نماذج من الاعتداءات على الثروات الوطنية!
إذا كانت الأرقام تشير إلى أن حصيلة الفساد قبل عدة سنوات كانت تصل إلى /40%/ من الدخل القومي، فإن الوقائع الآن تشير إلى تضاعف هذا الرقم، وهذا التضاعف سببه استمرار وجود مافيات منظمة تمارس الانحلال والتفسخ وتجاوز القوانين والأنظمة يومياً دون كلل أو ملل.. وضرر ما يقوم به هؤلاء يتعدى الأضرار المالية، فهو يعد تهديداً خطيراً للأمن الوطني أولاً وأخيراً، خصوصاً وأنه يُمارَس في وضح النهار.. وفيما يلي ثلاثة نماذج تبين ذلك..
النموذج الأول: الاعتداء على المحميات
عام 2003 صدر قرار وزاري رقم /19/ بتنمية جبل البلعاس كمحمية بيئية متعددة الأغراض، مساحتها الإجمالية /34365/ هكتاراً مقسمة إلى ثلاث مناطق، بهدف ما يلي:
1) المحافظة على جبل البلعاس بصفته نظام غابات.
2) حماية الحياة البرية وتدعيمها.
3) حماية الغطاء النباتي من التدهور وإعادته إلى الحياة الطبيعية.
4) إجراء الدراسات والإبحاث العلمية.
5) وقف الاستهلاك المدمر للثروات الطبيعية والبيئية.
6) حماية التربة من الانجراف الريحي والمائي.
7) الإشراف الفني الكامل على أشكال استثمار موارد الجبل كافة بشكل يتناسب مع حماية الغطاء النباتي.
واتخذت الإجراءات التالية في المحميات:
• منع الرعي ودخول الحيوانات غير البرية منعاً باتاً.
• منع فلاحة الأرض أو زراعتها أو حفر الآبار وإلقاء الأتربة..
• منع تشييد الأبنية أو نصب الخيام أو بيوت الشعر.
• منع دخول الآليات أو الأشخاص إلا لأعمال الحماية والعاملين في إدارة المحمية والوزارة، ويسمح للباحثين والدارسين الدخول بهدف إجراء الدراسات والأبحاث بعد موافقة الوزارة ومديرية الحراج..
وقد تم في المحمية الثانية إقامة مجمعات لزراعة النباتات الطبية والرعوية والعطرية والتزيينية، ومواقع لتربية الحيوانات، ومبان لإدارة المحمية والنشاطات الإرشادية والتعليمية والتربية البيئية، بالإضافة للمسيجات الطبيعية لدراسة الغطاء النباتي، ومجمعات وسدود سطحية وخزانات.
وقد اعتبرت محمية البلعاس حسب القانون الوزاري نموذجاً للمحميات العالمية الموجودة في أوروبا وأمريكا وغيرها، وصرفت عليها الحكومة مئات الملايين من الليرات السورية. ولكن ماذا جرى لهذه المحميات؟
اقتحمت الأغنام هذه المحميات، وهي طبعاً مملوكة لأصحاب النفوذ وحماتهم الكبار، وقد رصدت اللجنة البيئية بعد زيارتها لهذه المحميات؛ تدهور واقع الغراس المحرجة صناعياً، والتي أصبحت عارية تماماً من الأوراق والأغصان، وتعرض جزء كبير منها للتكسير. كما لوحظ وجود أكثر من طريق مسدود بالحجارة، وأنه تم قطع الطريق بين بلدة عفيربات وتدمر، وبدا أن المحارس الموجودة في هذه المحميات تعرضت للتخريب من رعاة مسلحين، وقد طال التخريب جميع المنشآت بما فيها مبنى الإدارة الذي أنشئ عام 2005 وبقي مغلقاً دون موظفين.
وتم رصد وتسجيل حدوث إطلاق نار على الدوريات الحراجية، وحوادث ضرب بالحجارة وتهديد بالسلاح، ووصلت الأمور إلى تهديد رئيس المحمية بالقتل.. هكذا يفعل السادة الكبار، في حين يتعرض المربون الصغار إلى ابتزاز بالأعلاف التي يحتكرها أصحاب النفوذ.
النموذج الثاني: الاعتداء على خطوط النفط
هناك اعتداء آخر أشد هولاً، وهو الاعتداء على خطوط النفط، حيث تنشط عصابات متنفّذة في مهاجمة هذه الخطوط (المحمية والمراقبة) واستجرار النفط منها دون أن يوقفها أحد رغم إثارة الموضوع في وسائل الإعلام المختلفة مرات كثيرة.
وقد تحدث في هذا الجانب رئيس نقابة النفط بدمشق حيث قال: نطالب بالسعي لوقف التعديات على خطوط المشتقات النفطية بين حمص والمنطقة الجنوبية، والعمل على حل هذه المشكلة بالسرعة القصوى، علماً أن الخسارة المقدرة من مادة المازوت تبلغ /52.500.000 ل.س/. ومن مادة البنزين تبلغ /11.840.000 ل.س/ في النصف الأول من عام 2008، ومازالت التعديات مستمرة وازدادت مع العام الحالي حتى بلغت /33/ تعدياً، وفي مجلس اتحاد دمشق قبل أسبوع قال رئيس النقابة: لقد طرحت هذا الموضوع أمام رئيس الوزراء وقال سوف نكلف الجيش بالحماية. ولكن لم نر شيئاً على أرض الواقع، ويومياً هناك عشرات الاعتداءات من عصابات مسلحة، ولا أحد قادر السيطرة عليهم..
النموذج الثالث: الاعتداء على الماء
تم تسجيل اعتداءات كثيرة على خطوط المياه القادمة إلى منطقة السلمية من الهرمل لإرواء /200/ ألف إنسان، وتمر هذه الخطوط في أراضٍ زراعية بجانب حمص. ويتم الاعتداء على هذه المياه لسقاية آلاف الدونمات الزراعية لكبار المزارعين والمتنفذين.. وليمت /200/ ألف مواطن عطشاً!.
خسائر النماذج الثلاثة
منذ سنوات والاعتداءات مستمرة دون أية إجراءات من أية جهة وصائية أو مسؤولة. وقد تضاعفت أرقام الخسائر عدة مرات، والاعتداء على أنابيب النفط هو اعتداء على ثروة وطنية، وهنا علينا أن نتصور حجم هذا الفساد الكبير الواقع. ومن جهة المحميات التي كلفت الدولة مئات الملايين، فيبدو أن الحكومة أقامت هذه المحميات لأصحاب النفوذ الذين يملكون عشرات الآلوف من رؤوس الغنم، وإلا كيف نفسر بأن الدولة لا تستطيع حماية هذه المحميات ووقف التعديات؟.. وفي موضوع سرقة مياه الشرب لإرواء الأراضي الزراعية لابد من التساؤل: أليس هذا خطراً وتهديداً لحياة /200/ ألف إنسان من الملاك الكبار؟!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 416