يساهمون.. وإن بـ«طوبة» افتراضية

ظهر في فضاء الإنترنت المحلي- إذا صح التعبير- مؤخراً، مئات الصفحات والمواقع الشخصية التي أطلقها شباب سوريون، وغالباً ما تتسم هذه الصفحات الجديدة بتناولها لمواضيع متصلة بمستجدات الحياة (ولنقل السياسية) في البلاد، سواءً لجهة إبداء الرأي وتثبيت المواقف، أو لجهة النقد والتحليل وتحميل الصور والفيديوهات ذات الصلة.. فمن أين ظهر كل هذا الزخم.. ولماذا؟!.

لقد كشف الشباب السوريون على اختلاف مشاربهم و«مادياتهم» عن رغبة عارمة تسكنهم للمشاركة في بناء مستقبل أفضل، حتى وإن اقتصر الأمر على «طوبة» افتراضية يرفعونها على جدار افتراضي في موقع «فيس بوك»، ويجتمع في هذه النزعة بطبيعة الحال المعارضون والموالون باستثناءات قليلة نسبياً.

لقد أخذ الحراك الشعبي «المقيد» بكثير من الأثقال أشكالاً عدّةً في سورية، فبعيداً عن التظاهر السلمي الذي اختار الكثيرون سلوك طريقه، تجد غير القادرين على مواجهة «المجهول» الذي ينتظرهم في الشوارع، والذين انتقوا لأنفسهم طريق «التظاهر الافتراضي»، وقد خرجت من بين أصابعهم صفحات إنترنت سورية النكهة والمعنى، فأعطت شكلاً جديداً للاحتجاج على بعض الأمور الحياتية المعاشة والمطلوب توفيرها في حيز العيش، وعلى رأس هذه المطالب مثلاً استشراء، واستمرار استشراء النهب الذي تمارسه قوى الفساد في البلاد، وكذلك «تطنيش» السلطات لالتزامها بمعاقبة بعض المتورطين بتأجيج نار الأحداث خلال الأيام الأولى في درعا على سبيل المثال، أو المطالبة بتأميم شركات الهواتف الخليوية على اعتبار ملكية الهواء والمجال الجوي الحيوي لسورية هي ملكية عامة، يجب أن تعود فوائدها للصالح العام أولاً وأخيراً.. وهكذا دواليك إلى أن بات يمكن للمتصفح العابر أن «يتفشكل» بصفحات عديدة ترسم بمجموعها ألوان طيف المطالب الشعبية الشبابية في سورية، وبكل مدارس الرسم!.

إذا كان المتظاهرون في شوارع المدن قد اختاروا الهتاف بأعلى الصوت وبأعلى السقوف سبيلاً للتعبير عن رغبتهم الحقيقية في نقل البلاد إلى مستوى أرقى من العدالة والتعددية والحريات، فإن المتظاهرين الافتراضيين قد اختاروا ملء الفراغ بين قلوب المتظاهرين القوية وشعاراتهم الصداحة بين الأزقة، ولهذا فقط، ودون أن يدري أحد، يأخذ الشارع السوري (بشقيه الواقعي والافتراضي) بالنمو وبلورة برنامج عمل ما يزال ينقصه الوضوح يصل بسورية أرضاً وشعباً إلى المستقبل بأقل الخسائر والكلف.

إنه زخم الشباب الراغب بنيل حصته من التغيير، وهو ضروري ضرورة الشمس للإنبات، ولذلك ربما يمكن القول: إن سورية بأبنائها بألف خير.