الفساد الكبير وآلياته في المنطقة الشرقية
لم تعد أخبار الفساد مفاجأة لأحد من المواطنين، سواء كان الكبير منه أو الصغير، لكن الفرق بينهما أن أغلب الفاسدين الكبار لا أحد يحاسبهم، بل ويعاد تكليفهم بمهام مماثلة أو أكبر، بل أن البعض منهم لا يكتفى بحمايته وإنما يجري الدفاع عنه بطريقة ما.
وعلى سبيل المثال ألقى المعنيون في أحد الفروع الأمنية القبض على سائق سيارة شاحنة وهو يقوم بنقل سبع عشرة بكرة كبيرة الحجم من الكابلات الكهربائية مُخرجة من مستودع شركة كهرباء دير الزور، تبلغ قيمتها ستة ملايين ليرة سورية، وتبين بعد التحقيق معه أنه ارتكب هذه المخالفة بالاتفاق مع أمين المستودع الذي باعها لأحد التجار في حلب بربع قيمتها، وأمين المستودع هذا الذي أوقف أيضاً، كان يعمل محاسباً في الشركة وأزيح من عمله نتيجة ملاحظات تفتيشية، وكلف بعمله الجديد هذا منذ سنتين.. الخبر هذا كان قد نشر في الزميلة المحلية «الفرات»، وهو مثير للفضول والأسئلة.
فالأسئلة التي تطرح نفسها هنا: كيف يعاد تكليف الفاسد رغم افتضاح فساده والتثبت منه؟ وعلى أيّ أساس؟ ومن يقف وراء ذلك!؟ ولماذا يُحمّل المواطن عاجلاً أعباء الفساد في وزارة الكهرباء ومديرياتها عبر رفع أسعار الفواتير، وعبر السعي لخصخصتها؟
هل هناك تفسير لذلك سوى خلق مناخات مناسبة لليبراليين في الحكومة ومن التجار ومن يحميهم من المتنفذين للاستمرار في نهب أموال الدولة والشعب، وبالتالي شرعنة الدعوة الدائمة للخصخصة واللبرلة والانفتاح!؟
والغريب، وربما الطريف في الأمر أن محافظ دير الزور وجّه كتاباً إلى إدارة الشركة لموافاته بالإجراءات التي اتخذت إثر الواقعة بعد علمه بالأمر من الصحافة، وليس من إدارة الشركة!؟
من جهة أخرى ومن خلال التمعن برسالة موجهة إلى محافظ دير الزور بتاريخ 6/4/2009 من مواطن وقّع باسم مختصر م/ز، وصلت نسخة منها إلى قاسيون، يظهر جانب آخر من آليات تكريس الفساد في المؤسسات العامة، فالمواطن المذكور يشير إلى الفاسدين ومواطن الفساد في مديرية الزراعة بدير الزور، ويركز على رؤساء الدوائر والأقسام فيها، موضحاً العقوبات المفروضة بحقهم من الجهات الرقابية والتفتيشية وتواريخها، وبتوصية الجهات الرقابية عدم تكليف أغلبهم بأعمال إدارية أو ذات صلة بالمواطنين، ولكن العكس هو ما يجري بعلم الوزارة وما فيها من مديريات، حيث تتم حماية هؤلاء الفاسدين وتثبيتهم في مواقعهم، ومنهم رؤساء دوائر أملاك الدولة، والإنتاج الحيواني، والتعليم الزراعي، والمحاسبة، والرقابة الداخلية، والزراعة، والأحراج، والهندسة والنقل، والوحدات الداعمة والمكتب القانوني، وغيرهم من رؤساء الأقسام والشعب... فما هذه المهزلة؟؟
علماً أن الرسالة تختتم بطلب إلى المحافظ لتشكيل لجنة للتأكد مما ورد فيها!!
هذا، ولا يزال هؤلاء على رأس عملهم باستثناء واحد منهم، وبعضهم صدرت قرارات إزاحتهم ولم تنفذ.. فلماذا!؟
وهنا أيضاً ننوه بأن من تابع الإجراءات والقوانين التي اتخذت بحق الزراعة في الوطن، لم تكن في مصلحةالزراعة ولا في مصلحة الفلاحين عموماً، والمنطقة الشرقية خصوصاً، لأنها تعتمد على الزراعة أولاً، وكذلك تضر بأمن الشعب والوطن الغذائي، وهنا نتوقف عن قص حكايات الفساد بانتظار الصباح، وأن يقوم المحافظ والمسؤولون الشرفاء في المحافظة بالمتابعة والمحاسبة. أما على مستوى الوطن فبات الأمر بحاجة إلى حملة وطنية ضدّ الفساد يشترك فيها جميع الشرفاء في الدولة والمجتمع لاجتثاثه وتحقيق كرامة الوطن والمواطن التي هي فوق كل اعتبار.