوام أن يقدم مقاربة علمية ريادية في الوسط الشيوعي للمسائل الوطنية والديمقراطية والاجتماعية والاقتصادية قل نظيرها في الوسط السياسي عموماً، مما أكسبهم سمعة جماهيرية متزايدة، لم يكن أشد المتفائلين بينهم يحلم بتحقيقها خلال هذه المدة القصيرة، وإن ظل عاجزاً بعض الشيء عن توظيف هذه السمعة في مسائل العمل الجماهيري الميداني، ربما لأن تجربة الثلاثين عاماً من العمل الجبهوي قد ألقت بظلالها على العمل الجماهيري للرفاق وأفقدتهم اللياقة والحماس اللذين طالما تميزوا بهما عن غيرهم.
حماس زائد وآراء جريئة
بعد تقرير اللجنة الوطنية عن المرحلة السابقة وتقرير لجنتي صياغة وثيقة وحدة الشيوعيين واللائحة التنظيمية، انتقل المؤتمرون لمناقشة التقارير المقدمة بكثير من الجرأة والموضوعية، وإن لم تخل بعض الآراء من الحماس الزائد.
الرفيق صلاح طراف - اللاذقية يقول بأن: «اللجنة التي ستفرزها اجتماعنا يجب أن تكون قادرة على الحركة، بحيث لا يتحول أعضاؤها إلى أعضاء شرف فقط، فهي ليست امتيازاً، بل يجب أن يدرك عضو اللجنة بأنه انتخب لمهمة كفاحية وقتالية... لذلك فإن لدينا فرصة تاريخية لنكون حاملين لمشروع بناء دولة وطنية ديمقراطية وفق جغرافيا سياسية محددة تتناسب مع الحراك السياسي والكفاحي المقاوم لشعوب هذه المنطقة وهذا لن يتم إلا من خلال هزيمة المشروع الأمريكي الصهيوني من خلال المقاومة الشاملة».
أما الرفيق عدنان السباهي - حلب فقد ركز على «أهمية النضال الاجتماعي، ليس ضد الخصخصة فقط، رغم أهمية ذلك، وإنما الدفاع عن مصالح ومطالب الكادحين في ظل نمو القطاع الخاص وازدياد عدد عماله، كما أن المهام الوطنية والاجتماعية والاقتصادية ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع النضال من أجل حرية الرأي والصحافة والتنظيم والحريات الأخرى. حيث لا يجوز وضع العراقيل أمامها تحت أية مسميات، لأن النتائج ستكون سلبية بكل المقاييس، وكلنا نعلم أن حجب تلك الحريات في السابق كان سبباً رئيسياً في انتشار الفساد حتى وصل إلى المستوى الذي نراه اليوم». اما فيما يخص وحدة الشوعيين السوريين فلن أقلل من أهمية الخطوات الجادة لتيار «قاسيون» في سبيل الوحدة بل اثني عليها، ولكنني أضيف بأن أهم طرق وأساليب التوحيد يمكن أن تكون بالعمل لتحقيق الأعمال المشتركة البسيطة بل وإذا أمكن المهمات الكبرى، وذلك يجب أن يتم في كل موقع بين الرفاق، وفي المنظمات القاعدية والقيادية، لا بل على مستوى المركز
الرفيق جمال الدين عيدو- حلب طالب بإبلاء المسألة الكردية أهمية أكبر «لأننا سنخسر الشارع الكردي إذا أهملنا مطالبهم القومية الحقة، ونحن من واجبنا أن نحارب من أجل رفع الاضطهاد القومي وأن ننادي بأخوة الشعوب، فإهمال هذا الجانب سيشعر شعبنا الكردي بالغبن ويمكن أن يزيد من أجواء التطرف القومي والمغالاة من كل طرف ولن يستفيد في النهاية إلا أصحاب المشاريع الأمريكية التفتيتية...»
العمل على الأرض
أما الرفيق جبران الجابر - السويداء فقد أشار إلى «أهمية أن تأخذ الأفكار الواردة في التقرير طريقها إلى صفوف الجماهير الشعبية، عبر أشكال متنوعة من النشاط الجماهيري الدؤوب الذي يمسك بمختلف مطالب الجماهير السياسية والمعاشية والاقتصادية والثقافية... وأنه من الهام أن يكون هناك تحديد واضح للمسألة الأساسية وهي بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، وتبينان خصائصها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وطبيعي القول أن الشكل الأساسي الذي تعتمده الدولة الوطنية الديمقراطية لتأدية السلطة السياسية هو الديمقراطية الوطنية، فالوطن ليس أمام خيار إما ديمقراطية العولمة الأمريكية أو الأحكام العرفية وقوانين الطوارىء... كما أنه كان من الهام التوقف قليلاً عند التنظيمات «الدينية» وتناول دور العلاقات الأثنية وعوامل تزايد تأثيرها، وبالتالي كان هاماً تحديد الأشكال الراهنة للصراع وخطرها، وبالتالي النفاذ إلى جوهر الصراع الاجتماعي وجوهر تناقضات عالمنا أيضاً». كما تناول التقرير ما يسمى بالنظام العربي الرسمي، وهو برأيي مصطلح يحتاج إلى تدقيق لأنه يصور ذلك النظام على أنه يعاني حالة انهيار، وإذا ما توخينا الدقة فإن هذه الموضوعة مبالغ فيها، لأن تغير هذا الحاكم أو ذاك لا يعني تغييراً للنظام العربي الرسمي ناهيك عن أن العلاقات الاقتصادية لهذا ليست مهددة، وهي علاقات إنتاج رأسمالية في تلك العولمة الإمبريالية».
الرفيق عدنان درويش - ريف دمشق قال: «إنني موافق على ما جاء في التقرير وإنني أتطلع للعمل على تنفيذه، وخاصة وحدة جميع الشيوعيين، فإذ لم نتوحد في هذه المرحلة الذي أصبح الخطر قاب قوسين أو أدنى فالسؤال في أي ظرف يجب أن نتوحد. كما أننا بحاجة إلى تقوية الموقف الداخلي من أجل المجابهة العسكرية، وبالتالي يجب أن نكون جاهزين قبل غيرنا وهو ما يفرض علينا ضرورة توحيد صفوفنا وتقوية تحالفتنا مع القوى الوطنية على أساس عدم الاستقواء بالخارج والدفاع عن قضايا الجماهير الكادحة».
نحو تحقيق المهام
الرفيق فيليب سليمان - حماه أشار إلى أن التقرير «أغفل وضع النقابات والاتحادات العمالية والفلاحية التي أثبتت فشلها، لذلك يجب التركيز على كيفية العودة بهذه المنظمات إلى دورها الرئيسي وهو الدفاع عن العمال والفلاحين، كما أن التقرير أغفل مسألة فصل السلطات ودور المرأة كونها تصف المجتمع...»
أما الرفيق علي نمر - دمشق فقد ركز على أن «حجم المواجهة الحاصلة يستدعي اليوم المصارحة مع جميع القوى الوطنية لمعرفة مدى قوتنا وتحضيرنا لهذه المواجهة... وأن الظروف الحالية تفرض علينا نحن الشيوعيون أن نتجاوز الحالة الفصائلية ومن أجل بناء حزب شيوعي موحد قادر على المواجهة وتحقيق مهامه».
الرفيق محمد الحاج علي - الحسكة قال: «يجب التصعيد في الدفاع عن القضايا الجماهيرية الملحة وتفعيل الممارسة العملية على أرض الواقع من أجل تحقيق المهام المطروحة في تقارير وبرامج اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين على الصعيد الوطني والاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي والسياسي...»
إنشاء نواة للمقاومة
الرفيق ياسر النجار - دمشق أشار إلى أننا «نحتاج إلى إجراءات سريعة وملموسة من أجل إنشاء نواة للمقاومة لمجابهة أي عدوان صهيوني ـ أمريكي ضد سورية، في كل مدينة أو قرية وبالإمكانيات المتوفرة مهما كانت حتى ولو بدأت بتشكيل فرق قتال بالأيدي ريثما تتوفر ظروف أفضل... أن شعارنا «المقاومة هو الخيار الوحيد» يجب أن نبدأ به وأن نهيىء مستلزماته ومنها تشكيل نواة المقاومة.
الرفيق كمال إبراهيم - دمشق اقترح عدم استخدام «مصطلح الدور الوظيفي للحزب واستبداله بالدور الكفاحي، لأن المصطلح الأول مستمد من علم الاجتماع البرجوازي ولا يستطيع الاستجابة لما يطرحه جدل علاقة الحزب بالطبقة من تساؤلات، على عكس مصطلح الدور الكفاحي المستمد من الإرث الماركسي ـ اللينيني... كما أن التقرير لم ينجح في تحديد الهوية الاجتماعية لدور الدولة الجديد، وهذا الموضوع هام جداً لأن الدولة وهويتها الاجتماعية تعتبر من المفاهيم المركزية في الماركسية ـ اللينينية... أما في الوضع الداخلي ـ سياسياً ـ فقد تم الحديث فقط عن قانون الطوارىء، دون أن يكون هناك أية إشارة إلى قانون الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية والإفراج عما تبقى من معتقلي الرأي... إن غياب هذه النقاط علامة نقص في نضالاتنا الديمقراطية ويجب عدم القبول باستمرارها لأنها من موجبات ومتطلبات المواجهة مع الخارج، أما في مجال وحدة الشيوعيين السوريين فكان من الهام الإشارة إلى المشروعية الفكرية والسياسية والتنظيمية للتعددية الشيوعية وضرورة الانطلاق من المهام المشتركة عند كل الشيوعيين والدعوة لتشكيل لجنة تنسيق لقيادة العمل ميدانياً من أجل إنجاز هذه المهام...»
تحليل الواقع الداخلي
الرفيق مسهوج خضر - الحسكة قال بأننا «نحن هنا من أجل تحقيق خطوات جدية على طريق وحدة الشيوعيين من أجل القيام بالدور الوظيفي للحزب... فالتقرير يكرر مرات عديدة على صوابية سياستنا على الأقل من الاجتماع الوطني الخامس وحتى الآن لم يحصل أي تغيير جوهري في المواقف العالمية والإقليمية والداخلية، ورغم ذلك يأخذ حجم الكلام عن السياسات 7/8 من حجم التقرير، بينما الموضوع الأساسي للاجتماع وهو وحدة الشيوعيين لم يأخذ سوى 1/8 من حجم التقرير، لذا أرى أن التقرير يفتقر إلى رؤية الآليات والأدوات التي يمكن من خلالها تحقيق وحدة الشيوعيين من أجل القيام بدوره بنجاح...»
الرفيق محمد الأحمد - دمشق أشار إلى أن «التقرير بخطه العام كان جيداً وشاملاً وننتظر العمل بموجبه، ونحن اليوم بحاجة إلى بناء الحزب الموحد المنشود الذي يستوعب تجربة الماضي، وينطلق في سياسته على أرضية تحليل الواقع الداخلي في البلاد تحليلاً مجتمعياً عميقاً، وبالتالي إيجاد ما هو مشترك بين فئات اجتماعية واسعة تبنى على أرضيتها تلك الحركات وتكون مرتبطة بمهام منطلقة من الأمور المشتركة لتحقيق المهام المطروحة أمام البلاد سواء من حيث النمو أو التنمية أو تعزيز الديمقراطية وتعزيز الحراك الفكري والثقافي والمجتمعي، وذلك بالارتباط الوثيق مع المهام الخارجية المرتبطة بفهمنا للعصر ومسائله الملحة لتخرج هذه الحركة أو هذا الحزب ببرنامج جدي يعبر عن مصالح فئات واسعة قادرة على أن تلعب دوراً في مجمل حركة التطور التقدمي ليس على نطاق البلاد فقط وإنما على نطاق إقليمي وعالمي أيضاً مهما كان هذا الدور صغيراً».
توحيد الصف الشيوعي
الرفيق أحمد شعبان - حلب طالَب بتحديد كلمة تيار وحدة الشيوعيين «لأن التيار يضم عدد من التنظيمات تختلف إيديولوجياً وتتفق بالاستراتيجية، بينما نحن هنا كلنا منتسبون إلى حزب شيوعي، والحزب الشيوعي يملك إيديولوجية، مما يعني تعارضاً مع مصطلح التيار... إضافة إلى أن التقرير أغفل دور الرجعية العربية وضرورة محاربتها نظراً لارتباطها الوثيق مع الإمبريالية العالمية».
أما الرفيق عدنان داوود - الحسكة فقد قال: «شيء جميل عندما يكون بين الحاضرين كل من الأصدقاء الغيورين على سلامة الحزب ووحدة أجزائه.. والرفاق التاريخين الذين لا يسعهم الفرحة الغامرة بمشاركتهم يداً بيد مع رفاقهم الشباب على تشكيل اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين ومؤتمرهم العلني يسعون جاهدين وبقيادة جماعية وخيرة الكوادر المخلصة لوحدة الصف الشيوعي، وأرجو من مؤتمرنا هذا أن يكون بداية الطريق لتوحيد الصف الشيوعي... وها هم الشباب يلتفون حول اللجنة الوطنية فلنلتف مع الشباب يداً بيد حول حزب شيوعي قوي».
الرفيق عبد العزيز حسين - الحسكة أكد على أن «التقرير جيد بشكل عام ولكنه يحتاج إلى تدقيق في بعض العبارات، حيث كان هناك نوع من التخفيف من أخطار الإمبريالية العالمية في المنطقة والعالم، وكان هناك شيء من المبالغة بشأن قوى المواجهة، مع أهمية الانتصارات التي تحققت في أمريكا اللاتينية وآسيا والمنطقة العربية خاصة صمود المقاومة الوطنية في لبنان.. وهذا لا يعني أنني أدعو إلى اليأس ولكن ما أعنيه هو الموضوعية والواقعية في التفاؤل.
وحول وحدة الشيوعيين فأعتقد أنها رغبة جميع الشيوعيين الصادقين، ولكن هذا يتطلب عملاً دؤوباً وصادقاً ومتابعاً مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات التي حدثت وتحدث في العالم، فالعمل الملموس أهم من دزينة برامج والمهم هو تقوية العلاقات مع جميع الشيوعيين خاصة في المهام الجماهيرية والمطلبية والاعتصامية، فهناك خطوات جيدة ومقبولة في اتجاه الوحدة وأتمنى أن نساهم جميعاً كشيوعيين صادقين لمتابعة هذه المهمة.
الرفيق أدوار خوام - حلب قال: «لقد وعدناكم بأن حلب ستعود إلى عرينها، وهي اليوم تعود إلى عرينها، وأن كان هناك بعض الشوائب فنوعدكم بأننا سنزيلها.. أما بالنسبة لأعضاء اللجنة الذين سيتم انتخابهم فيجب أن يكونوا جميعاً في لجان توعية وكوادر للحزب الشيوعي السوري الوليد..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 279