تقرير اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين للاجتماع الوطني السادس

§  سيبقى هاجس الشيوعيين الأول العمل على استعادة دورهم الوظيفي
§   نحن أمام بداية مشهد انهيار متدرج للنظام الإمبريالي العالمي الذي تمثل الإمبريالية الأمريكية طليعته
§  دخول الجيش الإسرائيلي على خط تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير هو دليل استعصاء وعجز المخطط الأمريكي بنسخته الأولى

أيتها الرفيقات

أيها الرفاق
ينعقد اجتماعنا الوطني السادس في ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد، وفي أخطر مفصل من تاريخ منطقتنا وبلادنا، ومن تاريخ الحركة السياسية السورية ومن ضمنها الحركة الشيوعية السورية، وعلى وجه الخصوص اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين.
فمنذ توقيع ميثاق شرف الشيوعيين السوريين في 15/3/2002 كان هاجسنا الأساسي العمل على استعادة الدور الوظيفي ـ التاريخي للحزب الشيوعي في حياة البلاد عبر العمل الجاد والنوعي غير المسبوق لوحدة الشيوعيين السوريين، وخلق حوار وطني ديمقراطي شامل بين جميع أطراف القوى السياسية الوطنية لتعزيز الوحدة الوطنية بعيداً عن الثنائيات الوهمية، بل على أساس معايير وثوابت وطنية جامعة وقادرة على تفعيل دور المجتمع في مواجهة الأخطار الجدية التي تواجه بلادنا في ظل الانعطاف الخطير على المستوى الدولي والإقليمي والداخلي.
فمنذ الاجتماع الوطني الأول في تشرين الأول 2002، وماتلاه من اجتماعات، وصولاً إلى اجتماعنا السادس هذا، وضع تيار وحدة الشيوعيين السوريين الأسس العلمية للرؤية والخطاب السياسي والممارسة على الأرض لهذا التيار الجديد على مستوى البلاد بشكل متدرج ومتصاعد رغم جميع المعيقات والصعوبات الموضوعية والذاتية، ولانجانب الصواب عندما نقول إن كل اجتماع لوحدة الشيوعيين السوريين، كان يدفع برؤيتنا وخطنا السياسي نحو الأمام أكثر، لتضمنه استشرافاً للمستقبل ومايحمل من مخاطر على وطننا ومنطقتنا، وهذا ماسمح لنا بإدراك شمولية وخطورة المخططات الإمبريالية الأمريكية والصهيونية القديمة الجديدة على المستويين الدولي والإقليمي بعد أحداث 11 أيلول 2001، فقد جاء في تقرير اللجنة الوطنية المقدم للاجتماع الوطني الخامس مايلي: «تأكد بعد غزو العراق أن الحلول التي ستعتمدها الإمبريالية الأمريكية ستكون مركبة وستسعى للاستفادة من التصدعات الاجتماعية كي تسير في خيارها التفتيتي على أساس قومي وديني وطائفي، وهي إن كانت تغازل وتسترضي البعض مستفيدة من ركام التوترات السابقة إلا أنها تسير بصراحة نحو خيارها بالفوضى الخلاقة، فماذا يعني هذا؟ إنه يعني مسح البنى السابقة للدول والشعوب التي تكونت في القرن العشرين باتجاه الفراغ لفترة طويلة يجري فيها استنبات قواها التي ستعتمد عليها لاحقاً... عبر صراع واقتتال داخلي طويل يفضي إلى تركيبات جديدة تجعل من الإمبريالية الأمريكية الحاكم بأمره لفترة من الزمن، أي أن المخطط أعمق وأخطر من جميع المصطلحات المستخدمة مثل البلقنة ولبننة وعرقنة».
ومن هنا أدركنا أننا أمام ملامح مواجهة كبرى ترتسم بالأفق، تتجاوز ماكان يجري في مواجهات فلسطين ولبنان والعراق إلى تلك الأجزاء من المنطقة التي بقيت حتى هذه اللحظة خارج المواجهة المباشرة والتي ستكون مرشحة للاستهداف بسبب الأزمة التي يعاني منها المخطط الأمريكي ـ الصهيوني. وكنا أول من أشار إلى أن المواجهة الكبرى ستمتد من إيران إلى لبنان ولن تستثني أحداً، ومن واجب الشيوعيين وجميع الوطنيين المقتنعين والملتزمين بخيار المقاومة الشاملة أن يكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة بكل تفاصيلها.
وها قد بدأت حرب الأهداف المتدحرجة في لبنان كمرحلة أولى من ملامح المواجهة الكبرى التي تحدثنا عنها مع المشروع الإمبراطوري الأمريكي، وقبل الدخول في أهداف هذه الحرب المدمرة التي يشنها التحالف الصهيوني الإمبريالي الأمريكي على أرض لبنان الشقيق، لابد من التأكيد على أن مانشهده الآن من مشاهد مروعة ومقاومة أسطورية يخوضها أبطال المقاومة والشعب اللبناني، قد سبقته تحضيرات ومؤشرات عديدة لم ينكرها إلا فاقدو الرؤية العلمية والموضوعية أو أولئك المراهنون على العامل الخارجي والمساومة للتخلص من خيار المقاومة.. خيار الشعوب.
 
الوضع الدولي
 
لاشك أيها الرفاق أنكم من المساهمين في نقاش وصياغة الرؤية حول الوضع الدولي وأزمة الإمبريالية الأمريكية الأساسية وأهمها:
1. لم يؤد انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة البلدان الاشتراكية إلى خروج الإمبريالية بشكل عام و الإمبريالية الأمريكية بوجه خاص من أزمتها العامة، بل تبين أنه بعد 15 سنة على ذلك الانهيار ازدادت أزمتها العامة البنيوية الشاملة التي لاحل لها في الداخل ـ حسب منظريها الجدد ـ إلا باللجوء إلى الخيار العسكري في جهات الأرض الأربع.
2. إذا كانت الإمبريالية الأمريكية محكومة بالحرب بسبب أزمتها الاقتصادية المستعصية والمالية المتفاقمة وبسبب التناقضات الاجتماعية الداخلية العميقة، فإنها أيضاً محكومة بتوسيع رقعة الحرب وخصوصاً عند عجزها عن تثمير الانتصار العسكري إلى انتصار سياسي ـ اقتصادي، أي أنها ستلجأ، أملاً بالخروج من المأزق، إلى محاولة إشعال نيران الحرب الأهلية من جهة وإلى نقل نيران الحرب إلى المناطق المجاورة من جهة أخرى، إن استطاعت إلى ذلك سبيلا.
3. تسعى الإمبريالية الأمريكية وعن طريق القوة العسكرية، إلى وضع اليد مباشرة على نفط المنطقة كاملاً كسبيل للخروج من أزمتها والانهيار المحتمل، وسد الطريق على منافسيها العالميين مع كل مايرافق ذلك من مغامرة أو مقامرة، لأن الحرب وتوسيعها لايقدمان الضمانات المطلقة للوصول إلى النتائج المرجوة، خصوصاً مع ميل الشعوب المتزايد إلى المقاومة يوماً بعد آخر، إلا أن كل المعطيات تشير بأن الإدارة الأمريكية الحالية تسير نحو الصدام ومحاولة السيطرة على المنطقة خاصة أن المشروع الأمريكي محكوم بآجال زمنية حددها المنظرون وأرباب القرار في واشنطن بعام 2010.
4. تبين آخر الدراسات والتقارير أن الإمبريالية الأمريكية مضطرة لزيادة كتلة الدولار الورقي في التداول العالمي إلى حدود غير مسبوقة، وهذا مايزيد مخاطر الانهيار المفاجئ والكارثي للدولار وماسيتبعه من انهيارات متلاحقة في كل المجالات. وهذا يدفع الإدارة الأمريكية للجوء إلى القوة العسكرية والسيطرة الاقتصادية لفرض الثقة بالدولار وبقائه كوحدة تسعير للنفط.
5. إن الاقتراب المتوقع في المدى المنظور للخطر الأمريكي من حدود روسيا والصين سيضطرهما لاتخاذ مواقف أكثر جذرية من الأطماع الإمبريالية الأمريكية، وهناك بداية تمايز للدور الصيني والروسي على الساحة الدولية، ولايجوز كذلك المراهنة على بعض الخلافات الأوروبية ـ الأمريكية، لأن الاتحاد الأوروبي وريث أوروبا العجوز بوجه عام سرعان ما يخضع للضغوط الأمريكية ويقدم على التواطؤ المباشر وغير المباشر ضد الشعوب وينخرط في السياسات العدوانية لواشنطن، خصوصاً أن الإمبريالية الأوروبية كذلك تعتبر الصين ودولاً آسيوية أخرى منافسين لها وستعمل لإعاقة بروز قوى عالمية كبرى جديدة.
6. إن كل ماسبق يؤكد أن الإمبريالية الأمريكية لجأت إلى الحل العسكري للخروج من أزمتها إدراكاً منها ـ بعد فشل نظريات نهاية التاريخ وصراع الحضارات ـ أن ميزان القوى بدأ بالتغير لغير صالحها على المستوى الكوني رغم كل أسلحة البطش التي تمتلكها، ولعل أهم المؤشرات على بدايات التغير في ميزان القوى لصالح قطب الشعوب هي:
أ. شيوع منطق المقاومة ضد الإمبريالية في مختلف القارات، وكأن نبوءة تشي غيفارا آخذة في التحقق شيئاً فشيئاً، فمن فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان ونيبال إلى الكونغو تجري مواجهات بطولية على الأرض ضد قوى الاحتلال الإمبريالي الصهيوني رغم الفارق الهائل في ميزان القوى العسكري.
ب. وفي أمريكا اللاتينية تحقق كوبا البطلة تقدماً سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً وتكسب تأييداً شعبياً واسعاً في كل أرجاء القارة ضد الخطط الأمريكية العدوانية تجاه الشعب الكوبي، ومن اللافت جداً الانتصارات التي تحققها شعوب فنزويلا بقيادة شافيز وبوليفيا وغيرها من أجل تحقيق طموحات شعوب أمريكا اللاتينية بالسيادة الوطنية والانعتاق من الهيمنة الاقتصادية الإمبريالية والتخلص مما يسمى باتفاقيات التجارة الحرة والتي تمثل استمرار السيطرة الاحتكارية للإمبريالية الأمريكية.
ج. الازدياد المتصاعد لدور الشعوب المباشر ضد السياسات الليبرالية الجديدة في كل القارات وخاصة في أوروبا وقد أخذت هذه النضالات تعطي نتائجها الأولى. ففي عدد من البلدان الأوروبية تمكن العمال والقوى الاجتماعية الأخرى من إجبار الحكومات على التراجع في عدد من القضايا (مثل مسودة الدستور الأوروبي، وعقد الوظيفة الأول في فرنسا مثلاً) كما أن الجبهة المناهضة للعولمة المتوحشة تزداد اتساعاً وفعالية في جميع القارات.
د. يشتد الصراع في المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، ومثال ذلك مايجري في منظمة التجارة الدولية وبروز قوى جديدة مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، كما بدأت بالبروز منظمة شنغهاي للتعاون والتي تضم روسيا والصين وكازاخستان وطاجكستان وأوزبكستان (وسينضم إلى هذه المنظمة قريباً إيران والهند وباكستان)، وهذا ماسيجعل وضع الإمبريالية الأمريكية في آسيا أكثر صعوبة خصوصاً أن منظمة شنغهاي طالبت بسحب القواعد العسكرية الأمريكية من المنطقة.
وهنا لابد من الوصول إلى الاستنتاجين التاليين:
أولاً ـ إن المؤشرات السالفة الذكر تدلل على أنه لامناص من تغيير جذري قادم في ميزان القوى بعد أن تكونت عناصر هذا التغيير على المستوى الدولي العام.
ثانياً: وهذا يقودنا إلى الاستنتاج الأهم وهو أننا أمام بداية مشهد انهيار متدرج للنظام الإمبريالي العالمي الذي تمثل الإمبريالية الأمريكية طليعته دون أن يستطيع أحد تقدير الآجال الزمنية لهذا الانهيار، ولكن لنقل أن هزيمة عسكرية واحدة جدية للإمبريالية الأمريكية تكفي لبروز كل مؤشرات الانهيار المتوقع . . . وهنا لايغير من هذه الفرضية وجود التفوق التكنولوجي للإمبريالية وحلفائها ومايمكن أن يسببه ذلك من خسائر بشرية ولكن الإرادة السياسية وإدامة الاشتباك مع العدو كفيلان بإلحاق الهزيمة بالمشروع الإمبراطوري الأمريكي.

أيها الرفاق:

قد يتساءل البعض قائلاً: على أية أسس بنيتم استنتاجاتكم حول طبيعة الانعطاف في الوضع الدولي والإقليمي.؟ وهنا نذّكر بأن الماركسي هو من يستشرف المستقبل لإدراك الحركة اللاحقة عبر المعايير التالية:
1. المنظار الطبقي الاجتماعي كأحد أهم أدوات التحليل لمعالجة الظواهر في الشكل والمضمون.
2. يسمح لنا هذا المنهج باكتشاف التناقضات الداخلية المحركة للظاهرة التي هي قيد المعالجة ألا وهي الإمبريالية الأمريكية وسلوكها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
3. لذلك استطعنا فهم حركتها الكونية الشاملة من خلال ماتطرحه من مشاريع وأهداف وشعارات.
4. ربط الوضع في المنطقة بجوهر الظاهرة وبحركتها الكونية، وهذا مايجعلنا نستنتج بأنها محكومة بالحرب وتوسيع رقعة الحرب وبالهزيمة إذا ماتوفرت الإرادة السياسية لمواجهتها.
وكان الأصعب في عملية التحليل هذه هو فهم حركتها في منطقتنا المغلفة في غالب الأحيان بالالتباس والتشويش والتضليل المقصود، لذلك اعتمدنا على الأسس التالية في التحليل والتركيب:

أ. رأينا في المنطقة الممتدة من بحر قزوين حتى المتوسط ساحة واحدة: أي ساحة عمليات واحدة للإمبريالية الأمريكية والصهيونية، وتجردنا من الحدود السياسية والجغرافية التي هي أصلاً حدود سايكس ـ بيكو وكل ماأفرزته نتائج الحرب العالمية الأولى.
ب. كان الهدف الأكبر ولازال للمخططات والعمليات الأمريكية في المنطقة التي تحدثنا عنها هو النفط تحديداً، وبالتالي الاستيلاء المباشر على كل نفط المنطقة سواء بطريقة الاستعمار القديم لحل الأزمة الأمريكية بسعر يقارب الصفر مما يخفض تكاليف الإنتاج، أو بطريقة الاستعمار الجديد عبر رفع سعر البرميل إلى أقصى مدى ممكن لخنق منافسيهم اقتصادياً وعسكرياً.
ج. من الضروري التوقف عند الإعلان الأمريكي عن سقف الآجال الزمنية المطلوب لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير والذي حدد بعام 2010 لأنه بعد ذلك الحين يصبح تطور منافسي الولايات المتحدة اقتصادياً وعسكرياً خارج السيطرة ولارجعة فيه (أوروبا والصين).
د. كان واضحاً أن الولايات المتحدة ترغب بالتفرد المطلق على الساحة الدولية بحيث تصبح اللاعب الأساسي في المنطقة دون غيرها من القوى الخارجية الإمبريالية بما فيها إسرائيل، وكانت تصر على ذلك للحصول على الحصة العظمى من المغانم، ومن جهة ثانية حتى يتسنى لها اعتماد حلول مركبة عسكرية ـ سياسية إزاء دول المنطقة وتفتيت بنيتها الجغرافية والديمغرافية دون إشراك إسرائيل الصهيونية لأنه في ذلك يجعل الحلول عسكرية فقط، ومن هنا كان الإصرار الأمريكي على عدم إشراك إسرائيل في حروبها المباشرة منذ عام 1991، حتى آن أوان هذا الدور بعد تعثر المشروع الأمريكي في العراق ولبنان.
كما استفادت الإمبريالية الأمريكية من خلال دورها المختلف بالشكل وليس بالجوهر عن الاستعمارين الفرنسي والإنكليزي في المنطقة، من ماكينة إعلامها الهائل بالتستر على أهدافها الحقيقية في المنطقة عبر شعارات الديمقراطية، ومحاربة الإرهاب، وحقوق الأقليات، وتمكين المرأة، وحقوق الإنسان، والحداثة، إلى آخر ماهنالك من مصطلحات شكلت قنابل دخانية لإخفاء أهدافها الحقيقية والتي تأتي على رأسها السيطرة والهيمنة على المنطقة كمفتاح رئيسي وأساسي لتحقيق المشروع الإمبراطوري الأمريكي.
هـ. لقد أدركنا باكراً أن أحد الأدوات الرئيسية في السيطرة الأمريكية هو التحكم بالوعي الاجتماعي، وكان من أبرز الوسائل في ذلك هو تصنيع وإطلاق الثنائيات الوهمية لإحداث الاستقطابات لصالحها على أساس تلك الثنائيات والتي أبرزها «أنظمة ـ معارضة»، «سنة ـ شيعة»، «ليبرالية ـ قطاع عام فاسد»، «أكراد ـ عرب»، «فرس ـ عرب». . . . إلخ وكان الهدف من خلق هذه الثنائيات التضليلية والتي لها أساس ما في الواقع، إبعاد الشعوب عن فهم الصراع الحقيقي والتناقضات الأساسية في الواقع الموضوعي مثل: «إمبريالية ـ شعوب»، «عمل ـ رأسمال»، «ظالم ـ مظلوم»، أي تحويل الوعي الاجتماعي وحرفه باتجاه التناقضات الثانوية و أحياناً الوهمية، الشيء الذي يسمح بنشوء وعي مزيف لدى الجماهير وغير مطابق للواقع، وعند ذلك تسهل السيطرة الإمبريالية بأقل كلفة مادية وبأخفض الخسائر البشرية.
 نتيجة لكل ماسبق توصلنا إلى استنتاجات ملموسة حول الوضع الدولي والإقليمي ووضعنا المهام المحتملة والمختلفة على أساس ذلك.

الوضع العربي والإقليمي

لقد بدأنا بالحديث عن انهيار النظام الرسمي العربي بعد قمة بيروت 2002، أي بعد الاجتياح الإسرائيلي الكامل للضفة بعد 24 ساعة على انفضاض القمة التي كرست مفهوم السلام كخيار استراتيجي وحيد، فجاء الجواب الإسرائيلي بالاجتياح المباشر ليقول: إن الآلة العسكرية والعدوان المباشر هما خيار إسرائيل الصهيونية الوحيد إزاء مثل هكذا نظام عربي رسمي، وقد جاء مؤتمر القمة الأخير في الخرطوم إثباتاً فاضحاً لفشل هذا النظام وانهياره، الأمر الذي سيفضي لاحقاً إلى إعادة تكوين هذا النظام ليس كما تشتهي الإمبريالية الأمريكية والصهيونية، بل بإرادة شعوب هذه المنطقة على أساس معيارين اثنين وهما:

1 ـ الموقف من الإمبريالية وخاصة الأمريكية سياسياً واقتصادياً عبر الانتقال من حالة الخضوع والخنوع إلى حالة المواجهة والتصدي في كافة المجالات.
2 ـ الموقف من الداخل باتجاه إصلاحات وطنية ديمقراطية تحرر الجماهير من أغلالها وتؤمن لها العيش الكريم من ثرواتها المنهوبة.
ولانبالغ عندما نقول بأن ملامح النظام العربي الجديد قد بدأت بالتكون وتظهر أحياناً بشكلها الكامن عبر:
أ. الموقف العدائي الكبير والمتصاعد للجماهير الشعبية من الإمبريالية والصهيونية، وهو مؤشر جدي لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر، (وماالمظاهرات الشعبية التي تملأ البلدان العربية ضد العدوان الصهيوني الإمبريالي على لبنان إلا الدليل القاطع على ذلك).
ب. الغربة الشديدة بين الحكام العرب والجماهير التي تكتوي بكل أشكال القمع المستتر والمفضوح.
ج. التدني الشديد للمستوى المعاشي للشعوب في البلاد العربية وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية إلى حدود لم يسبق لها مثيل من فقر وبطالة وقصور في النمو رغم الثروات الهائلة التي تراكمت مؤخراً وخلال العقود الماضية بسبب الريع النفطي، الأمر الذي أدى إلى استفحال الاستقطاب الطبقي بشكل مذهل حيث ازداد الأغنياء غنى بشكل فاحش وازداد الفقراء فقراً بشكل متوحش.
د. ضعف وحتى إفلاس تنظيمات سياسية مختلفة، كان قسم منها حتى الأمس القريب يعتبر في عداد حركة التحرر العربية، مما خلق فراغاً سياسياً مؤقتاً يتطلب بالضرورة تعبئته بأشكال جديدة قادرة على التعبير عن مطالب ومطامح الجماهير الشعبية في الظروف الجديدة.
إذاً فالقديم يموت والجديد لم ينشأ بعد لكنه سيكون ثمرة تحول عميق في بنية الأنظمة السياسية في البلدان العربية. والمفارقة أن أصحاب النظام العالمي الجديد يعون هذه الحقيقة تماماً، ويريدون الاستفادة من هذه اللحظة التاريخية لدفع الأمور باتجاه الوراء عبر تدمير القوى الناهضة من خلال خلق واقع جغرافي سياسي جديد يسمح بدفع التناقضات الثانوية من دينية وطائفية وقومية إلى السطح، ومحاولة جعلها رئيسية بشكل مفتعل ومصطنع وموجه لمنع التناقض الأساسي بين الإمبريالية والشعوب وبين الشعوب وأنظمتها الدكتاتورية المهترئة من أن يأخذ مداه، وصولاً إلى إجهاض، أو على الأقل تأخير أي مشروع تاريخي يسمح بإحداث اختراق إلى الأمام. وطالما أن الإمبريالية تعلن صراحة أن منطقة الشرق الأوسط والسيطرة عليها تعني الهيمنة والتحكم بمقدرات العالم في المستقبل، فإن الإمبريالية الأمريكية وحليفتها الصهيونية تخوض معركتها الكونية انطلاقاً من منطقتنا، مع تحديد زمن لإنجاز هذه المعركة بحلول 2010. ولايمكن لقوى العدوان هذه أن تصل إلى مآربها الأنفة الذكر إلا بمعركة كسر عظم مع شعوب هذه المنطقة عبر تعميم مايطلقون عليه الفوضى الخلاقة والقضاء على ثقافة المقاومة وفصائلها الطليعية. وعلى هذا الأساس يمكن فهم مايجري من معارك في فلسطين والعراق، ومن حرب مفتوحة ضد المقاومة في لبنان. وهنا لابد من التوقف عند مايجري في لبنان الشقيق بعد فشل حجة مؤامرة اغتيال الحريري في شل حزب الله وفشل القرارين 1559 ـ 1595 في تجريد المقاومة من سلاحها لضمان الأمن الإسرائيلي في حال ضرب إيران، وبعد تعثر محاولات إشعال حرب أهلية في لبنان، وبعد تعثر المشروع الأمريكي في العراق لم نتفاجأ بالعدوان الصهيوني الأخير على كل لبنان، ولانريد أن نسرد الأخبار عليكم لأنكم من متتبعيها ومراقبيها، ولكن لابد من الوقوف على دلالات هذا الانفجار الكبير والخروج باستنتاجات تترتب على أساسها مهامنا اللاحقة:
1 ـ إن دخول الجيش الإسرائيلي على خط تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير هو دليل استعصاء وعجز المخطط الأمريكي بنسخته الأولى، وهذا ماتطلب الاستعانة العلنية بالدور الوظيفي لإسرائيل الصهيونية وزجها في هذه المواجهة الكبرى، لأنه لم يعد بمقدور الولايات المتحدة الاستغناء عن هذا الدور الإسرائيلي المباشر كما كان سائداً منذ عام 1991 حتى الآن.
2 ـ كما أن العدوان الإسرائيلي بهذا الحجم الخطير وتداعياته سيخلق وضعاً جديداً نسبياً لصالحنا وصالح شعبنا إذا أحسنا قراءة مايجري من وقائع ومؤشرات أهمها:
أ. بدء انهيار جملة من الثنائيات الوهمية.
ب. تطابق مواقف الأنظمة العربية بين ظاهرها وباطنها لأول مرة منذ عام 1948، بحيث لم يعد هناك من صعوبة في فضح هذه المواقف وزيف ادعاءاتها القومية والوطنية، وهذا ماسيسهل حركة الشارع وجزء من جهاز الدولة ضدها، خصوصاً أن الغطاء العربي الرسمي والتحريض المكشوف ضد المقاومة والمقاومين ووصفهم بالمغامرين كان من أهم العوامل المساندة للعدوان الصهيوني.
ج. انحسار الإحباط الشعبي وبدء انتعاش المزاج الجماهيري، بسبب الانتصارات الأولية والصمود الأسطوري الذي حققته المقاومة اللبنانية ممثلة بتنظيم حزب الله ضد العدوان الإسرائيلي لأول مرة منذ 48 وحتى الآن، من حيث الصمود والقدرة على إدارة المعركة والنيل من العمق الإسرائيلي الداخلي ومايحمله من دلالات.
د. ومن الدلالات الهامة على تفجر الوضع، هو أن الاستعصاء الذي يواجه المشروع الأمريكي ككل قد انتقل إلى مرحلة جديدة وخطيرة، ألا وهي: ضرب إيران وسورية بكل الوسائل ومحاولة إخضاعها وإملاء الشروط الأمريكية عليها. أي أننا نقترب بشكل حثيث من المواجهة الكبرى والحاسمة.
 
التوقعات
 
1 ـ لقد توقعنا منذ اليوم الأول لهذه الحرب العدوانية أنها ستكون طويلة ومتدرجة من حيث تصعيد استخدام الوسائل العسكرية، ومتدحرجة جغرافياً، وأنها ستكون معركة فاصلة، وعندما توقعناها حرباً طويلة كنا ندرك أنها ليست معركة ضد الأنظمة التي تفتقد للإرادة السياسية للمواجهة مثل تلك الإرادة والتنظيم التي عبرت عنهما المقاومة اللبنانية وقيادتها المجربة.
2 ـ هناك رغبة عند الأمريكيين لنقل المعركة إلى سورية وحصارها أسوة بلبنان، بل يمكن اعتبار حصار لبنان هو بداية لحصار سورية، لكن هذه النية الأمريكية الإسرائيلية تصطدم بجملة من المعوقات التالية:
أ ـ المقاومة البطولية في لبنان وصمود الجماهير هناك كحاضنة رغم كل الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية للبلاد.
ب ـ غليان الشارع العربي وتداعياته على الأنظمة نفسها مما فرض عليها بعض التعديلات في مواقفها الظاهرية، وكان أحدها اجتماع وزراء الخارجية في بيروت بعد أن سمحت لهم واشنطن وتل أبيب بمرور آمن إلى بيروت.
ج ـ عدم وضوح الموقف الروسي تحديداً، وعليه سيتوقف الكثير فيما لو قررت قوى العدوان فتح المعركة ضد سورية.
3 ـ إن ازدياد الخطر على سورية وازدياد حجم العدوان على لبنان سيفرض على إيران من الوجهة الاستراتيجية المبادرة للردع دون انتظار، وهذا ليس له علاقة بالملف النووي المصطنع، بل لأن ساحة المعركة واحدة كما أن أية هزيمة تلحق بلبنان أو سورية ستجعل من ضرب إيران أمراً أكيداً.
4 ـ إن ازدياد الضغط على سورية سيخلق الأجواء المناسبة لما كنا قد طرحناه منذ ثلاث سنوات حول ضرورة فتح جبهة الجولان شعبياً.
 
مهامنا الأساسية
 
1. المتابعة السياسية والتعبوية والإعلامية للوضع ومطلوب من اجتماعنا هذا اتخاذ إجراءات ملموسة بعد نقاشها.
2. التفاعل مع الشارع من خلال متابعة الاعتصامات وإصدار البيانات وإقامة الندوات والتهيؤ للانخراط في أي عمل من شأنه تحصين الجبهة الداخلية وتعزيز الوحدة الوطنية وتقديم العون للوافدين من لبنان.
3. رفع درجة الجاهزية السياسية والتنظيمية للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين لمواجهة أي حدث استثنائي دفاعاً عن الوطن بشكل عملي وعلى الأرض انسجاماً مع خيارنا الذي طرحناه ومتمسكين به: خيار المقاومة الشاملة. وهذا يتطلب متابعة وتعميق نشاط اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين أكثر من قبل عبر استنفار جميع قوانا ومتابعة الحوار والصلات مع كافة الشيوعيين بغض النظر عن مواقعهم ومع القوى الوطنية الأخرى في البلاد.
 4. تفعيل لجنة المبادرة للحوار الوطني وتشكيل لجان المحافظات بشكل سريع ومستعجل.
 
الوضع الداخلي

لم يتغير تقويمنا للوضع الداخلي عما كنا قد أكدناه في الاجتماع الوطني الخامس بأن استكمال الهيمنة الأمريكية على المنطقة لابد له من (إخضاع) سورية والهيمنة على مقدراتها لأنها منطقة حساسة ولايمكن السيطرة على المنطقة أو إنجاح مخطط الشرق الأوسط الكبير دون استهدافها لاستكمال عملية تفتيت وإعادة تركيب المنطقة. ذلك المخطط الذي بدأ بالعراق، ويفعل اليوم مايفعله على أرض لبنان الشقيق، لايمكن أن يستثني بلدنا. ومن هنا كنا نقول للذين تخالجهم الأوهام حول النوايا الأمريكية أو إمكانية المساومة معها: إن بلدنا أمام عدوان داهم في زمن يتناقص، ولابد من التحضير للمواجهة المرتقبة، والتي تأخر التحضير لها لأسباب تحدثنا عنها سابقاً وطويلاً في كل ما نشر من وثائقنا.
وعلى هذا الأساس وضع تيار وحدة الشيوعيين السوريين لنفسه المعايير الضرورية لاتخاذ الموقف الصحيح إزاء القضايا التي تواجه المجتمع والبلاد عبر الربط الجدلي بين المهام الوطنية والاجتماعية ـ الاقتصادية والديمقراطية، أي أننا التزمنا بجملة من الثوابت أهمها:
1. لم ولن نتزحزح قيد أنملة عن خطنا العام في عدائنا للإمبريالية الأمريكية وحليفتها إسرائيل الصهيونية، وأكدنا على أهمية تجميع القوى الوطنية مهما كان انتماؤها الأيديولوجي، تأسيساً لخيار المقاومة الشعبية الشاملة.
2. أكدنا ومانزال أن للإمبريالية الأمريكية امتداداتها الداخلية المتمثلة بقوى الفساد الكبرى التي تمثل بوابات العبور للعدو الخارجي، وقلنا إن هذا الخطر تعبر عنه سياسياً قوى الليبرالية الجديدة، وهي موجودة داخل جهاز الدولة وخارجه.
3. إن سير الأحداث مابين اجتماعنا الوطني الخامس وصولاً إلى اجتماعنا هذا، وماتكشف من فرز في الفضاء السياسي داخل سورية وفي المنطقة، يزيدنا قناعة بأن ثنائية المعارضة والنظام هي ثنائية وهمية. فما جرى ويجري في العراق وفلسطين ولبنان ومانواجهه من تهديدات لبلدنا سورية ومن انجرار بعض القوى التي يفترض أن تكون وطنية معادية للإمبريالية الأمريكية إلى مستنقع السكوت و التغاضي، بل تبرير الاحتلال الأمريكي أو الغمز من قناة المقاومة الوطنية اللبنانية، يجعلنا نستنتج أن تفكيك الثنائيات الوهمية باكراً وتحطيمها في الوعي السياسي والاجتماعي هو ضرورة وطنية قصوى كي يأخذ النضال اللاحق مجراه الصحيح غير المشوه، مما يسمح بوضع الأمور في نصابها ويسهل الفرز على أساس وطني واجتماعي في المجتمع وبين القوى السياسية، ويفتح الطريق أمامنا كشيوعيين لاستعادة دورنا الوظيفي، ويمنع الخصوم من وضعنا في الزاوية الحرجة.
4. لقد ساهمت هذه الرؤية بدفع وثيقة «المهام السياسية الملحة» التي أقرها الاجتماع الوطني الخامس إلى واجهة الأحداث، وجعلها بهذا القدر أو ذاك المعيار الذي يجري على أساسه الاصطفاف من جديد بين القوى السياسية والاجتماعية، لأن ماطرحته تلك الوثيقة يعكس متطلبات الواقع وبدأ يشق طريقه إلى الحياة الاجتماعية والسياسية في البلاد.
 5. أكدنا على ضرورة صياغة دور جديد للدولة بدل الدور الوصائي القديم الذي أفرزته البرجوازية البيروقراطية والبرجوازية الطفيلية، وكذلك بعيداً عن الدور المزيف الجديد الذي يطرحه بعض أطراف الثنائية الوهمية استناداً للمنطق الليبرالي الجديد الداعي لتحويل دور الدولة إلى مجرد شرطي سير ينظم حركة الرساميل وشكل النهب الجديد، وقلنا إن الدور الجديد للدولة يجب أن يحقق معدلات نمو عالية وعدالة اجتماعية وديمقراطية واسعة، وهي مهمات مرتبط بعضها ببعض، ونقطة الانطلاق لتحقيقها هي كسر آليات النهب واجتثاث جذوره، وهذا يتطلب إصلاحاً وطنياً شاملاً، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإدارياً.
 انطلاقاً من الثوابت التي ذكرناها آنفاً، تقتضي منا الأمانة تجاه شعبنا ورفاقنا الذين انتخبوكم لهذا الاجتماع أن نسمي الأشياء بمسمياتها حول الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي والسياسي في البلاد، ليس فقط على صعيد التشخيص، بل باقتراح الحلول المسؤولة والنضال لترجمتها على أرض الواقع انطلاقاً من دورنا الوطني، وخصوصاً في هذه الظروف الحرجة.


على الصعيد الاقتصادي

 يتميز اقتصادنا الوطني بالملامح التالية:
 1. قصور في معدلات النمو.
 2. نضوب في الموارد الضرورية للتطور اللاحق والمطلوب.
 3. التدهور المستمر للمستوى المعاشي للجماهير الشعبية.
 4. استمرار النزيف الاقتصادي عبر الفاقد الذي يسببه النهب الكبير المرافق للفساد.
 5. استفحال ظاهرة البطالة التي وصلت إلى مستويات تهدد الأمن الاجتماعي.
 إن كل ذلك يؤدي إلى انخفاض حصة الفرد من الدخل الوطني، وازدياد الخلل في توزيع الدخل الوطني، الأمر الذي أدى إلى تمركز هائل لرساميل الفاسدين بشكل لم يسبق له مثيل، حيث أصبح من الصعب معرفة عدد المليارديرية الجدد، وهذه ظاهرة خطيرة توضح عمق الاستقطاب الطبقي في البلاد.
 والمفارقة هنا أن الممارسة الاقتصادية على أرض الواقع تسير بالاتجاه المعاكس تماماً للخطاب السياسي الذي يعبر عن إرادة مواجهة ويحظى بتأييد الجماهير في سورية والعالم العربي، ومن اللافت أن كثرة الحديث عن الإصلاح يقابله تراجع جدي في أهم المؤشرات الاقتصادية والتي من المطلوب أن تتحول إلى عوامل الصمود، لا أن تتحول إلى أداة إضعاف إرادة المواجهة. لذلك فإن قلق الناس والشارع حول الموضع الاقتصادي ـ الاجتماعي في البلاد هو قلق مشروع، لأن الممارسة الاقتصادية تستفز الشارع وتهز الاستقرار الاجتماعي وتضعف مصداقية الخطاب السياسي، لذلك يحق لنا أن نظن بأن هناك في بنية النظام ألغاماً موقوتة تعمل بالتواتر مع الضغوطات الخارجية لخلق الأرضية وتوسيعها لبعض المعارضات المرتبطة بالخارج، وخاصة تلك التي كانت جزءاً من النظام حتى الأمس القريب.

على الصعيد السياسي

 ماتزال القضايا السياسية الداخلية موضوعة على بساط البحث، والتي تتطلب حلولاً عاجلة مازالت عالقة ولاتتقدم بالشكل الذي تفرضه ضرورات التطور العام، وكذلك ضرورات تحصين الداخل لمواجهة ضغوط الخارج. وأهم الملفات المتعلقة بتطوير المناخ السياسي والحركة السياسية من خلال خلق مناخ ديمقراطي عام ضروري في حياة البلاد هي:
 أ ـ قانون الأحزاب والانتخابات.
ب ـ طريقة التعامل مع قانون الطوارئ.
ج ـ استمرار نتائج قانون الإحصاء الاستثنائي سيء الصيت في الجزيرة لعام 1962.
لقد أوضحنا مراراً موقفنا المبدئي من قانون الأحزاب المفترض. ونؤكد مجدداً أن قانون الأحزاب يجب أن يصاغ على أسس تساعد في تدعيم الكيان الوطني المستهدف في وحدته من قبل واضعي مخطط الشرق الأوسط الكبير، لذلك يجب ألا يسمح القانون بقيام أحزاب على أساس ديني أو طائفي، أما فيما يخص بنية الأحزاب التي سيشرعها القانون، فيجب أن تكون برامجها وأنظمتها الداخلية قائمة على أساس وطني شامل يطرح قضايا مجموع الوطن، ويضمن كذلك حق العضوية لأي مواطن سوري فيها بغض النظر عن منطقته أو محافظته. وأكدنا أيضاً أن قانون الأحزاب لن يستطيع تقديم المطلوب منه إذا لم يرافقه قانون انتخابات جديد يسمح بتنشيط الحركة السياسية، وذلك من خلال اعتماد النسبية واعتبار البلاد دائرة انتخابية واحدة، ومن هنا فإن قانون الأحزاب شرط ضروري لقوننة وتنشيط الحياة السياسية، ولكنه شرط غير كاف إذا لم يترافق بقانون انتخابات جديد يلغي الشكل القديم الذي استنفد نفسه.
كنا دائماً ومانزال مع رفع حالة الطوارئ وحصرها بالقضايا التي تهم الأمن الوطني فعلاً، وطالبنا بحصرها وتحديد فعلها مكانياً وزمانياً حين تتطلب الظروف ذلك، وأن لاتستخدم لتقييد الحركة السياسية، وخاصة تلك التي سيشرعها قانون الأحزاب.
ليس بخاف على أحد الآثار السلبية لنتائج قانون الإحصاء الاستثنائي وعدم الإخلال بحقوق المواطنة والمدنية في الجزيرة لعام 1962، وأبدينا ارتياحاً للتصريحات الرسمية حول إنهاء إعادة النظر بنتائجه، لكن تلك التصريحات لم تأخذ طريقها للتنفيذ مع مايحمل ذلك من أضرار على قضية الوحدة الوطنية، ونرى أن حل قضية الإحصاء الاستثنائي وتأمين الحقوق الثقافية للمواطنين السوريين من القوميات الأخرى التي هي جزء من النسيج الوطني السوري تاريخياً (كالأكراد مثلاً)، سيخلق انفراجاً في جزء هام من المجتمع السوري الذي حاول وسيحاول أعداء الخارج استخدام التوترات الموجودة فيه ضد مصلحة البلاد ووحدتها الوطنية.
إن بقاء الأوضاع على حالها يثبت استمرارية مفاعيل الثنائية الوهمية (معارضة ـ نظام) والتي أكدت الأحداث خطورة استمرارها، فهاهي بعض القوى التي كانت محسوبة على النظام تعلن انتقالها إلى صفوف المعارضة الخارجية، ليس فقط مكانياً وإنما برنامجياً. إن تحقيق الملف الديمقراطي على الأرض هو ضرورة وطنية، وإذا كان بعض الخارج يطالب به، فإنه يطالب بشكل ومضمون مختلفين لما يسميه (ديمقراطية) هدفها فعلاً تفكيك قوى المجتمع، في حين أن الديمقراطية الحقيقية هي مطلب وطني داخلي ضروري يحصن المجتمع ويحميه من الأخطار الخارجية والفساد الداخلي بالوقت ذاته، ومن هنا نؤكد أن تحقيق وتنفيذ المطالب الديمقراطية المعروفة لايتم بانتظار التقادير، وليست هبة من أحد أو تنازل من طرف ما، بل هي ثمرة لتناسب ميزان القوى على الأرض، ونتيجة لتوازنات اجتماعية جديدة تكون محصلتها تحقيق هذا البرنامج. وبقدر مانختلف مع أصحاب الذرائع القائلة: إن الوطن في خطر فلا يجوز الآن رفع مطالب ديمقراطية، نختلف بالقدر نفسه مع بعض القوى السياسية الوطنية التي ترى نفسها عاجزة عن تحقيق مطالبها، فتنكص باتجاه الروح الانتظارية المستندة على اعتماد عنصر الزمن وقلة الحيلة.
إن المدخل الحقيقي للإصلاحات الديمقراطية المنشودة هو زيادة دور وفعل الجماهير الشعبية في الحياة السياسية والعملية الاقتصادية والاجتماعية داخل البلاد.

في مجال

وحدة الشيوعيين السوريين

 أيها الرفاق الأعزاء!
إن وجودنا هنا في هذا الاجتماع المهيب جاء بالانتخابات التي شارك فيها الآلاف على مستوى البلاد، ولم تكن الانتخابات عملية ميكانيكية تجميعية، بل رافقها تحضيرات وحوارات وعمليات تواصل بين الشيوعيين لم تكن موجودة على مدار سنوات القطيعة والتناحر التي لم تؤد إلا لاستمرار غياب دور الشيوعيين في حياة البلاد. كما أن نجاح عملية انتخاب المندوبين لاجتماعنا الوطني السادس هذا، لم تكن فقط تنفيذاً لقرار الاجتماع الوطني الخامس، بل كانت دليل إثبات على تحول تيار وحدة الشيوعيين السوريين إلى قوة متنامية وهامة في مجمل الحركة السياسية في البلاد، وهذا مايعترف به الخصوم قبل الأصدقاء. وقد تحقق كل ذلك بفضل جهود آلاف الرفاق منذ توقيع ميثاق شرف الشيوعيين السوريين في 15/3/2002 وحتى اليوم، ومن هنا لم نعد نناقش ادعاءات البعض ومراهناتهم حول فشل أو إفشال حركة وحدة الشيوعيين السوريين، بل نحن الآن، ودون أي رضى عن النفس، نناقش تعميق وتعزيز التجربة وصولاً إلى هدفها المنشود ألا وهو: استعادة الدور الوظيفي التاريخي للحزب في حياة البلاد رغم كل ما يواجهنا من صعوبات وتعقيدات الوضع الحالي.. ولكننا بعد أن حسمنا خياراتنا المتعلقة بالمرجعية الفكرية وفي مجالات الرؤية والخطاب السياسي والممارسة على الأرض قادرون موضوعياً على تجاوز جميع الصعوبات، خصوصاً أنه لأول مرة تلتقي الرغبة بتوحيد الشيوعيين مع الانعطاف الجاري على الساحة الدولية والإقليمية والداخلية. . . . .
وإذا كان الاجتماع الوطني الخامس قد أقر وثيقة المهام السياسية الملحة والورقة التنظيمية، فإن اللجنة الوطنية تضع أمامكم مشروع موضوعات حول وحدة الشيوعيين السوريين، ويتضمن هذا المشروع إجمالي النقاشات والحوارات منذ إقرار ورقة (موضوعات حول أزمة الحزب وسبل الخروج منها) وحتى الآن. وأهم مايجب الوقوف عليه، هو طريقة المعالجة لمفهوم وحدة الشيوعيين، وإنه لأول مرة منذ بدء مسلسل الانقسامات، نشأ وضع جديد أدى إلى تطابق الإمكانية مع الرغبة الصادقة في الوحدة، وأبرز مافي الوضع الجديد هو: بداية صعود الحركة الثورية العالمية بعد موجة التراجع التي شهدتها، وكذلك بداية تكون ميزان قوى جديد لغير صالح الإمبريالية العالمية.
وطالما أن الوحدة هي عملية استراتيجية وتاريخية فإن المسافة التي قطعناها على هذا الطريق منذ عام 2002 وحتى الآن، شهدت خطوات هامة على هذا الصعيد يجب تعزيزها وتطويرها من دون أي غرور أو تهيب أمام الصعوبات الماثلة أمامنا، ولا يمكن الاستهانة بوحدة الشيوعيين التي أصبحت مهمة وطنية أكثر من أي وقت آخر.

أيها الرفاق:
منذ الاجتماع الوطني الخامس وحتى الآن، قامت اللجنة الوطنية ومكتب المتابعة بمحاولات جدية لاستمرار الحوار مع قيادات الفصائل سواء عبر توجيه الرسائل إلى قيادات تلك الفصائل أو عبر محاولات خلق تنسيق بالحد الأدنى، لكن ذلك لم يجدِ نفعاً حتى الآن، في حين أن النشاط على مستوى تطبيق شعار (من تحت لفوق) أعطى نتائج مبشرة، ولعل بعضها يتجلى في تكوين اجتماعنا الوطني هذا. ومن هنا وصلت اللجنة الوطنية إلى استنتاج هام هو أنه بغض النظر عن حصول حوار فوقي أي بين القيادات، فإن تحقيق الوحدة على الأرض لايمكن أن يجري إلا انطلاقاً من القواعد.
ولابد من الإشارة أن انتقال فصيل رياض الترك وقيادته على وجه الخصوص إلى مواقع أخرى سيسهل وحدة الشيوعيين السوريين، أما فيما يتعلق بالفصيلين الآخرين فلن نقطع الحوار والصلات معهما رغم كل ماتبديه قيادتهما من صد وممانعة، وفي حال استمرار سلوك قيادتهما على هذا المنوال ستصلان إلى خيار إما الانضمام والقبول بالحوار الشامل حول وحدة الشيوعيين السوريين وإما فقدان المصداقية أمام الكوادر والقواعد، وهذه العملية قد بدأت بالوضوح أكثر من أي وقت مضى، أما فيما يخص حزب العمل الشيوعي فإن عملية الحوار معه اصطدمت بعقبات جدية لايمكن تجاوزها، ليس بسببنا، بل تتعلق بجملة من المعايير السياسية والوطنية.
إذا كانت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين ليست حزباً حتى الآن، بل هي مجرد تيار شيوعي واسع، فهي لاشك بأنها مشروع حزب جدي يتكون بالتدريج فكرياً وسياسياً وتنظيمياً بقدر استعادتنا لدورنا الوظيفي، ليس بالتوسع الشكلاني التجميعي، بل بالعمل على الأرض وقرن القول بالفعل، وهذا ما سيفتح الطريق أمام هذا التيار للتوسع الجدي والجديد ضمن قوى المجتمع التي لم تكن يوماً في صفوفنا، عند ذاك فقط سيتوفر الظرف السياسي لاستعادة دورنا الوظيفي وإلغاء الحالة الفصائلية في الحركة الشيوعية السورية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
279