الطلاب.. وأزمة «البكالوريا»


■ البكالوريا، عطلت حياتي لثلاث سنوات.

■ أكثر من 65% من مجموع علامات المواد في البكالوريا العلمية، يعتمد على (البصم)


■ هنالك مالايمكن استيعابه، ومايستحيل على الطالب حفظه

■ أسس جديدة، في قبول الطلاب للمعاهد والجامعات

■ مجموع الطالب في الثانوية، أصبح فقط إحدى مفردات القبول

■ المناهج الدراسية مناهج رديئة، وغير مواكبة، والدليل أنني أدرس  المناهج نفسها

منذ خمسة عشر عاماً

■ هل رأيتم حيواناً يرتدي ثياباً؟!..

■ ثمانية وثمانون ألف طالب موزعون على 645 مركزاً امتحانياً

بأربع قفزات خاطفة صعدنا الدرج المفضي إلى غرفة يزن، ولأنه مستعجل كما أبدى لنا، بات يتحرك في الغرفة سريعاً ويحاول لملمة الكتب والأوراق المبعثرة في زوايا الغرفة وهو يقول:«بشرفك موعيب، شب عمره 21 سنة، وبعدو بكالوريا»

في غرفة يزن، لم نجد فقط كتب التاريخ والجغرافيا والفلسفة، وبقية مواد منهاجه، بل هنالك أيضاً مايدل على جزء آخر من شخصية هذا الشاب، طالما حاولت أشهر الامتحانات الطويلة أن تكبته أو حتى تلغيه:

■ «منذ ثلاث سنوات، وأنا أعيد البكالوريا، درستها مرتين علمي، والآن أحاول أن أقدمها أدبي.. هذه البكالوريا، وضعت حياتي في الثلاجة لمدة ثلاث سنوات، والله أعلم ما النتيجة التي سأنالها هذه المرة! منذ يومين جردت كتب المنهج العلمي فتوصلت إلى اكتشاف رائع:

■ تخيل يا أخي أن أكثرمن 65% من مجموع علامات  المواد في البكالوريا العلمية تعتمد على (البصم)… أي أنني ضيعت سنتين من عمري على الحفظ دون أن يخطر ببالي أن أقدم على الفرع الأدبي…

■ السنة فقط ونتيجة ليأسي من نيل الشهادة العلمية فكرت في أن أدرس الفرع الأدبي

■ أنظر ياأخي، تخيل أنك تحرم من سماع الموسيقى لثلاث سنوات، تحرم من الرقص لثلاث سنوات، تحرم من الضحك لثلاث سنوات، والأهم أنك تعطل مشروعك الشخصي لثلاث سنوات.

■ لم أفهم لماذا لم أستطع تجاوز عقدة البكالوريا، هل لأنهاعقدة فعلاً؟! انظر إلى مكتبتي، فيها كتب لتشيخوف، ولأراغون ولبريخت، ولبلزاك، ولشكسبير، ولدي أسطوانات موسيقى  تنتظرمني أن أسمعها، وهي جميعاً معطلة منذ ثلاث سنوات…»

■ يزن يقول إن البكالوريا مشكلة، ليست لأن هنالك من يطلب منك أن تحفظ دون أن تستوعب ما تحفظ، بل لأن هناك مالايمكن استيعابه، وما يستحيل على الطالب حفظه..

■ «ثم ماذا يعني أن يقسموا منها جنساً إلى علمي، وأدبي، وأن يعتبروا الفلسفة مادة أدبية في حين هنالك مواد كالثقافة والعلوم والقومية، قوامها الحفظ فقط؟!….»

■ وحين سألناه عن الأسس الجديدة التي سيتم قبول الطلاب في الجامعات بناء عليها، لهذا العام الدراسي، قال لنا أنه لايعرف عن هذه الأسس شيئاً .. ولايريد أن يعرف شيئاً…

السياسة الجديدة: تثقيل المواد

■ وزارة التعليم العالي، كانت قد اعتمدت للعام القادم، أسلوباً جديداً، فمن سياستها في قبول الطلاب الحاصلين على الشهادة الثانوية في الجامعات والمعاهد، حيث وكما أوضحت الوزارة ستكون الشهادة الثانوية، هي المحور الرئيسي، إضافة  إلى بنود أخرى اعتمدتها الوزارة.

والجديد في القرار، هو مااصطلح على تسميته بتثقيل المواد، أي أن مجموع الطالب في الشهادة الثانوية اصبح إحدى مفردات القبول، ويضاف إليه درجات الطالب في مواد معينة، وذلك حسب الكلية التي يرغب الطالب في الدخول إليها والدراسة فيها.

فمثلاً، للدخول إلى كلية الطب، يحسب مجموع علامات الطالب ويتم تثقيل علامات اللغة الأجنبية والفيزياء والعلوم والرياضيات، وتجري المفاضلة على هذا الأساس.

وتعد مادة اللغة الأجنبية، هي المادة المشتركة بين جميع  المواد التي يتم تثقيلها بناء على هذا القانون الجديد. ويختلف مقدار هذا التثقيل من كلية لأخرى، ففي بعض الكليات، يتم تثقيل المادة مرتين وفي بعضها مرة واحدة وفق ماقدرت الوزارة طبيعة الكلية وموضوعات الدراسة فيها…

وقد حددت الوزارة نسب توزيع مقاعد الكليات، على طلاب الفرعين العلمي والأدبي، أي حددت حصة كل فرع من هذين الفرعين، في مقاعد كل كلية.

■■ صالح الناصر (مدرس لغة عربية)، علق على هذا القرار قائلاً:

■ «كما هي العادة لم تنظر الوزارة إلى مشكلة الطلاب من الناحية الجوهرية، ولم تبذل جهداً في حل المشكلة من جذورها..

الأزمة التي يعيشهاالطالب، لاتبدأ فقط عند حصوله على هذه الشهادة ودخوله إلى أحد الفروع، الأزمة الحقيقية هي كيف سيحصل هذا الطالب على هذه الشهادة، فواقع التعليم في بلدنا يتردى، لاحاجة لأن تقول أن المعلمين يعتمدون بشكل رئيسي على الدروس الخصوصية، والمعاهد الخاصة، ولايكيلون للمدارس الرسمية أي اعتبار نتيجة لسوء وضعهم المعيشي وهذه هي أول مسببات أزمة الطالب.

■ النقطة الثانية، هي أن المناهج الدراسية الرديئة أيضاً، وأنا أسميها رديئة لسبب بسيط، وهو أنني أدرسها منذ خمسة عشر عاماً دون أن يحصل عليها أي تغيير أو تعديل باستثناء بعض التعديلات الشكلية….

فالمناهج في مدارسنا غير مواكبة لمجريات مايحدث في العالم، بل غير مواكبة لمناهج الدول  النامية الأخرى التي استطاعت أن تحقق قفزات افضل منا على هذا الصعيد… خذ مثلاً منهاج التاريخ الحديث والمعاصر، في هذين العامين فقط، حصلت تغييرات جذرية ومفصلية في التاريخ المعاصر، وبالرغم من ذلك، مازالت مناهجنا تتعامل مع الطالب على ضوء معلومات محنطة لاتمس هذا الطالب ولاتعنيه.

بكالوريا على الأنترنيت

إثر موجة الأنترنيت التي اجتاحت الشباب في بلدنا، وبخاصة الطلاب منهم، افتتحت مواقع سورية على الشبكة العالمية، لتدريس طلاب الشهادة الثانوية والإجابة على أسئلتهم، وهي مواقع خدمية بالدرجة الأولى، إلا أن بعض النقاشات التي تدور في منصات حوارها، تتطرق لواقع الطلاب السوريين، وهي في كثيرمن الأحيان، تعبر عن أغلبهم، فأحدهم مثلاً  على أحد المواقع، وقد سمى نفسه (مسكين)، بعث رسالة إلى موقعه المفضل يقول فيها:

■ «أستاذ اللغة العربية في مدرستنا، يقول لنا أن من الحرام أن نشبه المرأة بالغزال، لأن الغزال عار، ولايجوز أن نشبه المرأة بحيوان لايرتدي الثياب!! بالله عليكم، هل رأيتم في حياتكم حيواناً قد ارتدى ثياباُ؟!».

■ والرد المتوقع من الواقع نفسه أجاب على سؤال الطالب (مسكين) بجواب سريع:

«نعم، أستاذك العربي!».

ألف مبروك:

■ موقع آخر تضمن تحليلاً زمنياً أرسله طالب سمى نفسه (البشيري)، وقد عنون رسالته بالسؤال المعهود:

(لماذا يرسب الطالب في امتحان البكالوريا؟)

■ البشيري يقول في رسالته:

«ليس ذنب الطالب إذا ما رسب في امتحان البكالوريا، وذلك لأن هنالك 365 يوماً في السنة فقط..

وهانحن نقدم لكم تفصيلاً عن الحياة اليومية للطالب..

■ أيام الجمعات، 52 جمعة في السنة حيث يبقى من السنة 313 يوماً.

■ العطلة الصيفية 50 يوماً وبالتالي يبقى 263 يوماً.

■  ثماني ساعات نوم يومياً (بالميتة) وهذا ما يساوي 122 يوم فيبقى فقط 141 يوماً.

■ ساعة واحدة للرياضة يومياً (مفيدة للصحة) مما يعني 15 يوماً إضافياً، فيبيقى 126 يوماً.

■ ساعة يومية للكلام والتحدث (فالإنسان اجتماعي بطبعه) وبذلك نضيف 15 يوماً، فيبقى 81 يوماً…

■ العطل النصفية والربعية وأيام الأعياد الدينية والوطنية والإنسانية والقومية تعادل أربعين يوماً، يبقى 41 يوماً…

■ أيام الامتحانات في السنة، على الأقل 35 يوماً، يبقى بذلك ستة أيام

■ أيام المرض السنوية على الأقل ثلاثة أيام فيبقى ثلاثة أيام.

■ متابعة الأفلام، وبقية الفعاليات الترفيهية (بدنا نعيش حياتنا) على أقل تقدير يومين، بقي….  يوم واحد!!

وهذا اليوم هو بالضبط يوم عيد ميلادك.. ألف مبروك!!!..»

يد واحدة لاتصفق

الطلاب المسجلون في مدينة دمشق، خلال دورة هذا العام، والتي ستبدأ بعد أيام قليلة، بلغ عددهم قرابة الثمانية وثمانين الف طالب وطالبة، من كافة الفروع العلمية والأدبية والمهنية والتجارية، وأولئك الطلاب، قد تم توزيع اسمائهم مسبقاً على 645 مركزاً امتحانياً في كافة أنحاء المحافظة، وقد أكدت وزارة التربية  عبر الصحف الرسمية، أنها ستلتزم تأمين كل مستلزمات العملية الامتحانية، قبل حلولها بفترة مناسبة، معترفة ببعض الأخطاء التي كانت تحدث في الأعوام السابقة، والمتعلقة بسوء توزيع المراكز الامتحانية. إلا أن الإجراءات البيروقراطية في عمل الوزارة مازالت، تقف عائقاً أمام مصير الآلاف من الطلاب، المسجلين، وأحدهم ويدعى (علي ج ـ 19 سنة) يقول لنا:

«أهلي كانوا يقطنون في محافظة دير الزور، وقد كنت قدمت أوراقي إلى مديرية المحافظة، لأقدم الامتحان في إحدى مراكزها، إلا أن ظرفاً طارئاً حمل أهلي على الانتقال إلى دمشق، ومازالت أوراقي هناك في الدير، وقد حاولت مراراً وتكراراً أن أنقل أوراقي إلى دمشق إلا أن مديرية الامتحانات أوضحت لي أن النقل ممنوع ولاأدري ماذا أفعل، لن أستطيع تقديم الامتحان في دير الزور لأن ذلك سيكلفني استئجار منزل لمدة شهر، والاعتناء بنفسي خلال مدة الامتحانات بينما أهلي بعيدون عني مسافة طويلة، علماً أن نقل الأوراق لن يكلف الامتحانات شيئاً، وربما سيجبرني على أن أعيد السنة مرة أخرى، دون سبب مقنع، وأنا الآن أحاول الحصول على استثناء من الوزير، عله يرأف بحالتي»..

■ والد علي يستغرب أن تحتاج قضية بهذا الصغر إلى وزير في حكومة كي يعالجها، فهنالك المئات من المشكلات الصغيرة والتفصيلية والتي يمكن حلها بتوقيع موظف الامتحانات، بدلاً من توقيع وزير التربية، طالما أن ذلك يوفر وقتاً وجهداً على الطالب ويحميه من السقوط في هاوية الرسوب.

■ أبو علي يقول لنا: أن يداً واحدة لاتصفق، فليس من الكافي أن يقوم الطلاب بواجبهم الدراسي، بينما الإجراءات والقوانين والمناهج وأساليب التدريس، جميعاً تقف في وجههم..

أبو علي وعدنا أنه سيكون غداً، على باب السيد الوزير….

■ المحرر