إذا فقدت النقابة بوصلتها وغاياتها..
فكرة النقابات في العالم كله إنما تدور حول آلية تمثيل النقابة لأعضائها، وكيف تدافع عن حقوقهم، وتعلي الصوت بمطالبهم، وتحميهم من أي اعتداء أو انتهاك قد يتعرضون له..
فنقابة المحامين على سبيل المثال كانت في سالف الأزمان الممثل الحقيقي لأعضائها، كيف لا وهم المعنيون بالدفاع عن الحقوق، فأولى أن تكون حقوقهم مصانة، بل أن تكون مكانتهم وهيبتهم في حصن حصين لا يجرؤ أحد أن يمسه أو يقترب منه..
والقوانين بنصوصها تدعم ذلك وتقويه، فلا يجوز توقيف المحامي أو استجوابه أو تحريك الدعوى العامة بحقه قبل إبلاغ مجلس الفرع التابع له، ولا يجوز تفتيشه أثناء مزاولته عمله، ولا تفتيش مكتبه أو حجزه..
لكن القوانين– كما هو معلوم – يتراكم فوقها الغبار حتى يغطي حروفها، فلا تظهر إلا بنفض كل ذلك الغبار الذي راكمته السنون، وكيف يتم ذلك إن كانت النقابة الموكول إليها أمر تنفيذ القانون بحماية أعضائها قد تنازلت - طوعاً أو قسراً - عن دورها..
بل حولت نفسها إلى دور أقرب ما يكون إلى عمل المكاتب الإدارية، أو المكاتب الأمنية في كثير من الأحيان، فغدا أعضاء مجالس النقابات مدافعين عن السلطة والحكومة والنظام الأمني في وجه الأعضاء، بدل أن يكونوا صوت أولئك الأعضاء..
وغدت النقابات في معظمها هزيلة غير قادرة حتى على حماية نفسها، فضلاً عن أعضائها، فيتم التحكم بها الكترونياً، بل يتم تسخيرها للقضاء على أي عضو معارض أو شبه معارض لنظام أولياء نعمة تلك النقابات..
قد يمتلك حزب البعث أربعة أعضاء في مجلس فرع دمشق لنقابة المحامين، إلا أن هؤلاء الأربعة لابد أن يعلموا أنهم بعد أن أمسوا أعضاء لم يعودوا يمثلون حزبهم، ولا عادوا يتبعون لسلطة سياسية أو أمنية، بل وجب عليهم مذاك أن يكونوا ممثلين ومدافعين عن أعضاء نقابتهم فحسب..
بالأمس (26/7/2011) كان يتوجب على أعضاء مجلس الفرع أن يكونوا على رأس اعتصام محامي دمشق المطالب بإعادة الهيبة والمكانة الحقيقية للمحامين ونقابتهم، إلا إن تبعية النقابات باتت قيداً، حولهم من مدافعين عن حقوق هؤلاء المعتصمين، إلى واقفين بوجههم، منددين ومهددين!
إن المحامين في سورية جزء من هذا الوطن دون شك، يهمهم ما يهم الوطن، يفرحهم ما يفرحه، ويحزنهم ما يحزنه، كانوا ومازالوا يمثلون المجتمع بكل أطيافه، ويسعون ليبقوا كذلك..
لكن إن كانت نقابتهم التمثيلية لم تعد تستطيع أن تمثلهم، ولم تعد تستطيع الدفاع عن حقوقهم، لم تعد تستطيع الإفراج عمن يعتقل منهم، لم تعد قادرة على الاستماع لهم، لا بل على العكس، سخرت من نفسها أن تكون حجرة عثرة تقف في وجه من يريد الحرية منهم، فأولى بها أن تتنحى وتترك الساحة لمن يستطيع أن يمثل المحامين ويمثل مطالبهم..
رؤوساء دول ووزراء وحكومات تسقط على يد شعوبها، أفيعجز المحامون أن يسقطوا نقابة لا تعبر عنهم، بل تقف في وجههم..
في بلد من بلدان العالم المتحضر قد يعتصم محامون، تعجز نقابتهم عن تلبية مطلبهم – بإطلاق سراح زملائهم – فتجتمع قيادة النقابة، وتخرج لتعلن استقالتها لعجزها عن تلبية مطالب أعضائها..
ولكن في بلد كبلدنا سيجتمع أعضاء النقابة ليروا سبيلاً يسراً يستطيعون فيه التخلص بأقرب فرصة من أولئك المعارضين الذي اعتصموا في سبيل مطالبهم، فالتحدي بات عظيماً، والسؤال الذي حيرهم: كيف جرؤ البعض على الإقدام على التحدي؟! فالقاعدة التي انقرضت مازالت عندهم ( من يجرؤ؟)..
إن في القوانين الحالية غير المعدلة طرقاً كثيرة تحل من خلالها النقابات، ولعل في القوانين الإصلاحية الكثيرة القادمة ما يكون أكثر وأيسر، فتعبير النقابيين عن آرائهم لن يتم من خلال منظومة نقابية عاجزة عن مواكبة العصر والحريات، فقد يكون حل النقابات والبدء بانتخابات حرة ديمقراطية طريقاً جديداً لعودة النقابيين إلى صوابية طريقهم..
ومن يقرر ذلك لاشك أنهم أعضاء تلك النقابات، إن كانوا محامين – كما هو المثال – أو غير ذلك من أعضاء النقابات..
ولن ننسى في ظل ذلك أن نستذكر أن إطلاق النقابات وتحريرها لا بد أن يترافق بإزالة كل ما قد يربط بين النقابات وبين سلطة أو حزب مهما كان وكيفما كان..
فإما أن تتحرر النقابات وتمثل أعضاءها ذلك التمثيل المفترض، وإما إن هؤلاء النقابيين سيجدون في سبيل الوصول إلى مبتغاهم مالا يعجز معه من كان اسمه في التاريخ .. حملة الحق وأهله!!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.