رفع الدعم عن المازوت.. التفاف على الدستور
يعد الدعم الحكومي للمواد الاستهلاكية والمحروقات ركناً ثابتاً من أركان السياسة الاقتصادية في البلاد منذ عقود طويلة، ومعلماً أساسياً في علاقة السلطة بالمجتمع في سورية. وقد كان هذا الدعم ضرورة من ضرورات النهج الاشتراكي الذي يقتضي تحصين الوضع المعاشي للمواطنين، وضمان عدم ارتهان أساسيات حياتهم لآليات السوق وتقلبات أسعار المواد الاستهلاكية وفق قوانينه.
ولكن يبدو أن هناك نية مبيتة لدى الحكومة الحالية لرفع الدعم الحكومي نهائياً، ويمكن استشراف هذه النية من خلال تكرار الحكومة على ألسنة العديد من رموزها ومنظريها لمقولة أن الدعم يكلف خزينة الدولة مبالغ كبيرة، ويعرقل عملية التنمية والإصلاح. ويمكن استشرافها أيضاً من خلال التأخير والمراوغة في إقرار آلية لدعم المازوت، مما يوحي بأن الحكومة في نيتها عدم دعم المازوت، وترك المواطنين عرضة لبرد الشتاء.
إذا كان في نية هذه الحكومة عدم إقرار آلية لدعم المازوت، كجزء من مخطط شامل لإنهاء الدعم الحكومي، فإنها ستضع أغلب المواطنين في مأزق حقيقي لجهة عدم كفاية دخول أغلبهم لتأمين دفء الشتاء، مما قد يدفع قسماً منهم إلى سلوك طرق غير شرعية لتأمين هذا المطلب الأساسي من متطلبات حياتهم، وهذا سيعرض الاستقرار الاجتماعي لخطر تتحمل الحكومة المسؤولية الأدبية عنه في حال حدوثه. ولكن قبل ذلك، ستكون هذه الحكومة قد ارتكبت خرقاً قانونياً ودستورياً خطيراً. ذلك أن نصوص الدستور التي قررت اشتراكية الاقتصاد في سورية، ومعها مقررات وتوجهات القيادة السياسية، تعتبر في بلدنا وظروفنا المرجعية الحقوقية لسياسة الدعم الحكومي التي تعد حتى اللحظة ملزمة لهذه الحكومة، ولأي حكومة سورية في ظل الدستور الحالي. وقد أكد المؤتمر العاشر على الاستمرار في سياسة الدعم الحكومي، وأكد على ضرورة إعادة إيصال الدعم إلى مستحقيه، تاركاً للحكومة اختيار الآلية اللازمة لهذه العملية.
وبصرف النظر عن مدى سلامة تقسيم المواطنين إلى مستحقين وغير مستحقين للدعم، فإن هذا الارتباك والتأخير والفشل في عملية توزيع الدعم، يشير إلى أحد أمرين. فإما أن هذه الحكومة تفتقر إلى الكفاءة والقدرة على إدارة البلاد اقتصادياً، مما يوجب محاسبتها على تقصيرها شعبياً وحزبياً وفق الآليات الدستورية. وإما أنها تتجه إلى إلغاء الدعم نهائياً، وهذا مخالفة للدستور وأدبياته، ولحزب البعث وتوجهاته المعلنة، مما يعرض جميع قراراتها المتخذة في هذا الاتجاه للبطلان بالمعنى القانوني، ويفقدها الشرعية الدستورية والشعبية، ذلك أن إي قانون يقرّ، وأي قرار يتخذ خلافاً لنصوص الدستور، يعد بحكم المعدوم، ولا ينتج أية آثار قانونية.
إن الاتجاه العام الذي تسلكه الحكومة في لبرلة الاقتصاد، وتصفية الاشتراكية في البلاد، يعد التفافاً على الدستور، وخروجاً على المشروعية. وليست عرقلة توزيع الدعم، والتنظير لتصفيته إلا مظهراً من مظاهر هذا الاتجاه، ونتيجة من نتائجه. وإذا لم تقر آلية عادلة لتوزيع دعم المازوت على «مستحقيه» على وجه السرعة، فإننا سنكون بصدد حلقة جديدة من حلقات المسلسل الحكومي الطويل في تجاهل حاجات المجتمع السوري ومطالبه، وفي تجاهل الدستور ومبادئه. وإن المطلوب اليوم من جميع المؤسسات التشريعية والقضائية، ومن جميع القيمين على تنفيذ القانون وصيانة الدستور، أن يقفوا وقفة جدية في مواجهة هذه السياسات، لأن الاستمرار فيها يخرب الأمن الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، ويشوه المفاهيم الحقوقية في وعي المجتمع.