ماذا تقول يا صاحبي حتى لا تتداخل الخطوط

 ■  تجدر الإشارة ـ بداية ـ  إلى أن حديثنا في زاويتنا الأخيرة قد فتح الباب واسعاً أمام مناقشة مفهوم «العقلية الوصائية»، تلك العقلية التي مازالت رهن الممارسة والتفعيل، على الرغم من كل ما طرأ ويطرأ من تغييرات وتطورات تركت و تترك آثارها الواضحة الكبيرة على واقع المجتمع وحياة الناس في ظل احتدام الصراع وتشكل الاصطفافات الجديدة التي أخذت  ملامحها تتحدد شيئاً فشيئاً بين القوى السياسية و في ميدان العمل السياسي في الوطن.

■■   ما تقوله ليس بجديد، فكلنا يواكبه، وبخاصة في مجالات ظروفنا وواقعنا المعاش، حيث تستميت قوى الفساد والنهب جاهدة للحفاظ على «أماكنها» ممسكة سيف السلطة بيد، وباليد الثانية صنبور المال والغنيمة، متكيفة ومستفيدة من جو الأخطار الداهمة للمخططات العدوانية التي تهدد مصير الشعب والوطن، بل المنطقة بأسرها، ليستمر وجودها ويطول عمرها!!

 ■  اتفق معك في بعض هذا الاستنتاج، وفي الوقت ذاته اختلف معك في تشخيص دور السلطة ـ مع إدراك الفروق بين السلطة والنظام ، وهنا مكمن  الإشكالية، فالسلطة ـ برأيي ـ يحكمها هاجس الاستئثار بالحكم، فهو همها الأكبر وهدفها الأهم، وعليه تشد النواجذ والقبضات، وهذا ليس وليد الساعة، وإنما هو نتاج قانون الطوارىء واستمرار العمل بالأحكام العرفية، وبكلمة أوضح، هو آفة وجدت مناخها المناسب الملائم ففرخت بيوضها الفتاكة متحولة إلى الصفة الأمنية قبل أية صفة أخرى، تمارس القمع زارعة الرعب والخوف في قلوب الناس، كاتمة الأنفاس ليتحولوا إلى مهمشين مهشمين  لا حول لهم ولا قوة، فتفرغ الساحة من العمل السياسي الشعبي ليستبدل بعمل سياسي مسبق الصنع موجه يعتمد شكل المراسم، حيث ترديد الشعارات المحنطة هو العنوان، والتصفيق المدوي هو المؤشر والمطلوب. ولست مبالغاً إذا قلت إن «حشود المشاركين» في تلك المراسم كانت تؤدي الطقوس الاحتفالية بصورة تدعو إلى الأسى والرثاء والأسف.

 ■■  على الرغم من استيعابي لحقيقة ما تقول فلابد من بعض الأدلة على ذلك.

■  سأسوق دليلاً من بعض الشواهد التي رسخت في ذهن ومخيلة الناس الذين عاشوها أو وصلتهم أخبارها ـ حينهاـ ومنها حكاية محافظ سابق لريف دمشق اشتهر بزهده وتقشفه، رعى يوماً الاحتفال بعيد الشجرة ـ رعاه بالعصا  فعلاً ـ وساق المشاركين «الموظفين» ليتراكضوا أمامه هكذا جهاراً نهازاً، وليس في هذا الخبر أية زيادة أو تزيد، علماً أن المحافظ كان زيوداً لا يخشى محاسبة أو مساءلة، وحتى لا تقاطعني وتقول : هذا من أحداث الماضي، وليس في الحاضر، سأسارع بالقول: إن هناك الكثيرين من الزيودين في العديد من مفاصل المجتمع ومواقع العمل والمسؤولية. وإن تلك العقلية الوصائية مازالت تفعل فعلها حسب كل ظرف وحالة وموضع بلون وشكل «يناسبه» ويتماشى معه!! وإذا كانت الأسطورة تتحدث عن علي بابا واحد، فإن حقيقة واقعنا الراهن تكشف الستار عن العديد من"العليان بابات"وغيرهم من أسماك القرش والحيتان.

■■  على هذا الأساس لابد إذن من المكاشفات الصريحة وتحديد الأسماء والمواقع ـ أي تسليط الأضواء على كبار الفاسدين والمفسدين، لمعرفة وإدراك ما يجري لنصل إلى تقييم صحيح ودقيق لواقع الأمور، ولوضع الحلول الناجعة كي نتخلص تماماً من هذه المعاناة المريرة، وحتى تعود للمواطنين مشاعر الاطمئنان والأمان والعافية، لتعود إليهم كرامتهم التي هي الأساس في كونهم مواطنين لا رعايا.

■  نعم.. لا بد من تسليط الأضواء، حتى لا تختلط الأمور وتتداخل الخطوط، كتداخل خطوط السلطة بالمعارضة والمعارضة بالسلطة، وهذا يتطلب ـ أول ما يتطلب ـ العمل الجدي والنضال الفعلي لتتوضح معالم الاصطفاف والاستقطاب في خندقين اثنين لا ثالث لهما: خندق الشعب والوطن، والخندق المضاد حيث الفاسدون والناهبون ركائز الخارج، والخارج ذاته، وهنا ساحة المواجهة، ساحة المعركة الحقيقية. وكي يتحقق النصر للشعب وللوطن، تبذل الجهود الصادقة والسعي الحثيث الجاد ليلتئم مؤتمر وطني عام لا يستثني أحداً من أبناء الوطن، يدرس الواقع ويضع برنامج العمل لمجابهة الأخطار الخارجية والداخلية، وكي ينتصر الشعب والوطن على قوى الفساد والنهب والعمالة، وعلى حليفها الأكبر المتخندق على حدود الوطن، وفي ذلك وحده كل الكرامة للوطن والمواطن.ولا يتوهمن أحد ولا ينخدعن ب"الهدوء المخيم الآن، ففصول المخطط العدواني ستتلاحق سراعا ولن تتوقف إلا إذا هب في وجهها من يتصدى للجمها !!.

  فماذا تقول يا صاحبي؟!

 

■ محمد علي طه