التقاعد المبكر - مرة أخرى لماذا!
إن قضية الدفاع عن القطاع العام ليست قضية الدفاع عن مصالح فقط بل هي قضية الدفاع عن السيادة الوطنية بكل معانيها والتي يراد معها أن تضعف في ظل ضغوط خارجية وداخلية متكاملة الحلقات ومتناسقة في الأدوار، فالدور الداخلي الذي تقوم به قوى السوق الآن يشكل عنصر ضغط حقيقي وخطير ليس هذا وحسب، بل إنه يزيد من احتمالات الانفجارات الداخلية التي يدفع باتجاهها هؤلاء من خلال جملة الإجراءات التي تتخذ يومياً من غلاء الأسعار، ضعف الأجور، عدم دفع أجور العمال للعديد من الشركات لعدة أشهر، رفع الدعم الحكومي عن مواد أساسية، زيادة الضرائب على الطبقات الشعبية، ضعف الرعاية الصحية، وارتفاع تكاليفها الفاحش في مشافي القطاع الخاص، سحب الكثير من المكاسب الممنوحة للعمال، وعدم الاستجابة للكثير منها أيضاً، والآن جاء دور التسريح الجماعي للعمال من خلال طرح مشروع التقاعد المبكر الذي سيلعب دوراً مهماً في إفراغ المعامل من الكوادر الأساسية والمدربة ورميها على قارعة الطريق لتزيد أعداد العاطلين عن العمل، وبالتالي تتضخم بؤر التوتر الاجتماعي وهذا هو المطلوب الآن.
التقرير الصادر عن المكتب المركزي للإحصاء (حول الأثر الاجتماعي لمشروع قانون التقاعد المبكر) ينطلق من موقف مسبق يعتبر فيه أن العمال المؤقتين والذين ثبتوا يشكلون العمالة الفائضة المسببة للخسائر التي تتعرض لها الشركات فهؤلاء يشكلون عبئاً مالياً كبيراً، وأيضاً في حال تسريحهم من خلال التقاعد المبكر لا يتركون أثراً سلبياً على الإنتاج، فالتقرير هذا بحث في كل شيء ما عد الشيء الاجتماعي وأثره على العمال والمجتمع، وأيضاً تناسى شيئاً مهماً يبدو إن القيمين على التقرير لا يريدون التطرق له ألا وهو عمليات النهب الواسع التي تعرضت لها الشركات الإنشائية والإنتاجية والتي كانت السبب الرئيسي الذي أوصلها إلى ما هي عليه، وليس وجود هؤلاء العمال الذي يحملوّن الشركات الأعباء المالية كما يدّعي التقرير، والسؤال الملح ألم يقدم هؤلاء العمال عمرهم وجهدهم وعرقهم في إنجاز المشاريع المختلفة عندما كان هناك جبهات عمل؟؟
إن ما ينهب هو أكثر بكثير من أجور العمال الضئيلة التي يعيلون بها أسرهم والتي يقوم التقرير أن وسطي إعالة العامل خمسة أفراد وأن وسطي رواتب العمال الذين سيسرحون على أساس التقاعد المبكر /9166.34/ ل.س ويضيف أيضاً أن هؤلاء العمال طبيعة عملهم إنتاجية.
فأي خراب هذا يريدون إحداثه!؟ وأي قهر يريدون استكماله بحق الطبقة العاملة؟؟ فعوضاً عن مواجهة النهب بكل حلقاته الكبرى والصغرى من أجل تنمية حقيقية تحقق قاعدة متينة للصمود الوطني وتلعب دوراً في تحسين المستوى المعيشي لشعبنا، عوضاً عن ذلك يوجهون نيرانهم باتجاه الحلقة الأضعف الآن، حيث يعملون على خطين متوازيين يكملان بعضهما بعضاً.
الخط الأول: إصدار قانون التقاعد المبكر الذي سيعمل على إفراغ المعامل والشركات من كوادرها الفنية والمهنية التي تكوّنت خبراتها من خلال عملها في هذه المعامل والشركات، وبالتالي تهيئة هذه المعامل لعملية الخصخصة والاستثمار والآن التشارك مع الرأسمال الأجنبي والعربي، وتسليمها نظيفة كما يرغب المستثمرون، فرغباتهم أوامر والتنازل لهم بكل الأشكال هو لخدمة الاقتصاد الوطني، ورفاهية شعبنا!؟! أليس قلمهم أخضر؟؟
والخط الآخر: إصدار قانون عمل جديد يتضمن في مواده ما سيحققه لأرباب العمل من التحكم الكامل بمصير العمال سواء في التشغيل أو الصرف من العمل، من خلال العقد شريعة المتعاقدين، وإلغاء المرسوم (49) الخاص بقضايا التسريح، وفتح مكاتب التشغيل للعمالة الأجنبية.
موقف النقابات من مشروع قانون التقاعد المبكر:
في البداية انطلق موقف النقابات من الموافقة على هذا القانون مع التريث في تطبيقه لوجود ملاحظات ومحاذير في حالة تطبيقه أشار إليها المكتب التنفيذي للاتحاد العام في تقريره لاجتماع المجلس العام حيث قال: (إن جوهر المحاذير تكمن في ضرورة تأمين الموارد المالية اللازمة لتنفيذ هذا المشروع، وتجنب انعكاساته السلبية على المنظمة النقابية، وفي دارسة مدى الحاجة لإصداره).
وأشار التقرير أيضاً إلى جملة من الأمور:
1 ـ ضرورة دراسة المبررات والضرورات الموضوعية والاجتماعية والاقتصادية لإصدار مثل هذا التشريع، وخاصة في ظل البطالة ونسبها الحالية وعجز القطاع الخاص عن استيعاب العاطلين عن العمل والذين سيزداد عددهم بمقدار الخارجين للتقاعد المبكر.
2 ـ التريث في إصداره لآثاره السلبية على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.
3 ـ دراسة الأبعاد المالية للمشروع وتمويله ومصادر التمويل وتحديدها.
إذا فالاتحاد قد حدد المخاطر الأساسية لإصدار مثل هذا القانون وهي محاذير جدية لا بد من تطوير الموقف النقابي باتجاه مقاومتها ومنع صدور مثل هذا القانون الذي لا يلبي مصالح الاقتصاد الوطني، ولا يلبي مصالح الطبقة العاملة السرية ولا يحل مشكلة البطالة المتزايدة عاماً بعد عام، رغم كل ما قيل عنه في الصحافة وغيرها والندوات التي لّمعت وجه هذا القانون المدسوس في عسله سم خطير، فمثل هذا القانون لا يلبي سوى مصالح قوى السوق والاستثمارات واللاهثين وراءها ومن أعاد طرحه مرة أخرى في مجلس الشعب.
إذاً القضية والموقف من النظام العام هي قضية سياسية ووطنية بالدرجة الأولى ولهذا لا يوجد تحديد موقف لما يتعرض له القطاع العام والطبقة العاملة السورية ومستغليها الذين يرسمونه لها، وهذا ما عبر عنه في الأول من أيار رئيس الاتحاد العام في كلمته حيث قال:
1 ـ الواجب يحتم علينا أن نقرأ ما صدر من قوانين ومراسيم قراءة واعية كي لا نقع في المطبات والكوارث التي وقع بها الآخرون، ودفعوا ثمناً باهظاً.
2 ـ نرفض نصائح صندوق النقد الدولي الذي يدعو إلى الخصخصة، وتخفيض الإنفاق الحكومي ورفع الدعم تحت شعار إيصال الدعم لمستحقيه، والتقاعد المبكر، ومبدأ العقد شريعة المتعاقدين وصولاً إلى إضعاف دور الدولة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً لصالح الشركات والتكتلات الاقتصادية والاحتكارية واستجابة لمتطلبات العولمة.
فهل تستجيب الحركة النقابية وتتبنى برنامجاً يعيد الاعتبار للطبقة العاملة السورية من خلال إشراكها فعلياً في الرقابة على الإنتاج ومكافحة الفساد والنضال من أجل حقها في الإضراب والاعتصام والتظاهر ومن أجل الدفاع عن مكتسباتها وأجورهاوعدم الوصاية عليها من أحد.