(المسحراتي) بين «التراث» والتسول...

 (المسحراتي) هذا الرجل البسيط أو (الدرويش) الذي كان في سالف الأيام بطل شهر رمضان دون منازع بقلنسوته و(شرواله) وطبلته وصوته الحميم القوي، هناك من يريد الآن، ونحن في الألفية الثالثة، أن يشوه صورته ويحولها إلى مسخ عن تلك الشخصية الساحرة المرتبطة بحكايات الجدات.. لقد مر زمن طويل على تلك الأيام التي كان فيها (المسحراتي) يقوم بمهمة نبيلة يتطلبها المجتمع في شهر الصوم نظراً لحاجة الناس الشديدة إليه..

في زمننا هذا، أصبح هذا الرمز الرائع الذي كان يزين تاريخنا وإرثنا الديني والحضاري بأبهى صورة، رمزاً من نوع آخر..
فهذا العام، وما إن شارف شهر رمضان المبارك على نهايته حتى راحت أعداد لا حصر لها من (المسحراتية)، أو من يدعون ذلك، بطرق أبواب البيوت في مختلف أحياء المدن السورية مطالبين بـ(العيدية)!!
ولاشك أن الباب الواحد سيدقه أكثر من (مسحراتي)، وربما يصل العدد في بعض الأحياء إلى أربعة أو خمسة (مسحراتية)..
هؤلاء (المسحراتية) الذين لم يسخرهم أحد للقيام بـ(مهمة) إيقاظ النائمين ليتسحروا، ولم يجدوا من يقول لهم لا ممنوع ولا مسموح، ليس لهم تسعيرة محددة، أي أنهم يعتمدون المبدأ القديم الجديد (يلّي بيطلع من خاطرك)، لكن الويل لمن لا يقدر جهدهم حق قدره ويمتنع عن الدفع، حتى لو كان مجوسياً أو بوذياً، عندها سيستشيطون غضباً (وخود على كفر)، وبالطبع الناس ستدفع لهم كل حسب إمكانياته وقدرته، إما أ خجلاً أو شفقة، لكن وفي كل الأحوال، لا أحد يدفع لهم عن طيب خاطر، فالكل باتوا يملكون منبهات أو (موبايلات) توقظهم متى يشاؤون، ولم يكن من داع لـ(الطبلة) والأصوات الرخيمة!!
أحد أصدقائي أخبرني أنه شهد (خناقة) حامية الوطيس بين اثنين من هؤلاء استعملت فيها جميع أنواع الأسلحة (الفولكلورية) من عصي وسكاكين، ولولا تدخل بعض المصلحين لسالت الدماء!!
الخلاصة أن شهر رمضان أصبح في السنوات الأخيرة فرصة مثيرة لفتح شهية كل من امتهن النصب والاحتيال والإزعاج والتسول بمختلف أشكاله، أما الجهات المنوط بها حماية الناس من كل أنواع التعدي على راحتهم وحقوقهم يغطون في سبات عميق، ومليون (مسحراتي) من النوع (التراثي) لا يستطيع إيقاظها.. وعلى قول المثل الشعبي: (نومة أهل الكهف إنشاء الله)!!

معلومات إضافية

العدد رقم:
284