الفساد في البحث العلمي في بعض الجامعات السورية

نام الكثيرون من السادة المدرسين الدكاترة في الجامعات السورية عن البحث العلمي أو التأليف الأكاديمي الضروري للترفيع لمرتبة أستاذ مساعد أو أستاذ وبعضهم حتى للتثبيت...إلخ ملتهين بجمع المزيد من الأموال من التدريس بالتعليم المفتوح والخاص وفي الإعارات للخارج بقصد تأمين السيارة أولاً ثم الشقة ثم مستقبل الأولاد في الجامعة كأبناء دكاترة جامعيين والموبايلات للأبناء...إلخ.

ولكن لما صدر قانون تنظيم الجامعات الجديد لعام 2006 وكذلك لائحته الداخلية وما فيهما من امتيازات متميزة لأستاذ الجامعة وحتى سن السبعين (بعكس الأساتذة البؤساء الذين تقاعدوا على القانون القديم)، وأعطيت فترة انتقالية لمعنيين من المقصرين (بحق مهنتهم الأكاديمية وبالتالي بحق الأجيال الجديدة ولاسيما بحق الوطن الذي درسهم مجاناً على حسابه، وأيضاً بحق أنفسهم ومحاولة تدارك الأمر بتقديم بحوث قديمة/بايتة، بتسخينها على عجل في المايكرويف... لتحسين أوضاعهم الوظيفية المادية خلال الفترة الانتقالية المسموحة، فهب المعنيون بالأمر من غفوتهم الكهفية وراحوا ينبشون ويبحثون في ملفات طلاب دبلوم الدراسات العليا لديهم أو لدى زملائهم عن حلقات بحث ملائمة لهم لمحي اسم الطالب عنها، ووضع اسم الدكتور الباحث محله، ثم طبع البحث على الكمبيوتر ووضع بعض المراجع الخلبية بلغة أجنبية وبعض مواقع الإنترنت (لإظهار الحداثة)، وبالتالي تقديمه كبحث علمي (أصيل!) بأسماه ولاسيما أن بحوث الدبلوم غير منشورة ولا يقدر طالب مقاضاة أستاذه الحرامي العلمي والحالة هذه بتهمة السطو على حق ملكيته الفكرية والحالة هذه، وإذا عرف الطالب صاحب البحث صدفة بالأمر ونادراً ما يعرف فلا يود مقاضاة أستاذه على مادة نجح بها وخاصة إذا كانت لديه) وتجنباً للمشاكل المستقبلية معه. وعند تقديم البحث العلمي الخّبي (والحالة هذه إلى مجلة بحوث الجامعة المحكمة، المفروض أن تتوفر في إدارتها السرية الأكاديمية التامة)، ولكن تحت تأثير العلاقات العامة والمصالح الشخصية المتبادلة تسأل إدارة المجلة الباحث المقرب: لمن تريد أن نرسل لك بحثك من الأصدقاء أو المعاريف للتقييم؟؟ ثم يحملونه بحثه باليد مع كتاب التوجيه المطبوع رسمياً برقم وتاريخ ومكتوب عليه (سري للغاية)، والاستمارة الأكاديمية لإملائها جهاراً نهاراً (وبما يخالف كل قوانين التحكيم والتقييم العلمي في العالم) إلى المقيم الذي اختاره (الباحث بنفسه) ليوقعه له أمامه (مع الموافقة على النشر وبدون قراءة البحث أو تصويب أخطائه)، وإذا كان ولابد فيضع الباحث لنفسه بعض الملاحظات السطحية لذر الرماد في العيون.
ثم يحمل الدكتور الباحث الاستمارة موقعة أصولاً من المحكّم النزيه إلى المجلة لتسجيل التقرير بسجل الوارد برقم وتاريخ ضمن الفترة الانتقالية المسموح فيها بتلحيق الحال، وبالتالي إعطائه وثيقة بالموافقة على نشر البحث في عدد قادم(؟) ليقدمها هو بدوره للمجالس المختصة للإطلاع وإجراء اللازم باقتراح الموافقة الأتوماتيكية والتخجيلية على الترفيع للمرتبة المطلوبة (أستاذ مساعد، أو أستاذ) ثم ليدخل البحث بسيرته الذاتية إلى الأبد كباحث جهبذ.

هذا وإذا تأخر أحد الأساتذة المقيمين بإنجاز التقويم فوراً، فلا يعرف من أين تأتيه تليفونات التوصية، وكل هذا مخالف لأبسط قواعد البحث العلمي وللتحكيم الأكاديمي وأساليب إدارة المجلات المحكمة.
وكل ذلك يذكرنا بتراجيديا الكتاب الجامعي الذي طبع بسرعة على نار حامية في ما سمي بعام الكتاب الجامعي في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، حيث أسرع المدرسون آنذاك لرفع كل ما لديهم من أمالي أو مقصوصات ومنسوخات ومسودات غير ناضجة وغير مكتملة المواصفات العلمية الأكاديمية للطبع ككتاب تدريسي سيلزم بها طلاب الأجيال القادمة حتى ينتهي رصيد النسخ المطبوعة، وكل ذلك مقابل حصول المدرس على الجائزة المجزية آنذاك وبسرعة.
ثم استمرار تلك الكتب الكلاسيكية الستاتيكية تدرس ككتب جامعية مقدسة لا يأتيها الباطل من بين أيديها، ويعاد طبعها عدة مرات بعد نفاذ نسخها إذا كانت تدرس للصفوف الجذعية، وبدون تجديد أو تطوير (رغم أن العلم الذي تجاوزها حتى في عام طبعها قد تطور عشرات المرات وهو يتطور عمودياً بسرعة الليزر)، والمضحك المبكي في الأمر أنه يوضع على غلاف الطبعة الأخيرة عام الطبعة الأخيرة وليس عام تأميم الأملية قبل 26 سنة أو بدون أن يذكر عليها رقم الطبعة الأخيرة.

والأكثر إيلاماً أن مؤلفي هذه الأمالي (الكتب يعتذرون عن تدريسها حالياً ربما خجلاً من الطلاب لما فيها من ضحالة ولبعدها عن المستوى العلمي) الأكاديمي المعاصر، فكيف عما يتطلبه سوق العمل العلمي المعاصر، هذا وإذا لم يسمى ما تقدم فساداً علمياً وأكاديمياً فماذا يمكن أن يسمى؟
ولذلك نطلب من وزارة التعليم العالي الموقرة توقيف كل الترفيعات الخلبية المعنية التي تنجز بحوثها في خلال المرحلة الانتقالية وبسرعة البرق لما هو في الحقيقة بحث فوضوي عشوائي وليس بحث علمي مفيد، وكل ذلك للتهرب من متطلبات الترفيع الجديدة في القانون الجديد، لأنه ليس هكذا تورد الإبل، وليس هكذا يتم البحث العلمي والتطوير الأكاديمي. والسؤال: كيف والحالة هذه يمكن تطوير المجتمع والوطن إلى مستوى العصر الذي نعيش فيه؟
وبالتالي ضرورة مساءلة إدارة أية مجلة بحوث أكاديمية محكمة تفعل ما تقدم وتفشي أسرار التحكيم العلمي الأكاديمي وأسماء المحكمين، وأخذ بعين الاعتبار مصلحة الوطن العامة والأجيال الجديدة أولاً وأخيراً وليس مصلحة الانتهازيين الذين يريدون حمل الألقاب العلمية العالية بدون أية معاناة، وقس على ذلك الفساد في مئات شهادات الدكتوراه المزورة باختصاصات مختلفة تشترى من جامعات خاصة بالخارج ثم يعمل بها في الداخل وكأنها نظامية، وبعد فترة يصبح حاملها محاضراً ثم عضو هيئة تدريسية عن طريق التسلق على سلم العلاقات العامة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
282