واقع الرغيف في مدينة القامشلي

يبدو أن معاناة أبناء القامشلي مع رغيف الخبز قد أصبحت «معضلة» عصية على الحل، فعلى الرغم من أن منطقة الجزيرة، بعامة والقامشلي بخاصة مصدر رئيس لأفضل وأجود أنواع الحبوب في سورية، إلا أن ما نلاحظه هو أن رغيف الخبز في مدينة القامشلي يعد من أسوأ أنواع الرغيف ليس في سورية، فحسب، بل يمكن القول: عالمياً أيضاً.

ولعلي أقول مثل هذا الكلام هنا ـ وبثقة ـ وبعيداً عن ضروب المجازفة، والمزاج، خصوصاً أنه سبق لي أن كتبت منذ حوالي عشرين عاماً ريبورتاجاً صحفياً في صحيفة تشرين السورية، بخصوص الموضوع نفسه، ويبدو أن الأمور في هذا المجال كتب عليها ألا تتغير..

ولعل إحساس ابن القامشلي برداءة رغيف الخبز تبلغ أوجها، عندما يذهب إلى أية محافظة من المحافظات السورية، ويرى بأم عينه ذلك البون الشاسع بين رغيف مدينة لا تنتج الحبوب وهو في أفضل حال ومدينة تنتج الحبوب المتميزة، و رغيفها في منتهى الرداءة، ولا أدري أيمكن لرغيف يدخل عبر امتيازه بكل مواصفات الرداءة «سجل غينس» لتحطيم الأرقام.

وإزاء هذا الواقع، تم تقديم عرائض كثيرة للمسؤولين في الدولة من قبل الإخوة المواطنين، وأشير إلى هذا الأمر عبر مقالات ووقفات صحافية كثيرة، بيد أن الخبز بقي على حاله، وكأنه قدر محتوم على أبناء هذه المنطقة.

أزمة الرغيف!

إذا كان عدد سكان مدينة القامشلي يقدر بحوالي 300 ألف نسمة، وإن هذه المدينة تعتبر إحدى أكبر المناطق في سورية، رغم أن عمرها لا يزيد عن ثمانين عاماً، على اعتبار أن هناك معمرين لا يزالون أحياء شهدوا بناء البيوت الأولى فيها.

ويمكن القول، أن هذه المدينة الآن فيها حوالي 64 مخبزأ للقطاع الخاص، مقابل مخبزين للقطاع العام، هما: مخبز البعث ومخبز تشرين، حيث تأسس مخبز البعث عام 1975، ومخبز تشرين تأسس في عام 1985، وللمفارقة الطريفة فقط، أن مخبز البعث شيد على قطعة أرض كانت مخصصة من قبل للسيرك ـ وأن مخبز تشرين بني على أرض كان يسكنها الغجر.

وأن مخبز البعث يعمل بخطي إ نتاج، الطاقة النظرية لكل منهما ـ ثمانية أطنان وبمجموع (16) طناً ـ وأن مخبز تشرين يعمل على أربعة خطوط وطاقته النظرية 32 طناً.

ورغم وجود كل هذه الأفران، فإنه توجد أزمة كبيرة للحصول على الخبز في فترة الصباح والظهر، وبصراحة أن الأزمة في السنوات الماضية كانت مستمرة، بيد أنها في السنتين الأخيرتين بدأت هذه الأزمة تخف، ولكننا في أحايين كثيرة نجد طوابير الأخوة المواطنين أمام الأفران، وعلى عكس أية مدينة سورية أخرى، ناهيك عن وجود أوقات محددة تزداد فيها هذه الأزمة مابين الساعة الثالثة والثامنة مساء. موعد توقف المخبزين الآليين عن الإنتاج بغرض الصيانة..

مخبز تشرين ـ (مخبز الحي الشرقي):

لقد توجهت «قاسيون» إلى هذا المخبز في أول صباح يوم العاصفة الثلجية، والتقطنا عدداً من الصور للأخوة المواطنين المتجمهرين أمام هذا المخبز، لنعلم بأن إدارة المخبز، قد أوعزت باستمرارية العمل في هذا اليوم، رغم وجود عطلة للعاملين في اليوم نفسه، كما أنها استمرت في اليوم الثاني في العمل بشكل متواصل لسد الحاجة إلى الرغيف، بعد أن أدركت إغلاق أفران المدينة بسبب انقطاع الماء والكهرباء، محافظة على جودة الرغيف، وقد أنتجت خلال 24 ساعة  حوالي 70 طناً، وهذه نقطة مضيئة تسجل لهذا المخبز.

وتساءل المواطنون: لماذا هذا الفرق الكبير بين نوعية الرغيف في مخبزي المدينة، مادام مخبز تشرين يتمتع بمواصفات جيدة من حيث القطر والوزن و النوعية، مما يسبب زيادة الطلب على المادة من هذا المخبز.

للعلم، أنه يعمل في مخبز تشرين نحو 147 عاملاً بطاقة وارديتي عمل، ولوحظ أن الرغيف في هذا المخبز في تحسن مستمر.

تحدث بعض الأخوة المواطنين، أنه درءاً لحالة الفوضى التي كانت تتم من قبل أمام هذا المخبز فقد أغلق المخبز أبوابه أمام كل العناصر الخارجية، ونقل كوى البيع إلى خارج المخبز، وأضاف أحد فنيي المخبز فيما يتعلق بسبب تحسن نوع الرغيف وزيادة الإقبال على هذا المخبز وزيادة أرباحه ومبيعاته بالقول: إن تحسين نوعية الرغيف يتعلق بالمتابعة الحثيثة من قبل القائمين على المخبز ليلاً  ونهاراً، وحرصهم على إنتاج رغيف بمواصفات جيدة.

والحقيقة فإن المواطنين فوجئوا أثناء العاصفة الثلجية الأخيرة بانقطاع الكهرباء والماء وبالتالي حصلت أزمة غير طبيعية أمام أفران القطاع العام، وأن طوابير المواطنين المصطفين أمام كوى البيع كانت تدعو للألم، مما دعت الضرورة لاستدعاء رجال الشرطة لضبط الدور، دون جدوى، حقاً، وما يمكن أن يشار إليه أن ثمن ربطة الخبز قد وصل إلى حوالي 40 ل.س بدلاً عن 15 ل.س أي ثلاثة أضعاف تماماً، إذ تم استغلال هذه الأزمة من قبل بعض الأشخاص الجشعين. وفيمايلي سنحاول تسليط الضوء على واقع المخبزين الآليين في المدينة.

مخبز البعث (مخبز الحي الغربي):

يعمل في هذا المخبز حوالي 70 عاملاً وينتج يومياً حوالي 16 طناً، وهو يقع في الحي الغربي، وعلى مقربة من جميع دوائر المدينة ومدارسها، ولهذا فإن الإقبال عليه يزداد أكثر، إلا أن الرغيف الذي ينتج من هذا المخبز هو الأكثر رداءة على الإطلاق.

وللحقيقة أيضاً أنه  وأمام أي عينة تؤخذ من خبز هذا الفرن، نجد أن الرغيف غير ناضج، ولاتتوافر فيه المواصفات التموينية، من قطر ووزن، ونوعية..

أسباب رداءة الرغيف:

ونبين أنه وقعت بين أيدينا نماذج كثيرة من الرغيف الرديء لم تكن إلا أكثر من قطعة عجين فقط غير صالحة للاستهلاك !! التقطناها من أمام مخبز الحي الغربي وخلال عدة أيام وكمحاولة من «قاسيون» لوضع النقاط على الحروف التقينا عدداً من المواطنين وطرحنا عليهم السؤال التالي: ما سبب رداءة رغيف المخبز الآلي؟

ووجدنا أن الإجابات برمتها تنحصر في الأسباب التالية:

1. رداءة نوع المازوت الحالي المستورد من العراق، رغم أن مادة المازوت المستورد لا تستخدم إلا في منطقة الجزيرة.. فقط.

2. رداءة نوع الطحين (وللعلم إن أفضل أنواع الطحين الذي يقدم للمحافظات الأخرى وبخاصة دمشق وحلب يؤخذ من هذه المنطقة تحديداً) حيث ترتفع نسبة مادة النخالة في الطحين.

3. عدم وجود محسنات مثل السكر والحليب.

4. رداءة نوع الخميرة المستخدمة، إذ كثيراً ما تستخدم خمائر فاسدة في إعداد الرغيف.

5. حُسن اهتمام اليد العاملة والمتابعة الفنية للآلات المستخدمة دور مهم أيضاً في جودة الرغيف..

6. ضرورة تغطية كوى البيع لكل أحياء المدينة.. ومراقبة البيع لئلا يتم تسريب هذه المادة إلى السماسرة، الذين يبيعون الربطة بسعر يصل إلى مبلغ 20 ل.س.

وبخصوص اليد العاملة فإن لها معاناتها حقاً، وأهم مطالبها:

1. عدم وجود تناسب بين الراتب الحالي للعاملين وطبيعة عملهم.

2. عدم توزيع الوجبة الغذائية على العاملين بالشكل المطلوب.

3. تخفيض بدل اللباس من 2400 ل.س إلى 500 ل.س فقط!!

4. اقتصار الطبابة على العامل فقط دون أفراد أسرته الذين يعيلهم، ودون صرف الوصفات الطبية عموماً.

5. ضرورة إعادة النظر في الملاك الصادر مؤخراً عن الشركة العامة للمخابز، إذ أنه يتم التوجيه إلى تخفيض الملاك، وبهذا لا يتم التعيين إزاء التوجيهات الجديدة، بدلاً عن المتوفي أو المتقاعد، أو المنقول… إلخ.. رغم وجود أعداد كبيرة من العاطلين عن العاملين في هذه المنطقة وبشكل لافت جداً.

كما أن الرغيف لكي يكون ناضجاً يجب: أن يكون وزن كتلته العجينية مابين 215-220 غ تموينياً، وأن يكون قطره مابين 36- 37 سم ، وأن صغر القطر، وبالتالي عدم الاستهلاك المطلوب للوقود، لأسباب واضحة يؤديان لكي يكون الرغيف «عجينياً» ليعوض هذا البلل والرطوبة عن التقليل- المدروس- للوزن لأسباب لا تخفى على أحد طبعاً.. ومن هنا فان أحاديث كثيرة تتداول حول اصرار بعضهم أن يكون رئيس واردية أو.. أو.. مقابل مبالغ من المال كانت تدفع في السابق لمديري الأفران... (طبعاً نتحدث هنا عن الفساد في الألفية الماضية... فقط..).

أفران القطاع الخاص:

أما أفران القطاع الخاص، أثناء العاصفة الثلجية التي تعرضت لها منطقة الجزيرة عموماً في الأيام الماضية القريبة، فقد كشفت عن عدم جاهزيتها، التي ينتج بعضها رغيفاً مقبولاً.. خاصة إذا ما قورن مع رغيف المخبز الآلي في الحي الغربي.

ويبدو أن أصحاب هذه الأفران لهم معاناتهم أيضاً، إذ أن كميات الدقيق تعطى لهم بشكل متفاوت، وتفرض عليهم أيام عطل تصل إلى أربعة أيام في الشهر الواحد، وهذا ما يزيد الضغط حقاً على المخبزين الآليين.

وفي الآونة الأخيرة اشتكى بعض أصحاب الأفران من خشيتهم من الدقيق الذي تم توزيعه عليهم.. ويخشى هؤلاء أن يكون الطحين ملوثاً!!.. مع العلم أن هذه الكميات لم توزع إلاّ في محافظة الحسكة(كما أشارت بعض وسائل الأنباء)!!..

عود على بدء:

على الرغم من كل هذه النقاط التي أشير إليها بخصوص رداءة واقع الرغيف، فإن الجهات المعنية لاتتابع حالات المخالفات لقمعها، وضرورة ملاحقة السماسرة بشكل فعلي، وعدم ترك الحبل على الغارب لهؤلاء، وبرأينا إن لجوء كثيرين  إلى اسغلال بيع الخبز يعود الى البطالة العالية في هذه المنطقة، وإن أية دراسة جدية لتطوير الواقع المعيشي لأبناء منطقة الجزيرة سوف يضع حداً لتجاوزات كثيرة من بينها هذا الجانب أيضاً.

 

■القامشلى ـ مراسل «قاسيون»