بالتأشيرات ينتعش الاقتصاد؟ السوق بارتفاع.. والمواطن يهذي من الأسعار والديون
تعد وزارة الاقتصاد والتجارة رعاياها المواطنين بتخفيضات لاحقة بعد نشرتها التأشيرية الأخيرة التي تضمنت بعض التخفيضات على أسعار المواد الأساسية لكن بما لا يشكل فارقاً مهماً لدى المواطن الذي أنهكته السوق باضطرابها، وفقدان السيطرة على مفاصلها، وفشل الحكومة الفاضح في خلق سوق مستقرة لمواطن متعب، صار يهذي من الأسعار المرعبة والديون التي لا يعوضها جهد.
لوزارة الاقتصاد أيضاً برنامج جدي كما تقول في التفكير بدعم مؤسسات التدخل الايجابي، وكذلك ضبط الأسواق من خلال معاقبة المخالفين، وإحالتهم إلى القضاء..لكن تبقى أسئلة المواطن المشروعة، وفي شكوكه الدائمة بوعود مكررة.
الضبوط..هل تضبط
الضبوط التي سطرتها وزارة الاقتصاد والمديريات التابعة لها في هذه الآونة بالآلاف فيما تواصل السوق تمردها على أسعار يرى أنها تعكس حقيقة ما يعيشه الاقتصاد من فوضى وارتباك.
التجار يتبرمون مما يعتقدون أنه ليس في صالحهم، وخسائرهم تتوالى بسبب الحالة الأمنية والحصار الاقتصادي، وارتفاع الدولار.
الوزارة تتحدث أنها مستمرة ومن خلال جهاز حماية المستهلك في ضبط الأسواق، وتأمين السلع للمواطنين بأسعار مقبولة مقارنة بالمقاييس والمؤشرات التي وصلت إليها خلال الفترة الأخيرة، وأن هذه الضبوط تصاعد عددها مع توالي النشرات التأشيرية، وتضمنت حالات إغلاق محلات وإحالة أشخاص إلى القضاء المختص.
الوزارة تقول إنه تم ضبط الأسعار من خلال هذه الضبوط التي لجمت المخالفين، وأدت إلى التزامهم بأسعار النشرات، وأنها اشتملت على ضبط الكثير من المواد التموينية الفاسدة.
المواطن (لم تخرط مشطه) كما يقول يوسف (آ) هذه الرواية الاقتصادية فالأسعار لم تهبط أبداً، والتجار لا يزالون يمارسون البيع بالأسعار نفسها، ويشكون من خساراتهم.
رضا (خ) يقول: هؤلاء يعيشون على تقارير لا تمت إلى الواقع بصلة، والأسعار التي يعتقدون أنها هبطت لم تهبط بجهودهم فالدولار هبط إلى دون الـ 70 ليرة، ولكن ما لايمكن أن ينكروه أننا لم نعد قادرين على شراء علبة حليب إن وجدناها لأبنائنا.
استقرار الغلاء
المفارقة التي أوردتها النشرة التأشيرية الرابعة هي استقرار أسعار بعض المواد الأساسية باعتبارها إنجازاً، فالزيوت والسمون على سبيل المثال حافظت على أسعارها المرتفعة واستقرت عندها.
تقول النشرة: زيت نباتي محلي (دوار الشمس) 1ليتر 140ليرة كحد أدنى و 145 ليرة كحد أعلى، زيت نباتي محلي (صويا) 1ليتر بسعر 120 ليرة كحد أدنى و130 ليرة كحد أعلى، سمنة نباتية محلية 1كغ بسعر 145 كحد أدنى و150 ليرة كحد أعلى، سمنة نباتية مستوردة 1كغ بسعر 185 ليرة سورية كحد أدنى، و190 ليرة كحد أعلى، سمنة حيوانية بقرية محلية 1كغ بسعر 445 ليرة كحد أدنى و470 ليرة كحد أعلى، سمنة حيوانية بقرية مستوردة 1كغ بسعر 545 ليرة كحد أدنى و595 ليرة كحد أعلى.
أبو مازن (ق) يقول: نشتري الزيت باللتر وهو لا يكفي لإعداد وجبة بطاطا مقلية، ونضطر لاستخدامه أكثر من مرة وكنا في السابق نستطيع شراء العبوات ذات الأربعة لترات كونها أرخص وأوفر، ولكننا الآن بالكاد نشتري لصناعة وجبة واحدة.
منذر(خ): ارتفاع أسعار الزيوت أدى إلى ارتفاع كثير من السلع التي تعتمد في تركيبها وصناعتها على سبيل المثال (الشيبس)، وصولاً إلى وجبة الفقراء السريعة (الفلافل).
السمون الحيوانية يذكرها السوريون من الماضي البعيد، وصارت من ذكرياتها ويسيل لعابهم لطعمها ونكهتها، واليوم الجميع يعتمد على السمون النباتية التي يرون أنها أقل فائدة رغم ما يروج عن عدم ضررها وخلوها من الكوليسترول، ولا تساهم في زيادة الشحوم الثلاثية، ولكن أم خالد تقول إنها ذات نكهة مميزة في الطعام السوري الذي له تقاليده وعاداته.
أزمة حليب الأطفال
شكوى الأهالي تتجاوز أسعار الحليب المجفف لصغارهم في رحلة البحث عنها، ودائماً ما يشكون من عدم توفر أنواع محددة تعطى لسنوات محددة وبأرقام معينة.
أما الأسعار فوصلت إلى أرقام قياسية باتوا عاجزين عن تأمينها في ظل ظروف الضغط المعيشي، والحاجات الأخرى الماسة التي تربك مصروفاته.
النشرة التأشيرية الأخيرة رصدت أسعار الحليب المجفف للأطفال كالتالي:
الحليب المجفف (نيدو) 900غ 545 ليرة للكيس، الحليب المجفف (نيدو) 400غ 245 ليرة للكيس، الحليب المجفف (نيدو) 180غ 110 ليرة للكيس، الحليب المجفف (نيدو) 22غ 15 ليرة للكيس، الحليب المجفف (نيدو) 2000غ 1145 ليرة للكيس، الحليب المجفف (حليبنا) 900غ 445 ليرة للكيس.
البيض داخل وخارج الصالة
لا يمكن وصف ما جاء في النشرة بين خارج الصالة وداخلها فيما يتعلق بسعر البيض، وحيث من الممكن فهم فارق السعر بسبب اختلاف الوزن.
النشرة تحدثت: سعر صحن البيض 1801غ وما فوق 200 ليرة وضمن صالات المؤسسة العامة للخزن والتسويق بـ190 ليرة سورية.
الفارق في الوزن بين السعرين قد يكون غرامات قليلة ولكن على الأرض وفي المحال التجارية تجاوز سعر صحن البيض 260 ليرة سورية، ويتشدق الباعة عن بيضهم عالي الجودة والوزن، وهذا لا يعني عدم الوقوع في شرك نصف الصحن الفاسد.
أما في ملحقاته فالفروج ومشتقاته فالكارثة أكبر.
اللحوم ..وجبة للتفاخر
عندما نسي السوريون اللحم البلدي لأسباب خارجة عن إرادتهم- في أولها ارتفاع أسعاره، ومن جملتها رغبة الحكومة في إطعامها لغيرنا عبر تصديرها للجيران الذين يدفعون بالدولار- أعادوا ابتكار أذواق لاحمة جديدة عبر توليفها على الفروج ومشتقاته.
اليوم ربما سيدفعون ثمناً جديداً لتوليفة الذائقة التي ستؤدي إلى نقص في غذاء أبنائهم وهم الذين لا يستطيعون الآن شراءه كاملاً، فالسوريون اليوم يعتمدون في أغلبيتهم الفقيرة على (الجوانح، الأفخاذ، الدبوس) ومع ذلك فأسعاره لا يحتملونها إذا فاجأهم ضيف من غامض علمه كما يقول متسوق في (الشربيشات).
مسؤولو الوزارة يعيدون ارتفاع أسعار مادة الفروج لأسباب تتعلق بخروج عدد من المربين من دائرة التربية، وخضوع الأفواج التي صدّرت للأسواق مؤخراً لتكاليف باهظة في التدفئة بالإضافة إلى بعض الأسباب التي لم تشرحها واكتفت بالإشارة إليها كعبارة عامة.
أما الأسعار كما أوردتها النشرة: (فروج حي بسعر 155 ليرة للكغالواحد ومذبوح و منظف بلا رأس 1كغ 215 ).
في السوق تتحكم لغة العرض والطلب في السعر وهذا ليس حال الفروج فقط بل حال جميع السلع، ويبقى المواطن مرتهناً لحاجته.
الانخفاض ...يعني الغلاء
بعض المواد التي تحدد الوزارة في نشرتها أنها انخفضت ما زالت ضمن حد الغلاء في ظل عدم السيطرة على السوق بشكل متوازن، وانخفاض دخل المواطن، وتوقف الحكومة في النظر بزيادة الرواتب بسبب الأزمة الخانقة، وانخفاض سعر الليرة قياساً للدولار الذي يتم بواسطته شراء هذه المواد.
النشرة ترى في هذه المواد أنها انخفضت عن حدها الأعظمي الذي وصلت إليه في الشهرين المنصرمين، فكيلو السكر وصل إلى ما دون الـ 100 ليرة بقليل، وكذلك الرز تجاوز الـ 80 ليرة.
المواد التي وردت في النشرة التأشيرية: رز قصير 1كغ بسعر 60 ليرة كحد أدنى، و65 ليرة كحد أعلى، سكر 1كغ بسعر 55 ليرة كحد أدنى و60 ليرة كحد أعلى، البرغل 1كغ بسعر 45 ليرة كحد أدنى و50 ليرة كحد أعلى، الدقيق معبأ 1كغ بسعر 30 ليرة كحد أدنى و35 ليرة كحد أعلى.
والقارئ هنا يدرك مدى دخول هذه المواد في وجبات السوريين اليومية، وحتى في اجتماعهم الأسبوعي إن حصل.
في دعم التدخل الايجابي
مرات عدة حضرت هذه العبارة في محاضر اجتماعات الوزارة ومن هم تحت إمرتها، وكذلك المعنيين في شأننا الاقتصادي، وتبدو كمنقذ للسياسات الفاشلة التي لم تمنع مادة صعدت من العودة إلى سعرها، أو أمنت للمواطن مادة أساسية تتوافق مع دخله دون أن تجد في ذلك مغنماً وانتصاراً.
أحد مسؤولي الوزارة أكد أنها تسعى إلى تأمين كميات كبيرة من السلع والمنتجات التخزينية من خلال استدراج عروض للمواد والسلع دون الحاجة إلى مناقصات وغيرها من الإجراءات التي كانت متبعة سابقاً من مؤسسات التدخل الإيجابي، وذلك من خلال تشكيل لجنة خاصة يقومون باستدراج عروض والشراء بشكل مباشر، وتأمين السلع للمواطنين بالأسعار المناسبة.
وهذا ما يتضمن اعترافاً بأن آليات سابقة كانت معتمدة ومعطلة لتدفق مثل هذه المواد إلى السوق، وبالتالي احتمل المواطن دائماً من جيبه تبعات جمة كان سيدها الروتين، وإعلانات المناقصات، والوقت الذي ثمنه أموال طائلة.
حماية المستهلك..تدينه
لم تفعل حماية المستهلك للمواطن غير تعداد من خالفتهم ومنعتهم من غشه وجلده بالأسعار المرتفعة، وقد تكون أضافت له بعض العبء النفسي باعتبارها جهة من الممكن أن يلجأ لها المواطن عندما يعضه تاجر أو موزع..ولكن المصيبة في أن أكثرهم يرون أنها لم تفعل لهم شيئاً ملموساً سوى التماس الأعذار لتقصيرها وعدم قدرتها على التدخل الفعلي، وعدم قمعها للاحتكار وعلى الأقل أن يجد المواطن فيها شريكأً معه في الأزمات.
مدير حماية المستهلك يقول إن المواطن كان سبباً في خلق الأزمة عندما أقبل على شراء كميات من هذه السلع، وهنا نستغرب أن يتم التعامل مع فزع المواطن على أنه غير مبرر، وكذلك تنسى مديرية حماية المستهلك أن هذه الحالة كانت في أول الأزمة وعند حصول أزمة منفردة تتعلق بمادة واحدة( السكر والغاز) على سبيل المثال، ولكن هل يكدس المواطنون البندورة، والفليفلة، والبقدونس، ومن ثم هل عاد بإمكان المواطن السوري أن يؤمن حاجته اليومية حتى يشتري كميات يخزنّها.. أعتقد أن مدير حماية المستهلك ظن التاجر مواطناً.