ميرنا ياغي ميرنا ياغي

مسؤولو(نا) بين الواجب.. وفجوات الذاكرة

في بلادنا المنكوبة بالفساد، لم يعد مستغرباً أن نشعر بالدهشة، وربما بالذهول، أمام مسؤول أو هيئة حكومية تقوم بواجبها على أكمل وجه! فهذا أصبح فعلاً إعجازياً، ومن يقوم به، إن وُجد، يتلبّسه الخوف، وكأنه يرتكب جريمةً أو فعلاً شائناً..

أما المظاهر الطبيعية السائدة اليوم في عمل الجهات العامة من وزارات وإدارات وفعاليات إنتاجية وخدمية، فهي الفساد والرشوة والنهب، والتلكؤ والبيروقراطية والانتقائية في تطبيق القوانين، والمزاجية والمحسوبيات...إلخ. وبالتأكيد، بعد هذا التذكير بواقع نعرفه جميعاً، لن يستغرب أحد هذا المثال الذي نسوقه من جرمانا..

فقد تلقت بلدية جرمانا في السادس من الشهر الجاري شكوى من أحدهم على صاحب مطعم «...» لمخالفته القانون القاضي بمنع إشغال الرصيف، إذ يقوم صاحب المطعم بوضع باقات من الورد الطبيعي في عرض الرصيف.

وفي الحال، بشكل قانوني ومنطقي، وانطلاقاً من مبدأ لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، وكتعبير عن حسه المسؤول العالي، قطع رئيس بلدية جرمانا نومه الهانئ، وألغى عطلته الرسمية المتزامنة مع ذكرى حرب تشرين التحريرية، وقام بإرسال سيارة شرطة وأربعة عناصر لإلقاء القبض على الورود، فقاموا بذلك بكل فخر وثقة وكأنهم قبضوا على أحد مزعزعي الأمن ومقلقي راحة المواطن المقدسة، وسيق صاحب المطعم إلى المخفر وهو مايزال مشدوهاً بعدما شاهد العناصر يأخذون ورداته المشتبه بهم «ويا غافل إلك الله»، حيث وقّع تعهداً بعدم مخالفة القوانين ومنع إشغال الرصيف منعاً باتاً أياً كانت الأسباب..

في لحظة المداهمة البطولية تلك، نسي رئيس البلدية تماماً جميع أرصفة جرمانا المشغولة بالبسطات المخالفة على مد النظر وفي وضح النهار، وحاويات القمامة التي تمتلئ وتنضح بما فيها وتبقى أحياناً في بعض الأماكن نائمة في لا وعي البلدية أكثر من ثلاثة أيام تنبعث منها الروائح الآسنة والحشرات المتنوعة، ونسي الشوارع المحفرة المقلوبة رأساً على عقب التي ما تزال تنتظر دورها بالتعبيد منذ أشهر عديدة، والبيوت المخالفة، والمعاملات المدفونة في أدراج البلدية تنتظر توقيع أصحاب الشأن لتوقظها من سباتها وهي في الغالب معاملات من لا حول لهم ولا قوة .. وغاب عن ذهنه بعض الحارات المنسية لسنوات من جدول أعمال من هم تحت إمرته، وهي التي يشعر من يطؤها أنها لا تنتمي لأي مكان أو زمان، وأن ساكنيها لا ينتمون لفصيلة البشر... والقائمة طويلة..

والمفاجأة التي قد لا تفاجأ أحداً، أنه في خضم هذه المفارقات، تأتي مكالمة هاتفية من إحدى الشخصيات المسؤولة ذات الصلة بصاحب المطعم، فتعيد خلط الأوراق، وفي الحال يستعيد رئيس البلدية ذاكرته، فيدرك مجدداً جمال منظر الورود وضرورة الاهتمام بها وعنايتها.. فتأخذ القضية اتجاهاً مناقضاً!!

وعود على بدء.. نذكّر أنه لم يعد هناك شيء يدهشنا أو يدعو للغرابة.. سوى مصادفة مسؤول أو هيئة حكومية تقوم بواجبها على أكمل وجه.. فكل ظاهرة نادرة الحدوث... تثير الدهشة لا محالة!