ضرورات الإصلاح الإداري الصلاحيات الواسعة بيد فراعنة المؤسسات

في الوقت الذي يجري فيه  الحديث عن الإصلاح الاقتصادي، والقسم الرئيسي فيه الإصلاح الإداري، ضمن مسيرة التطوير والتحديث، وانطلاقاً من خطاب الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب حيث أكد سيادته على أن البعض قد فهم التطوير والتحديث بالمقلوب وأخذه شعاراً وعلماً. نعتقد أننا بحاجة إلى وقفة منطقية وواقعية قد تؤدي إلى حلول ناجعة تجنبنا كوارث من نوع الكارثة الحاضرة المنسية «سد زيزون». تتأكد صوابية النظر إلى المسألة الإصلاحية كعمل متكامل يشمل كل مناحي المجتمع والدولة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية... وخطأ الإصلاح الجزئي في جانب دون آخر.

جرت العادة في تقييم عمل المؤسسات العامة والشركات الإنشائية في إيجابياتها وسلبياتها، انطلاقاً من عمل مدرائها العامين الذي منحوا الصلاحيات الواسعة بموجب المادة 14 من  المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 1974 للمؤسسات العامة والشركات العامة للمنشآت: « يتمتع المدير العام للمؤسسة في حدود القوانين  والأنظمة النافذة بأوسع الصلاحيات في إدارة شؤون المؤسسة العامة ويكون مسؤولاً أمام الوزير بالذات عن حسن سير العمل فيها». وساهمت طريقة التعيين في تكريس تقاليد عمل مفرطة بالمركزية لاتناسب الطبيعة الاقتصادية لتطوير عمل تلك القطاعات، وزاد في سلبيات ذلك عدم وجود مبدأ واضح للمحاسبة، واستمرأت تلك الإدارات الدعم الحكومي المقدم للقطاع العام باعتباره قطاعاً قائداً في المجال الاقتصادي وجيرته لمصالحها الخاصة، وحين طرحت سياسة التطوير والتحديث بدا واضحاً أن نقطة الانطلاق ركزت على الجانب الاقتصادي وطرحت الحكومة مشروعاً بذلك تميز بالعمومية وضبابية آليات التطبيق.

وساهمت الحوارات في تنشيط  الدعوات التغييرية عبر رفع وتيرة الانتقاد لمظاهر الركود الاقتصادي وتراجع أداء القطاعات الاقتصادية في القطاع العام والخاص والمشترك والتعاوني، وتحسست الطبقة البيروقراطية أن مصالحها قد بدأت بالتضرر واهتزت مقومات ديمومتها وقدرتها على التوالد الطبيعي، إن جاز التعبير، أو توارثها التاريخي للمناصب المفتاحية في القرار الاقتصادي وتسربت، تحت شعار الإصلاح الإداري، إدارات جديدة تم تعيينها حديثاً على أمل تلافي سلبيات الإدارات السابقة وإكساب العمل الإداري دماً جديداً يساهم في إعادة إحياء عمل تلك القطاعات الاقتصادية، ولكنها حقيقة مثلت استمراراً للإدارات السابقة حتى أضحى حالنا مع أغلب التعيينات الإدارية كالمستجير من الرمضاء بالنار ليغدو القول الأصح أن البيروقراطية قد جددت شبابها بينما المخلصون يزدادون تهميشاً وإبعاداً عن ساحة القرارات الإدارية والفنية مما غيب الجانب الفني العلمي عن هذه القطاعات.

فالشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية من الشركات الرائدة على مستوى سورية في إنجاز أعمال الدراسات الهندسية والإشراف والتدقيق للمشاريع الحيوية الهامة، فإدارتها الجديدة تم تعيينها، بالرغم من ماضيها الوظيفي الذي قيمته بالسلبية بعض الجهات العلمية والفنية الموثوقة، كرئيس جامعة البعث السابقة وتم على أساس هذا التقييم استبعاده من إدارة مجموعة إشراف مشاريع جامعة البعث بمعرفة المدير العام السابق للشركة وهذا ما أشارت إليه بعض الصحف السورية (صحيفة «النور» وصحيفة «قاسيون») بمقالات متفرقة ومتعددة فيها تفاصيل كل ذلك ولكن يبدو أن لا أحد يعتبر، لكل ذلك، أي وزن حتى يغدو التساؤل مشروعاً:

هل الرأي الآخر يعني عملياً أنتم تقولون ما تريدون ونحن نفعل ما نريد؟!

وبالإضافة إلى الصحف السورية تم في العديد من اللقاءات (الجبهوية ـ ومؤتمر نقابة المهندسين) وبحضور بعض أعضاء القيادة القطرية، التطرق بشكل واضح وصريح وبالأسماء والوقائع والإثباتات لكل ما ذكر أعلاه، ولم يحرك أحد ساكناً حتى الآن.

ونورد هنا بعض الحقائق التي توفرت لدينا وثائقها ولم تتناولها الصحف سابقاً بالتفصيل ومنها:

بيان مقدم من وحدة العمران الهندسية إلى إحدى الشركات الخاصة يعكس  مدى التداخل بين المصالح الخاصة وسوء استخدام المصلحة العامة بقوة (الصلاحيات الواسعة) للمنصب الإداري، فلدى مراجعة ممثل شركة السامر للمقاولات للإدارة بخصوص تكليف شركة الدراسات و الاستشارات الفنية لإنجاز عمل في مصفاة بانياس. وجهت الإدارة ممثل شركة السامر للمقاولات إلى أنها على استعداد لتنفيذ هذا العمل خارج إطار الشركة من خلال الوحدات الهندسية وعليه تم تقديم بيان من وحدة العمران الهندسية كون مدير الوحدة بحالة عقد خبرة جزئي لدى الشركة (مرفق نسخة عن العرض المقدم).

علماً بأن الأسماء الواردة فيه أصبحت في مراكز إدارية لدى الشركة أو بعقود مقاولة ومنهم: المدير العام الحالي والذي كان مديراً لفرع الشركة بحمص ومدير فرع شركة الدراسات والاستشارات الفنية بحمص حالياً ورئيس وحدة العمران الهندسية والذي تم تعيينه بالأمر الإداري رقم 126 /أ تاريخ  /8/2002 مديراً لمكتب دراسات وإشراف مشاريع جامعة البعث وهو لايزال على ملاك الجامعة وخاضع لقانون التفرغ الجامعي ليكون وسيطاً بين الشركة والوحدات الهندسية، حيث تم التعاقد لاحقاً مع وحدة هندسية لدراسة أولية لمشروع كلية البتروكيمياء بقيمة مالية 850000 ل.س ويتم العمل حالياً للتعاقد مع وحدة هندسية لدراسة أولية لمشروع مشفى الجامعة، وعموماً هذه العقود غير نظامية ولم يتم أخذ موافقة الجهات المختصة مسبقاً لإبرامها مع العلم أن الجامعة متعاقدة أساساً مع شركة الدراسات والاستشارات الفنية لإنجاز الدراسة لتلك المشاريع وبالرغم من توفر الكادر الهندسي والفني في الشركة القادر على إنجازها.

كما أننا نشير إلى كتاب وزارة الإنشاء والتعمير رقم 392 تاريخ 10/3/2003 الذي يشير صراحة في رده على كتاب الشركة رقم 662/ص تاريخ 2/3/2003 بعدم التمديد لمن بلغ السن القانوني ولكن الواقع يشير إلى التمييز بين من تنطبق عليهم هذه الحالة حيث تم التمديد للبعض دون الآخر بموجب عقد مقاولة لمدة محددة ولعمل محدد وبأجر محدد مثل معاون المدير العام السابق ورفضت باقي الطلبات.

كما أننا نريد أن نشير إلى أن الحديث عن زيادة إنتاجية الشركة في عام 2002 بنسبة 27 % أمر طبيعي نظراً لتطبيق زيادات أسعار على العقود بنسبة 27.5 % صرفت خلال عام 2002 عن أشهر سابقة كما أن حجم الديون المترتبة على الشركة للغير قفز خلال الربع الأول 2003 فقط من  574 مليون إلى 756 أي بزيادة 182 مليون مما يشير إلى عدم دقة الأرقام المالية في التقارير الريعية للشركة.

وأخيراً هل يمكن الركون إلى الأرقام المالية لتقييم نجاح أو فشل القطاع الاقتصادي بالرغم من عدم دقة الأرقام المالية، كما أوضحنا سابقاً؟ ومتى سيتم إقرار قانون للإصلاح الإداري يتم بموجبه تشكيل مجالس إدارة للشركات يكون فيها المدير العام مديراً تنفيذياً مسؤولاً أمام مجلس الإدارة الذي يدير عمل هذه الشركات بعقلية المؤسسة الجماعية، والتي تتعارض مع مبدأ الصلاحيات الواسعة للمدراء العامين.

 

نأمل ألا يطول انتظارنا تجنباً  لكوارث جديدة.