العلاقة الجدلية بين سيادة القانون وسيادة الدولة
يعتبر مصطلح سيادة القانون واحداً من أكثر المصطلحات تكراراً على ألسنة رجال القانون والسياسة والثقافة، وغالباً ما يستخدم هذا المصطلح في معرض الحديث عن وجوب تطبيق القانون على جميع الأفراد والتجمعات داخل الدولة على حد سواء.
ولكن الحقيقة أن لمصطلح سيادة القانون بعداً أكثر عمقاً واتساعاً، لأن عدم احترام سيادة القانون، يعني عدم احترام السلطتين التشريعية والقضائية، وفوق ذلك فإنه مؤشر خطير على عدم استجماع الدولة لكامل عناصرها.
فالمعروف لدى علماء السياسة والقانون الدستوري قيام الدولة على أربعة عناصر أساسية، هي السكان أو الشعب، والإقليم أو الأرض، والحكومة أو التنظيم السياسي، وأخيراً السيادة التي هي العنصر الأساس الذي يحدد وجود الدولة فعلياً أو عدم وجودها، ذلك أنه بامتلاك السيادة تتميز الدولة عن جميع أشكال التجمعات البشرية الأخرى كالأحزاب والطوائف وسواها، فكثيراً ما امتلكت جماعات بشرية عبر التاريخ عنصر السكان، والإقليم، وشكلاً من أشكال التنظيم السياسي، ولكنها لم ترق إلى مستوى الدولة لعدم توافر عنصر السيادة.
وربما يكون تحديد مفهوم السيادة من أكثر المسائل المثيرة للجدل، ولكن الثابت أن السيادة تعني السلطة النهائية للدولة، والتي لا يملك أحد المراجعة فيها. والثابت أيضاً أن للسيادة شقين أساسيين ومترابطين، الأول هو السيادة الخارجية التي تعني استقلال الدولة وعدم خضوعها لغيرها في علاقاتها مع الدول الأخرى، والشق الثاني -وهو ما يعنينا هنا- السيادة الداخلية التي تعني أن على جميع الأفراد والجماعات أن يخضعوا لإرادة الدولة. وهنا بالضبط تبرز سيادة القانون كواحدة من أهم عناصر السيادة، وبالتالي كشرط من شروط استجماع الدولة لعناصرها. فإذا كانت سيادة الدولة الخارجية تتمثل في استقلالها السياسي وعدم خضوعها لسواها من الدول، مع كل من يتطلبه ذلك من عناصر القوة، فإن سيادة الدولة الداخلية تتمثل في خضوع جميع الأفراد والأحزاب والمؤسسات بما في ذلك المؤسسات الرسمية لأوامر السلطة التشريعية، التي تشكل بمجموعها القوانين النافذة المطلقة التي يعاقب على تجاوزها.
وهكذا، فعندما يخترق بعض الأفراد القوانين دون محاسبة، وعندما يتمكن البعض الآخر من استغلال نفوذهم المالي والسياسي لتحقيق مكاسب خارج إطار الشرعية، فإن هذا لا يشكل اعتداءً على القانون فحسب، بل إنه اعتداء مباشر على سيادة الدولة. وعندما تكون السلطة القضائية في الدولة قادرة على تطبيق القوانين على جزء من المواطنين وإلزامهم بها، وغير قادرة على إيقاف تجاوزات البعض الآخر من مواطنيها ومعاقبتهم عند خرق القانون، فإن سيادة الدولة تكون سيادة منقوصة لأنها لا تشمل جميع الأفراد المقيمين على أرضها، تماماً كما هو الأمر عندما يكون جزء من إقليم الدولة خارج سيادتها بسب وجود قوة احتلال تسيطر عليه، وتماماً كما هو الأمر عندما يخضع قرار الدولة السياسي لإرادة دولة أخرى.
إن تحصين سيادة القانون وضمانها على كامل أراضي الدولة، وضمان خضوع جميع المواطنين أفراداً وجماعات لها دون استثناء، هو شرط أساسي لصيانة سيادة الدولة، ولتكامل عناصرها، وبالتالي هو شرط لقوتها ومنعتها وقدرتها على خوض معارك التحرير والبناء.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 415