زهير مشعان زهير مشعان

الكوليرا في منطقة الميادين.. والجهات الرسمية تتكتم!؟

هل أصبحت حياة المواطنين وأرواحهم رخيصة لدى قوى الفساد ومن يدعمها ومن يحميها ليخفوا حقيقة بدء تفشي مرض خطير كالكوليرا!؟ وهل مازال البعض ونحن في زمن ثورة الاتصالات يظن أنه إذا أخفى رأسه كالنعامة، لا يراه أحد!؟
ولماذا التكتم على أمر خطير كانتشار وباء، بدل أن تتم حملة توعية وقائية علنية مترافقة مع حملة العلاج والمكافحة قبل أن تستفحل الأمور!؟
أسئلة نسوقها لمتابعتها وتلافي نتائجها، ولمعرفة المسؤولين عنها ومحاسبتهم، ومعرفة الأسباب الحقيقية وراء ذلك، لأن حياة المواطنين ليست رخيصة كما يسعى الفاسدون أن يجعلوها..

لقد ظهرت قبل 15 يوماً على الأقل عشرات حالات الإسهال في منطقة الميادين، وخاصة في مركز المدينة ومدينة القورية وبلدة صبيخان والقرى المحيطة، وتبين من خلال الفحص المخبري أنها ناتجة عن الإصابة بالكوليرا، وحسب ما ذكر أحد المشاركين بالمتابعة أنه من بين كل 30 عينة توجد على الأقل 20 منها إيجابية التحليل، وهذا يعني أن نسبة الثلثين مصابون، وقد امتلأت مشفى الطب الحديث، والمشفى الوطني بالميادين بالمصابين، وجرى تحويل العديد من الإصابات إلى مشافي دير الزور. وقد انتشرت أخبار الإصابات ووصلت إلى المواطنين بصورة مبالغ بها، مما سبب الذعر بينهم، وبدل أن تتم مصارحتهم بحقيقة الأمر، أوعز كبار المسؤولين في المحافظة والوزارة بالتكتم والسرية. وقد صرح مدير مشفى الطب الحديث لجريدة الفرات يوم الثلاثاء 28 تموز في العدد 1360 أنه لا صحة لما يشاع عن وجود إصابات بالكوليرا، في الوقت الذي كانت مشفاه ممتلئة، بينما أكد مدير الصحة بدير الزور لجريدة الوطن في عدد يوم الأحد 2 آب، وجود 57 إصابة، وتحدث عن بعض التفاصيل كتزويد القورية بمركز طبي متنقل، وكذلك للجريدة الإلكترونية أزورا الفرات.. وممن يتحمل اللوم مدير مشفى الطب الحديث لرضوخه لأوامر الجهات العليا في التعتيم، لأنها تتعلق بحياة المواطنين، والإخفاء هو تستر على الجريمة، وقد نوقش الموضوع في اجتماع فرع أحزاب الجبهة يوم الخميس 30 تموز، وجرى تهوين الأمور!؟
والمشكلة مازالت قائمة رغم التصريحات عن السيطرة، ومازالت هناك أمور تُخفى كوفاة الشاب أسعد الضاحي البالغ من العمر 29 عاماً من بلدة تشرين ( الكشمة) والذي يجري الترويج أنه توفي بجلطة بعد شفائه من الكوليرا!؟

ولعل الأخطر من ذلك هو عدم التطرق لأسباب عودة الكوليرا إلى المنطقة، ولا كيفية معالجتها، رغم تشكيل وزارة الصحة لجنة للمتابعة والمعالجة، وإعداد تقرير يومي لقيادة المحافظة كما صرح مدير الصحة.
وفي الوقت نفسه أكد مدير عام مؤسسة المياه والصرف الصحي بدير الزور على مدراء محطات المياه للمحافظة على نسبة الكلور0،5 ملغ/ليتر، تحت طائلة المحاسبة، وكأن تنقية المياه تقتصر على ذلك، وهذا يكشف أحد أسباب انتشار الكوليرا وهو تلوث المياه الذي نوهنا عنه في قاسيون سابقاً، وهو الذي ما يزال أيضاً أحد أهم أسباب التهاب الكبد الوبائي، بينما اعتبر أحد المسؤولين حين أثرنا هذا الموضوع أن من يتحدث عن تلوث المياه خيانة وطنية. وهنا نتساءل: ماذا نسمي هذا التستر على تلوث مياه الشرب ونهر الفرات والصرف الصحي الذي نفذه المتعهدون والمشرفون عليهم بطرق تفتقد إلى أبسط الشروط الفنية!؟

وننوه أيضاً أن منطقة الميادين ومدينة القورية تشكلان بؤرة منذ السنة الماضية، وقد حدثت فيهما إصابات، وأجريت ثلاثة اختبارات لكل عينة، وبينت النتيجة أنها إيجابية، لكن الوزارة أخذت هذه العينات وأعادت نتائجها بأنها سلبية، وهذا يبين مدى إهمال الوزارة والجهات العليا، وقد أكد بعض العاملين في الصحة الذين كانوا مستنفرين طيلة الصيف الماضي أن الجرثومة تدخل في فترة الشتاء بمرحلة التكيس لمقاومة العوامل الجوية، وتزداد مقاومتها للعلاج بعد ذلك وأنه جرى إهمال جهودهم، وصرف للبعض منهم من الوزارة ربع راتب أي ما بين ألف وألفي ليرة فقط!؟
أما بقية أسباب انتشار الأمراض الوبائية في المنطقة الشرقية عموماً ودير الزور خصوصاً غير التلوث بأشكاله وأنواعه المتعددة، فمن أهمها إهمال المنطقة على مدى أربعين عاماً، وتردي الوضع الاقتصادي المعاشي في السنوات الأخيرة بسبب السياسة الليبرالية التي يتبعها الطاقم الاقتصادي ومن وراءه من التجار ومن يحميه من الفاسدين والفجار، والذي أدى إلى انخفاض القيمة الغذائية والذي يؤثر على صحة المواطنين ومناعتهم، وأن المواطنين عندما سمعوا بانتشار المرض اتجهوا إلى الصيدليات لشراء أدوية السلفا الوقائية على حسابهم رغم وضعهم المادي السيئ، بدل أن توزع عليهم مجاناً، ولم يصدقوا نفي وجوده، بل باتوا لا يصدقون ما يصدر عن الحكومة والمسؤولين الكبار الذين أصبحوا كالراعي الكذاب بالنسبة لهم، وخاصة أن أحاديث تنمية المنطقة الشرقية الوهمية لم يلمسوا من نتائجها واقعياً أي شيء، بل ازداد الوضع سوءاًٍ كتصفية معمل الكونسروة في الميادين، وعدم إقامة المطحنة مكانه، ناهيك عن ازدياد الأمور خطورة مع الظروف البيئية السيئة، وارتفاع الأسعار وارتفاع فواتير الكهرباء والماء، وأن الاهتمام منصب على الشكليات، كمهرجان الفرات للتسوق والسياحة حيث أن استضافة إحدى الفرق لا يقل عن 400 ألف ليرة!؟

وبعد.. فإننا إذ نوجه الشكر لبعض العاملين والصادقين في مديرية الصحة، ونطالب بتكريمهم وتقدير جهودهم، فإننا في الوقت ذاته نطالب بمحاسبة كل من قصر وتستر أو أمر بالتستر، ونطالب بحملة واسعة لمنع تحول انتشار المرض إلى جائحة، ودعم صحة دير الزور بكل ما ينقصها وبكل ما تحتاجه بمثل هذه الحالات، والأهم الذي نود أن نقوله إن المواطنين لا تخفى عليهم أساليب النهب والفساد، ومن لا يعتمد على المواطنين ويهتم بمصالحهم، ويفضل مصالحه الخاصة أو المحافظة على كرسيه، إنما هو يتآمر على كرامة الوطن والمواطن التي تبقى بنظرنا ونظر الشرفاء فوق كل اعتبار.

معلومات إضافية

العدد رقم:
415