حريق أبو قبيس نموذجاً.. الغابات السورية بين الماضي والحاضر.. والحرائق!

حريق تلو حريق يصيب ما تبقى من الغابات والأحراش السورية السائرة نحو الانقراض، حتى صار بوسع بعض المستثمرين الجدد أن يدعوا لإنشاء هيئة تشاركية للسياحة الحرائقية، تجتذب أصنافاً من البشر المشوهين كتشوه اقتصادنا الوطني مما قد يدعم توجه الحكومة السياحي.. أوليست الاستفادة من الكوارث والأزمات استثماراً بعدما أضحت حرائق الغابات ظاهرة دائمة؟ فقد بلغ مجموع الحرائق التي حدثت في سورية خلال السنوات الست الأخيرة نحو ألفي حريق، التهمت مساحة قدرها 5400 هكتار وبمعدل 380 حريقاً في العام بحيث انخفضت مساحة الغابات السورية من 15% إلى 2،5 % خلال ثلاثة عقود.

ولعل حريق أبو قبيس الذي شب ظهر يوم الأحد 282009 واستمر إلى فجر اليوم التالي والتهم نحو ألفي 2000 دونم خلال ساعات، هو نموذج لمعظم الحرائق التي تطال غاباتنا.. فلولا انتفاء أهم مقومات السيطرة على الحرائق المتمثل بالطرقات الترابية الحراجية وقصور المعدات لكان باستطاعة فرق الإطفاء السيطرة السريعة على معظم الحرائق والحد من أضرارها..
ففي أبو قبيس كان بإمكان فرق الإطفاء القضاء على الحريق في مهده، لكن عدم وجود الطرقات الحراجية حال دون وصول آليات الإطفاء إلى المنطقة المنكوبة، وهذا ما أحبط همم العاملين وحال دون الاستفادة من أعدادهم الكبيرة التي فاقت الـ800 مشارك، إذ لم يستطع المساهمة في السيطرة على الحريق سوى عدد قليل منهم لعدم تمكنهم من الوصول إلى مكان الحريق، فاقتصرت مهمتهم على منع اتساع الحريق وانتقاله من السفح المطل على الوادي إلى الجهة المقابلة لقلعة أبو قبيس حيث تعمل البلدوزرات على شق الطرق لمحاصرة النيران المتوحشة، والحقيقة أن معظم فرق الإطفاء المؤازرة من المحافظات الأخرى عادت أدراجها بعدما انتظرت ساعات دون أن تقوم بأي عمل.. وبذلك فإن النيران التي كانت قد اندلعت بالقرب من منازل الأهالي على السفح المطل على وادي أبو قبيس السياحي حيث الأشجار الكثيفة من السنديان والبلوط والصنوبريات، ثم امتدت إلى الجهة المقابلة للقلعة، انتشرت في كل الاتجاهات لتطال بعض البساتين، ولولا الجهود التي بذلها العمال والأهالي لكانت الخسائر أكبر.
ودائماً، وبعد اندلاع أي حريق، يتم تحميل المسؤولية إما إلى وعي المواطنين أو للتضاريس الوعرة أو  للعوامل الجوية من رياح وجفاف وارتفاع درجات الحرارة وانحدار السفوح الجبلية، ولا يوضع المسؤولون عن حماية الغابات أمام مسؤولياتهم.. لا يتم مساءلة أحد عن توفر التجهيزات من آليات إطفاء ونظم إنذار إلكترونية، ولا يُسأل أحد عن شق الطرق الزراعية في الأحراش، ولا يُعرف من المتسبب بالحريق وما هي غايته؟.. فبعد كل حريق يتم تشكيل لجنة لمسح المساحة المحترقة وإحصاء الخسائر، وينتهي أمر اللجنة عند هذا الحد، وتبقى الإجابة عن الأسئلة المحرجة طي الكتمان. وكم كانت الأمور ستتجه إلى غير مقصد فيما لو شُكلت لجنة تقييمية وليست إحصائية، ولكن على ما يبدو أن هذا النمط من التفكير والسلوك الذي أصبح مع تقادم الزمن عرفاً في بلاد أخرى، لا يحظى بمكانة عندنا خشية التداعيات التي ستؤرق الكثيرين فيما لو سارت الأمور بالاتجاه الصحيح..
فلماذا لا تُفعّل هيئة إدارة الكوارث والأزمات، فعلى هذه الجهة وامتداداتها تقع مسؤولية إدارة الكوارث والعمل على الحؤول دون وقوعها أو التخفيف من وطأتها حين تقع من خلال دراسة الأزمات السابقة والاستفادة من الأخطاء أو النجاحات المتحققة (إن وجدت)؟
 
عوائق يجب إزالتها
هناك عدد من العوامل التي تؤدي إلى اندلاع الحرائق واتساعها لتأتي على آلاف الدونمات مما يجعل من الصعب السيطرة عليها، ومنها:

1 –عدم وجود طرقات حراجية وهي من أهم عوامل نجاح مهمة رجال الإطفاء في الوصول إلى مكان الحريق وإخماده.
2 – وجود مخلفات الأشجار من أوراق وأغصان وتراكمها عبر السنين، وقد تصل سماكتها في بعض الأماكن عشرات السنتمترات، وهناك من القوانين الحراجية ما يمنع إزالة هذه المخلفات كونها أسمدة، متجاهلة أنها عند الاشتعال تفعل فعل البنزين .
3 – عدم تقليم وتفريد الأشجار والاستفادة منها.
4 - تخلف منظومة حماية الغابات وعدم توفر طائرات خاصة بإطفاء الحرائق ونظم الإنذار الالكتروني .
ويمكننا أن ندرج عاملاً خامساً، وهو الغياب التام لوزارة البيئة، إن لم نقل للحكومة، وعدم اكتراثها بالغابات وحرائقها وآثارها البيئية والصحية والاجتماعية، بل بآثارها المدمرة على الاقتصاد الوطني ككل.
وفي ظل انتفاء البنية التحتية لمقومات وعناصر إدارة الأزمة، تتحول هذه الهيئة إلى هيئة طفيلية لا عمل لها.
 
وهنا نسأل : من المسؤول عن هذا الخراب؟
أثناء اندلاع حريق (أبو قبيس) كانت فرق الإطفاء شبه مشلولة بسبب عدم وجود الطرق الموصلة إليه، فمن المسؤول عن إيقاف استكمال شق الطريق الذي بدئ العمل به بطول 150 مترا والمنطلق من جهة قرية الكنائس باتجاه قرية الخرائب؟ فلو جرى استكماله مع تفرعاته لتمت السيطرة على الحريق بأقل الخسائر..
 لقد استنفرت وقت الحريق بعض المطاعم  لتقدم أشهى الأطعمة للمسؤولين، واستنفرت الدكاكين وبعض محلات الخضار للغرض نفسه، وبالمقابل نفدت كميات كبيرة من علب السردين التي خصصت للعمال الذين حصل البعض منهم على نصف علبة وحبة بندورة مع رغيف خبز!!..
 
مجرد ملاحظات
من جهة ثانية علمنا أن الجهات القضائية في محافظة حماة أوقفت ثلاثة من أهالي قرية الخرائب المجاورة لموقع الحريق، وهم الآن قيد التحقيق، وسواء كان الحريق مقصودا أم بغير قصد فان ذلك لن يغير في الأمر شيئا ولن يعفي الهيئة العامة لتطوير واستثمار الغاب من مسؤوليتها تجاه ما لحق من أضرار بهذه الغابة الساحرة، وما يلمسه المراقب لأوضاع الحرائق هو أن الغابات التي تطالها الحرائق هي من أجمل الغابات في البلاد، وهذه في الغالب، ليست مصادفة (حريق شطحة الأول، حريق شطحة الثاني، محمية أم الطيور، محمية البسيط، أبو كليفون، أبو قبيس) والكثير غيرها.
الملاحظة الثانية، أن معظم الحرائق تندلع مع نهاية فترة الاستنفار القصوى لمراكز الإطفاء، وإن كان للمقصرين في أداء واجباتهم نصيب كبير في اشتعال الحرائق المتكرر، فأن للمعتدين المتنفذين نصيباً مماثلاً وباعاً طويلاً في هذه الجرائم، فقد سبق واندلع حريق قريب من موقع أبو قبيس منذ سنوات، وهو الآن مشجر بالزيتون بعد أن استولى على أرض الغابة المحروقة ثلاثة من المتنفذين لهم من السطوة والنفوذ المتشعب ما يجعلهم فوق القانون المطوي سبع لفات!! وإن كان هناك من يسأل فدونه أهالي سلحب وتوابعها..
وأخيراً نسأل: إذا كانت تكلفة حريق واحد (شطحة) 250 مليون ل.س، حسب ما ذكره وزير الزراعة عام 2006، فما هي تكلفة ألفي حريق؟
فماذا نريد أكثر للعمل على إيجاد منظومة لمواجهة هذا الخطر وتوفير المال العام للمحافظة على الثروة الحراجية لنا وللأجيال القادمة؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
416