أجور لا تكفي حياةً آدميّة
فرح عمار فرح عمار

أجور لا تكفي حياةً آدميّة

مع استمرار ارتفاع تكاليف المعيشة بوتيرة متكرَّرة، باتت الفجوة بين الدخل الشهري والإنفاق الضروري أكثر وضوحاً وحدّة، وخاصة لدى العمّال ذوي الدخل المحدود. فعلى الرغم من الزيادة الأخيرة في الحد الأدنى للأجور إلى 750 ألف ليرة سورية في القطاع العام، إلّا أنَّ هذا الرقم لا يمثل سوى جزءٍ ضئيل من الحد الأدنى اللازم للمعيشة، والذي تُقدِّره الدراسات الاقتصادية في «قاسيون» بأكثر من 8 مليون ليرة شهرياً لأسرة مكوَّنة من خمسة أفراد.

عامل بين نارين

لعلّ قصة «مروان»، العامل في إحدى الدوائر الخدمية الحكومية، توضّح عمق هذه الأزمة. مروان، وهو أب لثلاثة أطفال، يعمل منذ ما يزيد عن 15 عاماً، ويتقاضى بعد الزيادة الأخيرة قرابة 850 ألف ليرة شهرياً. ومع ذلك، فإن نفقاته الأساسية - من غذاء، ومواصلات، ومدارس، وفواتير - تتجاوز ثلاثة أضعاف دخله. يقول: «الراتب يخلص قبل ما يبلش، وما في شي بوقف، كل يوم في غلاء جديد».
تشير دراسات سابقة إلى أن الراتب يغطي 7–10% فقط من تكاليف المعيشة الفعلية. فعلى سبيل المثال، سعر جرة غاز واحدة تعادل 23% من الراتب، بينما تكلفة وجبة غذاء بسيطة لعائلة ليوم واحد تتجاوز 50 ألف ليرة. أما المواصلات، فهي تستهلك ما لا يقل عن 200 إلى 400 ألف شهرياً، في حال استخدام وسائل النقل العامة فقط.
أمام هذا الواقع، يلجأ معظم العمال إلى مصادر دخل إضافية، غالباً في أعمال غير منظمة، تمتد ساعات العمل فيها إلى أكثر من 12 ساعة يومياً. هذه «الوظائف الثانوية» لا توفّر دخلاً ثابتاً، لكنها ضرورة لتفادي الجوع أو الاستدانة. مروان مثلاً يعمل مساءً في تنظيف المحالّ التجارية، لكنه يقول: «الجهد مضاعف والعائد زهيد، ومع هيك مضطر».
اللافت في المشهد هو التفاوت الطبقي الواضح الذي أصبح مرئياً حتى في الشوارع، حيث ترتفع أعداد السيارات الفارهة في المدن، مقابل عجز العامل عن استخدام المواصلات العامة لارتفاع أسعارها؛ ففي الجهة المقابلة للسيارات الفارهة درّاجات نارية وهوائية تسدّ هذه الفجوة الجديدة. السيارة، التي كانت يوماً من مظاهر الاستقرار المعيشي، أصبحت اليوم رمزاً للفجوة الطبقية التي تعمّقت بفعل السياسات الاقتصادية الحالية.

النقابات خارج القرار

النقابات العمالية، من جهتها، لا تزال بعيدة عن الفعل الحقيقي. وتُطرح تساؤلات مشروعة عن مدى قدرتها على حماية مصالح العمال في ظل هذا الانحدار المستمر في القوة الشرائية، وغياب أيّ آلية فعالة لربط الأجور بمعدلات التضخم الفعلية.
إن قصة مروان ليست حالة فردية، بل تمثّل واقع غالبية العمال في سوريا. وهي تدق ناقوس الخطر حول مستقبل الطبقة العاملة، التي تمثل عماد الإنتاج والاستقرار الاجتماعي، في ظل غياب سياسات اقتصادية عادلة وشاملة.
فهل يستمر تجاهل هذا الواقع؟ أم أنّ الوقت قد حان لإعادة بناء منظومة الأجور بما يضمن حياة كريمة للعامل لا مجرد ما يسمَّى «بقاءه»؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1232
آخر تعديل على الأحد, 29 حزيران/يونيو 2025 22:39