حقّ الإضراب وبعضُ الذرائع المُستخدمة لتعطيله

حقّ الإضراب وبعضُ الذرائع المُستخدمة لتعطيله

ما يزال الحق في الإضراب محلَّ استهجانٍ ورفضٍ لدى أصحاب العمل، وخاصة أولئك الذين يتبنون السياسات النيوليبرالية، حيث يتعرض حقُّ الإضراب لهجومٍ دائمٍ على الصعيد العالمي من قبل هذه القوى. ويُعتبر الإضراب حقاً محمياً من خلال تشريعات واتفاقيات منظمة العمل الدولية، وبإجماع دولي، كنتيجة لطبيعة علاقات العمل بين العمال وأصحاب العمل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ويُعدُّ الحق في الإضراب وكذلك الحق في المفاوضات الجماعية، من أهم الأدوات التي يستطيع العمال استخدامها في الدفاع عن أنفسهم ضد انتهاكات حقوقهم.

وبالرغم من أنّ تلك الحقوق العمّالية متوفرةٌ إلى حدٍ ما في البلدان الأكثر تقدماً في العالم، غير أنها تتعرض لخروقاتٍ وتراجعٍ منذ سنوات، وخاصة بعد العقد الأول من هذا الألفية. حيث قام أصحاب العمل بالاعتراض عليه أمام هيئة الأمم المتحدة نفسها، وقاموا بمقاطعة أعمال منظمة العمل الدولية في عام 2012، وهي مقاطعة غير مسبوقة منذ إنشائها. وذلك تزامناً مع بدء وصول الحكومات الأكثر يمينيّة التي تنهج السياسات النيوليبرالية. وتعمد إلى إصدار تشريعات جديدة لعرقلة الحق في الإضراب والحد منه، وهو الحق الذي يُعتبر أساس قوة الطبقة العاملة كأداة للضغط والدفاع عن حقوقها.

في أوروبا مثلاً، كان النموذج الاجتماعي السابق متقدماً عن غيره من الدول في مناطق أخرى في مجال حقوق العمال. واليوم، مع صعود اليمين المتطرف، يتفاقم خطر تآكل حقوق العمال من قِبَل الحكومات والشركات بشكل متسارع، حيث أُضعفت الحماية القانونية لحق الإضراب بشكلٍ ملحوظٍ في المملكة المتحدة والمجر وألبانيا ومولدوفا والجبل الأسود. وقامت السلطات بحملات قمعية ضد العمال المضربين في فنلندا وبلجيكا وفرنسا. وحسب مؤشِّر الحقوق العالمي لعام 2025، منذ عام 2014، تمّ انتهاك الحق في الإضراب في أكثر من 90% من دول الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، وأكثر من 80% من دول الأمريكيَّتين، وأكثر من 70% من دول أوروبا، على الرغم من أنها المنطقة التي ترسَّخ فيها هذا الحق بشكل أفضل.

وخلال العقد الأخير، تزايد التوجُّه نحو تقييد الإضراب من خلال وضع شروطٍ عليه. إنّ هذه السياسات الجديدة إساءةُ استخدامٍ تشريعيّ، إذ تسعى إلى تقييد حق الإضراب عملياً، من خلال وضع تعريفٍ فضفاضٍ لما يسمى في كل دولة «الخدمات الأساسية»، وذلك بهدف تقييد أو حظر اللجوء إلى الإضراب في عدد متزايد من القطاعات. ومن جهتها، تُعرّف منظمة العمل الدولية الخدمات الأساسية بأنّها تلك التي يؤدّي انقطاعها إلى تعريض «حياة السكان وسلامتهم الشخصية أو صحتهم للخطر». غير أنّ هناك عدداً من البرلمانات تسنُّ تشريعاتٍ لتوسيع نطاق هذا التعريف ليشمل قطاعات مثل النقل والتعليم والصحة وغيرها، إلى حدٍّ يقضي تقريباً على قدرة الإضرابات، وهي القدرة التي تشكّل أساساً للضغط.

يقول المؤرِّخ الفرنسي ستيفان سيرو، المختصّ في علم اجتماع الإضرابات والنقابات والعلاقات الاجتماعية: «إنّ ما يحدد نجاح الإضراب هو قدرته على تعطيل النظام الاقتصادي. وإذا تمّ إقرار التشريع بهدف جعل الإضراب غير معطِّلٍ قدر الإمكان، فإنّ ذلك يشبه حرمانه من حقّه في الوجود؛ لأنه على الرغم من أنّ نصَّ القانون يسمح بوجود الإضراب، إلا أنّه يميل إلى قتله في جوهره».

ويوضح الخبير الدولي في هذا المجال، الدكتور في قانون العمل مارسيلو دي ستيفانو، أستاذ في جامعتين حكوميتين في بوينس آيرس، وعضو اللجنة التنفيذية لاتحاد نقابات العمّال في الأمريكيتين، وممثّل اتحاد العمال (CGT) في الأرجنتين: «من المستحيل فهم حرية تكوين النقابات دون ممارسة وظائفها الثلاث: الاعتراف بالنقابات العمالية والنشاط النقابي، والمفاوضة الجماعية، والحق في الإضراب كأداة للتوازن الاجتماعي تسمح باكتساب الحقوق».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1232