كيف نحفظ حق العمال بأموالهم واستثمارها؟
تناقلت عدة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها الصفحة الرسمية للاتحاد العام لنقابات العمال «صوت عمالي في الجمهورية العربية السورية» خبراً مفاده: «في إطار سعي الاتحاد العام لنقابات العمال في الجمهورية العربية السورية لتطوير منشآته السياحية وتعزيز الاستثمار في قطاع السياحة، شهدت العاصمة السورية دمشق اليوم توقيع مذكرة تفاهم بين الاتحاد العام لنقابات العمال وشركة لو بارك كونكورد السعودية وتهدف المذكرة إلى التعاون المشترك في إعادة تأهيل وتشغيل عدد من المنشآت والمرافق السياحية التابعة للاتحاد، بما يسهم في رفع جودة الخدمات السياحية وتوفير مردود اقتصادي مستدام للطرفين، وأكد الطرفان أن هذه المذكرة تشكل إطاراً مبدئياً للتفاهم، وتخضع جميع المشاريع الناتجة عنها للقوانين والأنظمة السورية النافذة، ويأتي هذا التعاون انطلاقاً من حرص الاتحاد على تعزيز الموارد الاقتصادية وتفعيل الاستثمار الوطني بالشراكة مع جهات عربية ودولية ذات خبرة، بما يعود بالفائدة على العمال والاقتصاد السوري».
لا يختلف اثنان على ضرورة إعادة النظر بجميع الاستثمارات التي يملكها التنظيم النقابي قانوناً وعرفاً سواء كانت تابعة لاتحادات العمال في المحافظات والنقابات أو الاتحاد العام، لما لهذه المراجعة من أهمية بالغة كون أغلب هذه الاستثمارات وقعت عقودها في الغرف المظلمة فالموجود على الورق شيء والاتفاق المار من تحت الطاولة شيء آخر، وطوال السنين الماضية ضاعت إيرادات الاستثمارات ما بين الفاسدين والمتنفذين. وأما فتات الصفقة فكانت تعود لصناديق الاتحادات والنقابات بنسب محددة بالنظام الداخلي ودائماً ما كانت حصة الأسد من هذا الفتات تذهب للاتحاد العام الذي جعل لنفسه بكل عرس قرص كما يقولون. هذا من جانب، ومن الجانب الآخر تعود هذه الضرورة أيضاً لاختلاف المعايير الاستثمارية سواء الإجرائية أو المالية فقيمتها ترتفع كل يوم مع ارتفاع نسب التضخم وسعر الصرف، وانطلاقاً من هذه الضرورة فإن أي قرار يخرج من النقابات أو اتحادات المحافظات أو الاتحاد العام بشأن إعادة تسعير استثماراتها أو فض العقود أو إعادة طرحها للاستثمار محق وصحيح ولكن ضمن شروط أساسية أهمها:
من له الحق في هذا القرار؟ وما الذي يضمن شفافية الاتفاق والعقود وآلية التنفيذ؟ ومصب الريع المالي وكيفية الاستفادة منه لصالح العمال كامل سواء مباشر وغير مباشر.
حقوق ضاعت بالغرف المظلمة
بما أن جميع أملاك وأصول التنظيم النقابي مكتسبات تراكمية جرت من خلال مورد أساسي وهو أموال العمال الناتجة عن الاشتراكات المالية المنصوص عنها قانوناً، فإن جميع الملكيات تعود للعمال وبالتالي لا بد أن يكون موضوعها ومصيرها بيد العمال وحدهم دون غيرهم، وهذا ما تم حرمان العمال منه طوال الحقبة الطويلة الماضية، وما خفف من حدة الضرر الحاصل جراء القرارات الأحادية التي اتخذتها قيادات سابقة هي درجة الممانعة التي بقيت في الهيئات النقابية المتوسطة والقاعدية التي منعت التفريط بأموال العمال عبر الاستثمارات بشكل كامل، وكان لها دور نسبي في الاعتراض عليها فغياب العمال عن قرار كبير بهذا الحجم سيجعل درجة التلاعب أو الخطأ أعلى وأشد ضرراً، لذلك يجب أن يحرص الاتحاد العام على عدم إصدار أي قرار يخص موضوع الاستثمارات دون موافقة أصحاب الشأن وعبر القنوات التنظيمية الناظمة للعمل النقابي، وهذا ما لا يتوفر الآن في ظل الهيكلية التنظيمية للاتحادات وأغلب النقابات وأولها الاتحاد العام كون المكتب التنفيذي الحالي يعتبر هيئة تصريف أعمال مؤقتة إلى أن يتم إجراء انتخابات ديمقراطية من قاعدة الهرم إلى أعلاه. ومن الخطأ اليوم اللجوء لتشكيل أو تعيين لجان للحل والعقد بقرار منه أو التصرف بملفات كبيرة ومهمة كالاستثمارات.
كي يعلم صاحب المال بماله
من الجيد أن يكون ما وقع بين الجانبين مجرد مذكرة تفاهم ومن الجيد أيضاً أن تبقى كذلك حتى يتم ما يجب إتمامه، كي يكون أي قرار أو عقد لاحق قرراً عمالياً بشكل كامل تبت فيه مجالس منتخبة ولجان مشكلة من قبله تتمتع بالكفاءة والنزاهة ونظافة الكف. وهذا ينطبق أيضاً على الأملاك الخاصة للنقابات التي لها كامل الحق في استثمار ممتلكاتها وفق القانون وكذلك عبر لجان لا تشوبها شائبة، فالتنظيم النقابي مجرد مؤتمن على أموال العمال ومكتسباته وتفويضهم له بإدارة هذه الأملاك تفويض مشروط بتحقيق مصلحة العمال ومكتسباتهم المتراكمة عبر عقود من العمل والتعب والبناء، وهذا التفويض ليس موجوداً الآن لأن قناته الأساسية هي الانتخابات النزيهة الديمقراطية، ويتعين على كامل التنظيم النقابي وعلى رأسه الاتحاد العام الاكتفاء بالدراسات والتحقق من استثماراته، وتكوين أكبر قاعدة بيانات وعرضها بشكل علني على العمال عبر وسائل إعلامه ومؤتمراته واجتماعاته ليطلع الجميع عليه، فغالبية أصحاب الملكية اليوم لا علم لهم بما يملكون من استثمارات وملكيات، وبالتالي هم مغيبون عن المشاركة بمعرفة أرزاقهم وممنوعون من أي قرار يخص مصيرها.
الوقاية من التجارب الفاسدة والفاشلة
كي نبتعد عن السياسات السابقة ونتائجها الكارثية في قضية الأملاك العمالية النقابية واستثماراتها يجب على القيادات النقابية الحالية أن تقوم بخطوات أساسية تضمن بها صواب أي قرار وشرعيته القانونية والتنظيمية وأولها إخراج هذا الملف من الخاص إلى العام ومن الظلمات إلى النور، عبر تقديم كامل المعلومات للرأي العام وضمناً إلى العمال النقابيين من خلال خريطة تفصيلية واضحة لكامل أملاك المنظمة المفرزة كمقرات للعمل، أو عقارات للإقامة والاستفادة، أو المعدة للاستثمار، مع تضمين البيانات التي تخص الجهة المالكة أصولاً إن كانت لنقابة بعينها أو لاتحاد محافظة أو لاتحاد عام. وبالنسبة للأملاك المعدة للاستثمار لا بد من إدراج آخر العقود الموقعة ومدتها وشروطها القانونية والقيمة المالية وغيرها، من المعلومات التفصيلية التي تهم أصحاب الحق بها، وكذلك العقارات والمنشآت والمركبات المفرزة للمنظمات أو الأفراد النقابيين. فالشفافية اليوم مهمة إنْ كان هدف التنظيم النقابي مشاركة العمال بالمعلومة وبالتالي بالقرار لاحقاً.
«مالنا مستعجلين»
إن المنظمة اليوم أحوج ما تكون لحصر أموالها وحمايتها واستثمارها أمثل استثمار، وكما أسلفنا فإن ضمانة ذلك تكمن في إعطاء العمال هذا الحق وهذه المسؤولية أيضاً، وإن أي خطوة بهذا الاتجاه مطلوبة وضرورية وإنْ تعذر اليوم القيام به لأسباب قد تكون موضوعية فإن ذلك لا يعني تجاوزها وتجاهل ضرورتها، بل التروي والانكباب على دراسة الواقع بشكل علمي وتفصيلي ومشاركة أصحاب العلاقة، وهذا هين وبسيط، وسيأخذ من الوقت ما هو ملائم مع إعادة الهيكلة التنظيمية بالطرق الديمقراطية. وعندها سيكون أي قرار بهذا الشأن مدروساّ بشكل جيد وبمشاركة الجميع وبقرار جامع وشرعي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1236