د. عمر شابسيغ د. عمر شابسيغ

إلى أين يقودنا فريقنا الاقتصادي؟

أفادتنا الصحافة الرسمية عن جلسة مجلس الوزراء التي ترأسها السيد رئيس الجمهورية في يوم 12/9/2006 بتوجيه السيد رئيس الجمهورية للحكومة بتفعيل العلاقة مع المواطن ولم تكن تلك المرة الأولى لمثل هذا التوجيه ولكن مع الأسف فإن عدد من الوزراء في واد وعلاقته مع المواطن في واد آخر ولا يستمعون إلى هذه التوجيهات. عدد لا يستهان به من الوزراء مغلق بابه أمام الناس ولا يستقبل إلا..... وإن استقبل فهو يجلس مع ضيفه مجلس المعلم مع التلميذ بدل أن يجلس مجلس المستمع لهذا المواطن، وإن جاءه صوت من الصحافة أهمله في أغلب الأحوال وقليلا ما يأتي رد وإن حصل لا يكون شافيا فأين العلاقة مع المواطن؟.

الآن ونحن نتعرض لما نتعرض له من ضغوط من الخارج وبحاجة للتفاعل مع المواطن وهناك حاجة قوية للإصلاح نرى الأمور تسير كما هي.
انتظرت طويلا حتى أكتب هذه المقالة وخصوصا أنني كنت قد قررت منذ صيف العام الماضي الإقلال من الكتابة وإن كانت قد أفادت أحيانا. انتظاري كان لسببين: الأول هو أن أكثر من يقرأ مقالاتي ويحبذها من عامة الجمهور هم مسرورون لقراءاتهم نقدا للحكومة وهذا ليس غرضي. وإذا قلت لهم تعالوا ساهموا بالرد علي وانتقادي أو دعم أفكاري تجدهم قد هربوا. أما السبب الثاني فهو أن أكثر مسؤولي الحكومة لا يحبون النقد ويأخذون مواقف حادة ممن ينتقدهم.
لقد عشت في دول غربية وفي دول شيوعية فلم أسمع مثل هذا التعبير سابقا. سمعت تعبير (اقتصاد سوق) ولكن صفة (اجتماعي) غير موجودة في العالم كله. إذن فهو اختراع سوري. وليعذرني المسؤولون. وإنني أشكر السيد الرئيس بشار الأسد على وضعه النقاط على الحروف في لقائه مع الإعلاميين عندما قالها صراحة حسب ما ذكرته الصحف: إن هناك من يعمل الآن على تحديد مفهوم (اقتصاد السوق الاجتماعي). إذن فهو كما قلت اختراع سوري. ولننظر ما قاله وزير الاقتصاد حسب صحف23/5/2006 بأن ( دور الدولة في اقتصاد السوق الاجتماعي هو التدخل لتوظيف النتائج الإيجابية للعرض والطلب لصالح المجتمع) أنا لم أفهم شيئا من هذا الكلام وعرضته على اقتصاديين فلم يفهموا شيئا. كفانا تجارب في البلد منذ عقود فكلما فشلت تجربة تبدأ تجربة جديدة فأصبحت البلد حقل تجارب فقط لا غير.
سيتم رفع مستوى المعيشة  - سوف نقوم بتحسين ظروف معيشة المواطنين  - سوف.... والسين. ولكن لا أحد منهم يقول كيف ومتى. فأين خطة الحكومة؟ إن ما قامت به الحكومات في السنوات الأخيرة وما تقوم به أدى بنا إلى انخفاض كبير في مستويات معيشة عامة الناس وزيادة الغلاء وارتفاع أسعار البيوت والأراضي وانفجار الفساد حتى عم كل شيء في وقت نحن أحوج ما نكون للصمود الاجتماعي تحت الضغط الخارجي على الوطن، في الوقت الذي يجب أن تتحفز به كل الجهود في الحكومة (والآن دخل مع الحكومة من يسمى برجال الأعمال غير الموجودين أساسا في قطرنا) لتحسين ظروف المعيشة حفاظا على السلم الأهلي. فانخفاض مستوى المعيشة لا يأتي إلا بالخراب.
إن كانوا قد قصدوا من صفة الاجتماعي مع اقتصاد السوق أنهم مع اتجاههم إلى الاقتصاد الرأسمالي أو الاقتصاد الليبرالي أن يدعموا اقتصاديا الشرائح الأفقر في المجتمع (وهي أكثر من نصف السكان) فقد جانبهم الصواب وتكرارهم لصفة (الاجتماعي) التي اخترعوها لتمرير الاقتصاد الليبرالي بأسوأ صوره لم يخدع أحدا.
1 - بدأوا بتجربة إبطال باصات النقل الداخلي للسماح للميكرويات بالعمل بحجة أن تلك الباصات لم تعد صالحة للعمل وإذ بنا نراها قد عادت إلى الشوارع (وعين الله حولها).
2 - منذ العام 1990 بدأ تراجع القطاع العام الصناعي ومؤسسات الخدمات بحجج غير مقبولة وغير معقولة وكان التراجع يتم بمعرفة بعض الموظفين صغارا وكبارا وذلك لصالح إعطاء هذه الخدمات أو المنتجات لبعض المتنفذين من أصحاب المال. وقد كان ولا أريد أن أدخل في التفاصيل.
3 - فجأة أصبحت كل خدمات مستشفيات الدولة التي كانت فيها أجنحة خاصة مدفوعة والباقي مجاني، أصبحت الآن كلها مدفوعة. وكان ذلك مفاجأة لي. إنما المفاجأة الكئيبة التي صدمتني كانت في رؤية يافطة على مدخل الإسعاف في مستشفى الأسد الجامعي مكتوب عليها (الإسعاف مدفوع). في أغنى الدول رأسمالية أو ليبرالية لا يمكن أن يحدث فيها هذا الأمر. (الإسعاف مدفوع؟) هل من ليس معه نقود ويحتاج إلى إسعاف يُرمى في الطريق؟ ألم تعد هناك إنسانية أو رحمة؟ أأصبح المال والمال والمال فقط هو ديدن هذه الحكومات الأخيرة؟ فهل تتفضل الحكومة بطاقمها الاقتصادي والخدمي أن تقول لنا ما الذي يجري وأين تقودوننا؟
4 - في السنة الأخيرة ودون دراسات وافية اجتاحت بعض المسؤولين الحكوميين هواجس الاستثمار العقاري دون الأخذ بعين الاعتبار لأية نواحي تنظيمية أو بيئية وأصبح كل من يأتي لإنشاء ضاحية سكنية فخمة في مكان ما يعطى الموافقة دون وجود مخطط تنظيمي ويبدأ الاستملاك. ولا أدري لماذا الاستملاك؟ هل هو لمصلحة الشعب؟ لا. لماذا لا تترك الشركات تتفاوض مع المالكين؟ وهنا نعود إلى قصة ضرورة إلغاء قانون الاستملاك. وأنا لا أستطيع أن أفهم أن يقوم وزير أو أكثر من ذلك بترأس اجتماعات مزادات عقارية أو عقد مؤتمرات صحفية مع شركات استثمار. وهو أمر ليس من صلب عمله بل هو أمر تنظيمي تقوم به المؤسسات المختصة ولا يليق بعمل وزير أو أكثر من ذلك. فهؤلاء ليسوا أصحاب مكاتب عقارية أو تجار عقارات. نريد لوزرائنا أن تكون لهم هيبة الوزراء.
5 - قبل بيع هذه العقارات كما يحصل الآن في قطنا – يعفور – الصبورة – حوالي صيدنايا – وادي بردى، كان يجب أن تصدر مخططات تنظيمية لإقليم دمشق الكبير هذا. وكان يجب النظر فيما إن كان يمكن لهذا الإقليم أن يستوعب كل هذه المشاريع العقارية. هل وقف أحد هؤلاء الوزراء ليسأل نفسه هذه الأسئلة الحضارية جدا أم كان تخصيص العقارات لهذه المشاريع العملاقة بالكبشة؟ عفوا على هذا التعبير ولكن لم أجد ما أصف به ذلك إلا هذا والأكثر عيبا هو اهتمام الحكومة بهذه المشاريع العقارية ذات الخمس نجوم وكان أحدهم انتقدهم على ذلك مؤخرا فبدأ الكلام عن التفكير (لاحظوا كلمة التفكير) في إقامة مشاريع عقارية لذوي الدخل المحدود. وهنا يحضرني كلام كتبه الدكتور سمير صارم في الاقتصادية حول هذا الموضوع وأنقل عنه (لقد كان بالإمكان التخفيف كثيرا من هذه الأزمة، وعدم إدخال العقار في سوق المضاربات لو تم القيام بإجراءات غير مكلفة، لكن هذه الاجراءات ظلت غائبة حتى يومنا هذا، ومنها:
توفير الأراضي، والحكومات المتعاقبة لم تسع بهذا الاتجاه وكثير من المدن والمناطق بحاجة الى مخططات تنظيمية لم تنجز منذ عقود، ويمكن في حال وضع هذه المخططات أن يتم توفير الأراضي للسكن، فخلقنا إضافة الى أزمة السكن أزمة السكن العشوائي، وما نجم عنه من أزمة اقتصادية واجتماعية وخدمية وبيئية وغيرها!.

- بل إن الاهتمام باستقدام شركات للاستثمار العقاري ساهم برأيي بتفاقم أزمة السكن من خلال شراء هذه الشركات للأراضي المحيطة بالمدن، ما ساهم برفع الأسعار أضعافا مضاعفة يستحيل معها حتى لقطاع خاص يعمل في العقارات أن ينافس شراء الأراضي لمشاريع عمرانية صغيرة أو متوسطة.!
- دعم التعاون السكني.. علما أن الدولة لم توزع الأراضي على الجمعيات السكنية منذ عقود، ولم تدعم التعاون السكني، حتى إنه لا يتم تنفيذ مضمون قانون صادر منذ عام 1958 يحدد فوائد القروض الممنوحة للجمعيات السكنية ب - 3% لكن لا أحد يعمل به وألغته تعليمات وقرارات..! - وهذا يقودنا الى الدور الغائب أو المغيب للمصرف العقاري.
لماذا لا تعتبر الحكومة السكن وظيفة اجتماعية لها الأولوية، فتعمد لدعم القروض الممنوحة لأجله بفوائد ميسرة جدا، لا تتجاوز المصاريف الإدارية؟!.
- إقامة معامل اسمنت ومواد بناء.. ولسنا ندري متى يمكن أن تقلع المعامل الجديدة التي تأخرنا بإقامتها كثيرا بقصد أو من غير قصد، وكيف ستكون أسعارها؟!.
- أليس هناك حل؟!

والحل ليس من عندي، ولا هو من ابتكاري، بل هو حل معمول به في دول عربية ودول أوروبية وأميركية، وقد أثبتت الوقائع أنه الحل الأكثر نجاعة، هذا الحل هو التمويل العقاري باستخدام نظام الرهن أو الضمان العقاري، وهنا أجد مهما وضع تشريع لإحداث شركات تقوم بمهمة التمويل العقاري لتمكين من يريد مسكنا من الحصول على التمويل اللازم لشرائه، ويمكن لهذه الشركات أن تعتمد نظام الشركات المساهمة، بحيث تقوم بإقراض الأفراد الراغبين في الحصول على قروض لشراء مساكن وتوافرت عندهم الشروط اللازمة للحصول على هذه القروض!.
وطبعا لن تكون أنظمة هذه الشركات معقدة وتحتاج الى كفلاء ومعاملات ورقية معقدة كالتي تعتمدها المصارف الحكومية والعقاري تحديدا ، باعتبارها تعتمد على الرهن العقاري، أو بعبارة أخرى فالبيت يبقى مرهونا للمصرف ولا ينقل إلى اسم صاحب القرض إلا بعد تسديد القرض الممنوح له، ويمكن للمصرف العقاري أن يدخل هذا المجال من خلال المساهمة بهذه الشركات، أو حتى بمنح قروض بفوائد قليلة لأجل السكن، اذا كان السكن وظيفة اجتماعية للدولة بالفعل لا بالأقوال..!

معلومات إضافية

العدد رقم:
284