الفساد المفضوح في التعليم المفتوح

شيء جميل أن تتوسع العملية التربوية في القطر عمودياً وأفقياً عبر جامعات ومعاهد ومدارس وروضات ودور حضانة . . إلخ، في إطار قطاع عام وخاص، وطني وأجنبي، تعاوني ومشترك، نظامي وموازي، ومفتوح وخاص وافتراضي . . . إلخ ولو كان كل شيء بثمنه.

ولكن غير الجميل أن تكون أو تصبح العملية التربوية عملية تجارية بحتة دون رسالة نبيلة (إنسانية أو علمية) تسعى إلى تحقيقها، سوى الربح حيث يؤخذ فيها من الطلاب أغلى الأسعار، ولكن لا يقدم لهم المكافئ العلمي المقابل، أو الأفضل، ولاسيما عندما لا يعطى فيها الخبز للخباز وإنما للمسؤولين المحظوظين من العصبة (الأكاديمية) ومن يلوذ بهم.

 وهنا يترك الموضوع  لضمير الإدارة والهيئات الوصائية والرقابية التي عليها أن تضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، وتأخذ من كل حسب قدرته، وتعطي لكل حسب عمله. ولكن لو ألقينا نظرة على الواقع وتمعنا في سلوكية التطبيق وتساءلنا: هل تتعاقد الإدارة مع أحسن الأساتذة المختصين؟ أم تتعاقد مع أساتذة مستوردين من بلدان لم تعترف بشهاداتهم؟ أو مع أصحاب الشهادات المشتراة من بعض البلدان الأجنبية أو العربية (التي أصبح لها مكاتب تهريب لتأمينها كما تؤمن المخدرات أو أية سلعة مهربة)؟ ولذلك أصبح يشك بالضمير والشهادة دون رقابة قانونية حازمة.

أما الطالب الغرير فهمه الأول والأخير أن يدرس على حساب دراهم عائلته وينجح فقط، وليس همه أن يتفوق، ( وأنا أسمع أحاديث الطلبة المعنيين في جلساتهم الخاصة وتقييماتهم السلبية لأساتذتهم المعنيين والكلا كلا عليهم).

وقد ظهر على الخريطة السورية التعليم المفتوح (وبعضهم سموه المفضوح أو الطبقي) الذي قسم أعضاء الهيئة التدريسية إلى برجوازية المجالس الأكاديمية التي قسمت وتقسم الواجبات التدريسية، فتعطي لنفسها التعليم المفتوح بشعبه المتعددة أو المفتوحة، والذي يتميز بالجيوب المفتوحة بالدرجة الأولى، وليس المهم إمكانات المدرس أو ما يلقى في رؤوس الطلاب المفتوحة من تقيؤات سهرة البارحة.

ويقسم ذوو القرار الجدد فطيرة التعليم المفتوح الدسمة والكبيرة على بعضهم بعضاًً بغض النظر عن الاختصاص والكفاءة وحسن الأداء والضمير المهني، ومبدأ أن (السلعة ينبغي أن تكافئ السعر)، ولكن المهم أن يأخذ كل منهم ما أمكنه، أكبر حصة ممكنة من الأجر الدسم، أو أكبر قطعة من العقيرة المذبوحة وأن يشبع شهيته المفتوحة من المائدة المفتوحة.

والمشكلة أن كلاً من المسؤولين الجدد ذوي المخالب أو المناصب أصبح لديهم كل الاستعداد للتدريس في التعليم المفتوح حتى لو في غير اختصاصه، أو حتى في المواد التي اعتذر سابقاً عن تدريسها في التعليم النظامي!!! إذ  كثير منهم مستعد أن يدرس حتى ولو لغة فيتنامية أو يابانية أو صينية طالما سيحصل منها على عائد مجز جاءه على طبق من ذهب كأجرة تعلمي خاص / مفتوح في قلب الجامعات الحكومية.

ويزداد الطين بلة عندما ترى البرجوازيين الجدد من الأكاديميين ذوي الجيوب المفتوحة والملأى على حد سواء مفتوحي الشهية دائماً لاقتسام المكاسب المفتوحة والمتمثلين بهيئة مجلسي الكلية والقسم (والعمداء ورؤساء الجامعات القدامى)، وكأن العملية فخرية مخصصة لهؤلاء المتقاسمين للفطيرة أمام أعين البروليتاريا الأكاديمية من الأساتذة الآخرين الجائعين الذين يدرسون فوق أنصبتهم ولا يأخذون عنها أية إضافات، (وتسوء الحالة أكثر لدى الأساتذة المتقاعدين الذين لا يجدد لهم رغم الحاجة إليهم، ورغم استعدادهم وقدرتهم على العمل وحاجتهم له، ورغم أنهم هم الذين قامت الجامعات الحالية على أكتافهم وبالحد الأدنى من الرواتب والأجور).

وعندما لا تكفي مقررات التعليم المفتوح لكل أفراد العصبة المسؤولة، تشعب المادة المفتوحة إلى عدد مفتوح من الشعب حتى لا يبقى أحد من أفراد العصبة المعنية دون شطيرة من الفطيرة الكبيرة، تجنباً لخروج الشوشرات إلى خارج المجالس.

ولكي يتخلص المعنيون من بعض المزاحمين على الفطيرة يسهلون لهم الإعارة للخارج وحتى اللا عودة للكثيرين منهم، ولو خارج النسب القانونية المسموح بها (في حين يكون ذلك المعار الذي حصل على شهادة الدكتوراه على حساب الشعب، وكبر اسمه باسم الجامعة يذهب للخارج ولا يعود حتى ولا يدفع للجامعة ولا للشعب الضريبة المكافئة التي يدفعها مثيله الأمريكي أو البريطاني لجامعته وحكومته).

والأبشع من كل ما تقدم أن المفتوحين المعنيين يتقاسمون بعد كل ذلك الفوائض من رسوم التعليم المفتوح (الخاص) بإعادة توزيع عوائد الجامعة منه على أعضاء مجالس الأقسام والكليات وحتى مجلس الجامعة بحجة حضور جلسات المجالس (الخلبية بأغلبها) ودون محاضر جلسات أو تواقيع رسمية في حينها، حيث أن ذوي المخالب يقتسمون ما تبقى من فوائض التعليم المفتوح فيما بينهم بتخصيص 500 ل.س لكل منهم عن كل جلسة جلسها في كل من مجلس القسم أو مجلس الكلية ولو  لخمس دقائق (في حين قضى أساتذتهم القدامى المتقاعدون مئات الجلسات أيام استلامهم ولكن دون ليرة سورية واحدة، وهاهم هؤلاء يتقاضون راتباً تقاعدياً يقل عن تقاعد آذنة المدرسة في حين يرفل طلابهم المفتوحو الشهية بالخز والديباج المفتوح).

وباحتساب بسيط ذكر أحدهم أن مخصصاته ستبلغ هذا العام 20 ألف ل.س سنوياً عن اجتماعاته في المجلسين (القسم والكلية)، و 200 ألف ل.س عن تدريسه لأربع شعب و 25 ألف ل.س لقاء تأليفه كتاب (الذي غالباً ما يكون عبارة عن قص من الكتب المصرية ولصق في المؤلف الجديد) و 20 ألف ل.س لقاء تصحيح الدفاتر الامتحانية المفتوحة، ومراقبة امتحانات مفتوحة . . .إلخ أي بمجموع يبلغ نصف مليون ليرة سورية (حتماً بالإضافة إلى راتبه وتفرغه كالآخرين الذين هم (خارج النصف مليون)، وحتماً من هؤلاء المحظوظين في الزمن المفتوح هذا يكون: المحاضرون العامون، والموفدون الرسميون بمهمات رسمية للخارج والداخل، والمستشارون، أعضاء مجالس الإدارات الخلبية، وسياحة المؤتمرات، وأيضاً المناصب الرفيعة اللاحقة . . .إلخ.

هذا ونحن لا نعتب على الدكاترة المعنيين فيما لو أعطوا مكافئ ما يأخذون، ولكن العتب عندما يأخذون دون أي عطاء، أو عندما توزع المقررات حسب طول المخالب  وليس حسب الاختصاصات والكفاءات  والاستحقاقات والمجهودات المبذولة وإنما على مبدأ (محمد يرث وأخوه محمد لا يرث).

ولذلك لا يظنن أحد أن ذلك حسد أو ضيقة عين! كلا، بل لأنه يتم على حساب التعليم العام من جهة وعلى حساب حصة الجامعات الحكومية من جهة أخرى، وبالوقت نفسه على حساب الطلاب المفتوحين الغلابى (الذين يدرسون كيفما اتفق لا لكي يفهموا، بل فقط كي ينجحوا)، ثم على حساب البروليتاريا الأكاديمية الذين ينظرون  إلى كل تلك «المسخرات»، وهم صامتون لا يأخذون غير رواتبهم وتفرغهم فقط لاغير، (وقد يحن عليهم في نهاية العام ببعض الفتات المتناثر من المائدة المفتوحة إن بقي هناك أي فتات).

وتكبر الحسرة في نفوس أولئك الأساتذة الكبار المتقاعدين الذين بنيت الجامعات الحكومية على أكتافهم والذين تحملوا وبصمت العبء الأكبر من المهمات مقابل رواتب زهيدة ومكافآت شحيحة، ولم يأخذوا على اجتماعاتهم الكثيرة  في حينهم أي درهم. ولا يعطون تعليماً مفتوحاً (إلا للأغنياء جداً منهم الذين يعطون خشية من اتصالاتهم بالجهات الأعلى التي كانوا يوماً على تماس معها)، وأخيراً لا يجدد لهم للتدريس بحجة تقاعدهم رغم تخصصهم ورغبتهم بالاستمرار بالتدريس وكفاءتهم وحاجتهم الماسة .. إلخ وإذا كلفوا كمحاضرين فلقاء ثمن الخبز فقط (حوالي 40 ل.س عن المحاضرة الواحدة).

هذا وإن المشكلة الأكبر هي القادمة حيث السؤال، أو الأسئلة الكثيرة هي: أي اختصاصيين هؤلاء الذين سيتخرجون من التعليم المفتوح على أيدي مرتزقة التعليم المفتوح والحالة هذه؟ وأية مناصب وطنية سيتقلدون؟ وأية حضارة علمية سوف يبنون؟ وأي تعليم عالٍ أو بحث علمي سوف يطورون . . .إلخ

هذا وإذا كان كل ذلك لا يندرج تحت اسم الفساد التعليمي المخرب للأجيال الحاضرة والمستقبلية (والذي هو أخطر أنواع الفساد)، فتحت أي اسم يمكن إدراجه؟

ولاشك أن كل ذاك يجري على حساب الوطن / الشعب أولا ًوأخيراً، ولذلك نرجو من ذوي القرار الصحيح و محاربي الفساد، أخذ ما تقدم بعين الاعتبار، وإجراء اللازم، وشكراً.

   ■ أ‌.  د عبدالله سليمان

 

جامعة المأمون