ندوة قاسيون حول: ارتفاع الأسعار الأسعار تهز الحكومة...وتفضح عجزها، وتكشف المستور القيمة الفعلية للأجور تتدنى.. والأسعار ترتفع بسرعة قياسية

استيقظت الحكومة السورية من سباتها الاقتصادي والاجتماعي على لهيب الأسعار التي أحرقت نارها الأخضر واليابس في جيوب المواطنين، وضربت الحكومة في نقاشها وشرحها لأسباب ارتفاع الأسعار مثالاً للعجز الاقتصادي، والهرب من المسؤولية الاجتماعية، فابتاعت من دكان التصريحات ما تيسر لها وبأرخص الأسعار وبدأت تزايد عليه أمام المواطنين، المناخ، والوافدين، والاستيراد، والغاز والمازوت، وما إلى هناك من شماعات لتعليق الأسباب السطحية عليها والهروب من الأسباب الحقيقية لمشكلة ارتفاع الأسعار، وكانت الكارثة الكبرى في جلسات الحكومة هو إجماعها على أن هناك تحسناً في مستوى معيشة المواطنين... وهو ما تخالفه الحقائق الاقتصادية الواقعية جملة وتفصيلاً...
وها هي قاسيون كعادتها في مجاراة الحدث، وقراءته وتحليله، تدير ندوة حوارية بين مجموعة من المختصين الاقتصاديين للوقوف على حقيقة ارتفاع الأسعار، ولشرح الأسباب الحقيقية للمواطنين التي سببت هذه المشكلة فكان لها  الآتي، وقد شارك في هذه الندوة كل من:

·الدكتور عصام الزعيم: وزير سابق، ومدير المركز العربي للدراسات الإستراتيجية .
·الأستاذ عزت الكنج: نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال .
·الأستاذ غسان قلاع: نائب رئيس غرفة تجارة دمشق .
·الدكتور غسان إبراهيم: أستاذ في كلية الاقتصاد، وباحث اقتصادي .
· الدكتور قدري جميل: رئيس تحرير جريدة قاسيون .
· أدار الحوار الباحث الأستاذ حمزة المنذر.

قاسيون:

أهلاً وسهلاً بكم في هذه الندوة التي سيكون هدفها الأساسي معالجة قضية وحديث الساعة، بشكل علمي ومسؤول وشفاف، ألا وهو الارتفاع الجنوني للأسعار، والذي مازال مستمراً حتى الآن، وسيكون عنوان ندوتنا الرئيسي هو هل ارتفاع الأسعار الجنوني أزمة عابرة ودورية أم أنها أزمة دائمة لها دلالات أخرى، وخاصة بعد أن قدمت الحكومة رزمة من الأسباب لتبرير ارتفاع الأسعار والتي تبدو بعيدة كل البعد عن المنطق الاقتصادي كأن تقول بأن ارتفاع الأسعار ناتج عن الزيادة السكانية وسوء الأحوال المناخية،والتحسن النسبي في دخول المواطنين، وقدوم وافدين جدد بأعداد كبيرة يحملون قوة شرائية كبيرة، وكأن السياسات الحكومية لا علاقة لها أبداً بارتفاع الأسعار، وكأنها خارج اللعبة أو المعادلة.

لنبدأ بسؤال عام موجه لجميع السادة الحاضرين عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة لارتفاع الأسعار، كيف تنظرون لهذا الارتفاع؟
على هذا السؤال أحاب الدكتور قدري جميل بالقول: نحن في قاسيون حذرنا بأن الارتفاع لم يقتصر فقط على ارتفاع المواد الغذائية، فالموجة عامة وقد بدأت بالعقارات التي بدت كإنذار مبكر وانتهت بالبندورة، فالارتفاع إذاً كان عاماً، أما سبب ارتفاع أسعار العقارات فقد كان ناتجاً عن ضخ كتلة هائلة من الأموال وبسعي من الحكومة إلى داخل الاقتصاد السوري، وهي أموال البترودولار بالدرجة الأولى، وهذه الكتلة لم يقابلها كتلة سلعية لذلك كنا قد حذرنا بأن هذه الوزمة التخضمية ستظهر آثارها خلال سنة وعلى مجمل الأسعار، وقد تجاهلت  الحكومة ذلك التحذير بحجة أنها تعتبر استثمارات وستجلب الملايين، وهذا الكلام غير صحيح ولكن لم يقابله أي كتلة سلعية إنتاجية.
من جهته يرى الدكتور غسان ابراهيم أن ظاهرة ارتفاع الأسعار تعود إلى الخلل بين نمو الكتلة السلعية والناتج المحلي الإجمالي،  فنمو عرض النقود في سورية، وبمقارنته مع نمو الناتج المحلي الإجمالي، قد ازداد منذ أعوام السبعينيات وحتى أعوام الألفين بمقدار 13 مرة  بينما نما الناتج المحلي الإجمالي أربع مرات. ومن وجهة نظر علم الاقتصاد السياسي فإن هذه العلاقة الخاطئة تفسر بشكل مباشر ودائم ظاهرة ارتفاع الأسعار.

أما الأستاذ غسان القلاع فهو يعتقد أنه فيما يتعلق بمستوى المعيشة، فإن كل نقطة في نقاط مستوى المعيشة قد ارتفعت وازدادت، من أجور المواصلات، إلى أسعار الأدوية، والخبز، والغاز، وإيجار السكن، وفواتير الكهرباء والهاتف، وبعض أنواع الفواكه التي أصبحت حلماً في الكثير من البيوت لكن السؤال هو: هل هذه القضية هي تابعة لجهة واحدة فقط ذات مزاجية عجيبة تدفع الأسعار كيفياً؟
فيما يقول الأستاذ عزت الكنج بأنه ليس مع تبريرات الحكومة على الإطلاق بشأن ما قالته حول أسباب ارتفاع الأسعار، فالطقس هذه السنة بالنسبة للزراعة بالذات كان عاملاً مساعداً كبيراً لزيادة الإنتاج وخاصة في البيوت البلاستيكية حيث لم يحدث صقيع، ولم تسقط ثلوج بكثافة، ولم تأتِ موجة مناخية قاسية، ولم تنقطع الكهرباء عن البيوت البلاستيكية، وبالتالي إسناد ارتفاع الأسعار إلى العوامل المناخية هو إسناد غير طبيعي وغير موضوعي.
وأخيرا يعتقد الدكتور عصام الزعيم أن السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار هو دور العملاء، بل والوسطاء والذين يسيطرون على العملية الاقتصادية، وليست تكاليف الإنتاج، وبالتالي فإن جشع هذه الجهات أدى إلى ارتفاع الأسعار، أما بالنسبة للسلع المصنعة فإن ارتفاع أسعارها لا يعود لأسباب خارجية، بل لأسباب تتعلق بالتمركز والاحتكار في عدد من القطاعات والمؤسسات الرئيسية، أي بدقة أكبر التمركز في مستوى الإنتاج والتوزيع.
قاسيون: لنبدأ مع د. قدري جميل كي يوضح لنا من وجهة نظره أسباب ارتفاع الأسعار بهذا الشكل في الفترة الأخيرة:

د. قدري جميل

أعتقد أن نقطة الانطلاق في تحليل ارتفاع الأسعار، يجب أن تكون من مستوى المعيشة، ذلك المؤشر المركب من مؤشر أسعار ومؤشر أجور، فالأسعار تتطور وفق منحى خاص بها، والأجور تتطور وفق منحى آخر خاص بها أيضاً، وإذا درسنا مؤشر الأسعار وحده فهو بحد ذاته لا دلالة اقتصادية واجتماعية واضحة له، وإذا درسنا مؤشر الأجور وحده فهو ليبس له دلالة اقتصادية واجتماعية خاصة به أيضاً، ولكن إذا جمعنا ونسبنا المؤشرين إلى بعضهما بعضاً، عندها نحصل على دلالة اقتصادية واجتماعية، اسمها مؤشر مستوى المعيشة.
فإذا كانت الأسعار تتطور بسرعة أكبر من مستوى تطور الأجور فهذا يعني أن القيمة الفعلية للأجر تتدنى حتى لو ارتفعت قيمته الاسمية، فوظيفة الأجر هي أن نحصل به على حجم معين من المواد والخدمات، فإذا حصلنا على مواد وخدمات أقل رغم زيادة الأجر الاسمية عندها يعني أن الأجر الحقيقي قد انخفض،  وقياس هذه المعادلة إنما يتطلب تحديد سلة لسلع المستهلك بشكل دقيق وحقيقي وشفاف وعلني

قاسيون: لكن المكتب المركزي للإحصاء لديه سلة سلع للمستهلك فلماذا تطالب بها إذاً؟ 
د. قدري: على الرغم من أن المكتب المركزي للإحصاء، لديه سلة استهلاك، إلا أن هذه السلة بحاجة  لتقييم لمعرفة كم هي دقيقة من حيث التكوين، كما أنني لست واثقاً أن هذه السلة بتثقيلاتها هي صحيحة، أي أنني لست متأكداً من أن الوزن النوعي لكل مادة في السلة  هو وزن صحيح، وذلك لأن هذه السلة قد بنيت منذ زمن طويل، وخلال هذه الفترة، أي من عدة عقود إلى الآن، قد تغير الوزن النوعي للمواد، لأن تركيبة تلك السلة الاستهلاكية تتغير مع تغير مستوى المعيشة ومع تغير الأزمان والأنماط في الحياة، وهو ما يفقد السلة الحالية مصداقيتها، وهنا أريد أن أوكد على أن بناء هذه السلة ومتابعتها ليس فتحاً علمياً كبيراً، إنما هو قضية بسيطة جداً، إن هذه السلة تشكل ما يمكن أن أطلق عليه ميزان حرارة المجتمع، والسؤال الآن لماذا لا يوجد لدينا مثل هذا الميزان؟ ومن هو المستفيد من غيابه؟

قاسيون: وما علاقة ذلك بالحد الأدنى للأجور وتكاليف المعيشة؟
د. قدري: تدل الإحصائيات الحديثة على أن الحد الأدنى للأحر لا يغطي إلا حوالي أقل من ثلث الحد الأدنى لمستوى المعيشة، ( المحسوب وفقاً للسلة ) فالحد الأدنى للأجور الآن هو 7 آلاف ليرة شهرياً في حين أن الحد الأدنى لمستوى تكاليف المعيشة كان 18 ألف ليرة شهرياً سابقاً، والآن وبعد موجات ارتفاع الأسعار الأخيرة ارتفع هذا الحد إلى 21 ألف ليرة شهرياً، فتخيلوا هذه الهوة الشاسعة وهذا التراجع في القوة الشرائية للمواطنين.
والسؤال إلى أي مدى يمكن  أن تستمر الفجوة بين الأسعار ومستوى المعيشة؟  أليس ارتفاع الأسعار في نهاية المطاف هو شكلاً من أشكال زيادة الأرباح، وعندما تزيد الأسعار وتنخفض الأجور، وتنخفض القوة الشرائية للمواطنين، فهذا معناه أن الأرباح قد زادت في مكان يجب أن نبحث عنه، وإن ما فاجأني مؤخراً، هو الرقم الذي لم ينشره المكتب المركزي للإحصاء والذي ينص على أن نسبة الأجور من الدخل القومي لا تتجاوز 12% في حين تصل نسبة الأرباح إلى 88% منه، مع العلم أن عدد  العاملين بأجر بالقطاع الخاص والعام يصل إلى 3.3 مليون عامل، وقد كان مجموع أجور هؤلاء 2005 113.5 مليار، وهم يعيلون 11 مليون شخص وفق نسبة الإعالة التي تبلغ في سورية 4.1 شخص.

قاسيون: وهل يشكل هذا خطرا على الاقتصاد، وكيف؟
د. قدري : بالطبع، فهناك خطر اقتصادي حقيقي ممثلاً بانخفاض الأجور إلى هذه النسبة المريعة والتي لم يشهد لها التاريخ الاقتصادي في سورية مثيلاً، ففي أعوام السبعينات كانت نسبة الأجور في الدخل الوطني تصل إلى30 %– 35%، ثم أصبح المنحى العام للأجور يأخذ شكل خط بياني هابط،  وبالتالي فإن هذه النسبة سوف تنعكس على الدورة الاقتصادية بشكل عام، وسوف تنعكس على السوق، وعلى الدورة المالية والنقدية، إن انخفاض القوة الشرائية يعني انخفاض الطلب، وانخفاض الطلب يعني انخفاضاً في الإنتاج، وهو ما سيؤثر سلباً على المنتجين والمستهلكين في آن معاً.
وهنا أريد أن أقول: بأن الاقتصاد ككيان له قوانينه الموضوعية فإن لم نحترمها فستنتقم منا وأحد هذه القوانين هو القانون المتعلق بالكتلة النقدية (وهو يرتبط بالإصدار النقدي الداخلي) والكتلة السلعية (وهو يرتبط بالكتلة الإنتاجية)، والتوازن بين هذين المتغيرين أو المؤشرين، ذلك التوازن المفقود في ظروف الاقتصاد السوري،  وإذا أردنا التحدث حول أسبابه غير المباشرة، أو أسبابه البعيدة فنجد أن هذا التوازن قد تم خرقه وما يزال، فالعلاقة بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية هي سرعة دوران النقد التي كانت في سورية في أواسط السبعينيات حوالي 3.6 دورة بالسنة، أما اليوم فهي  1.3 دورة بالعام، فالكتلة النقدية تتطور ضعف تطور الكتلة السلعة، وهذا له ثمنه، والثمن الذي يدفع هو ارتفاع الأسعار.

قاسيون: ما رأيك بتصريحات الحكومة حول مشكلة ارتفاع الأسعار؟
د. قدري: عندما قالت الحكومة في تصريحاتها إننا تفاجأنا ولم نكن غافلين عما يجري، فهي على العكس من ذلك كانت نائمة ولم تنتبه إلى تنبيهات الاختصاصيين، والباحثين  الذين كانوا قد توقعوا هذه الموجة من ارتفاع الأسعار منذ أكثر من ستة أشهر، وهذا كله لم يكن  ليحصل لولا وجود خلل بنيوي بين الأجور والأرباح، لذلك فالخطر في سورية الآن يكمن في المبالغة في تخفيض كتلة الأجور من الكتلة العامة للدخل الوطني، أي من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يؤدي عملياً لتخفيض الطلب واستحالة إعادة إنتاج قوة العمل، وهذا يعني التوقف عن الإنتاج، ألا يعني عدم وجود استهلاك شعبي واسع التوقف عن الإنتاج؟ وبالتالي فإن عملية الخلل البنيوي بين الأجور والأرباح وضخ كتلة نقدية غير منطقية بالعجلة الاقتصادية قد أعطت مفعول الانفجار، وهنا أكرر سؤالي مرة أخرى هل هذه الأزمة عابرة أم أن هذه الأزمة عضوية وتعكس خللاً خطيراً وتتطلب إعادة النظر بإحداثيات المعالجة؟ فمنذ زمن كنا نعالج الأمور بإجراءات رقابية وبعض الأمور الأخرى، أما الآن فهل بإمكاننا حل هذه الأزمات كما سبق؟  أرى بأن المشكلة أكبر مما تتصوره الحكومة فهي مشكلة بنيوية، والإجراءات السابقة لم تعد صالحة للحل، بل يجب التفكير بنظام إحداثيات جديد.

قاسيون: لماذا الإصرار على الخلل بين الأجور والأرباح؟
د. قدري: إن الخلل بين الأجور والأرباح خلق الشرط الضروري للمشكلة فأتت الاستثمارات الريعية وأعطته الشرط الكافي حتى تظهر، لذلك لم يعد لدينا حل إلا بإعادة التوازن بين الأجور والأرباح وهذا بالظروف السورية الملموسة طريقة واحدة وهي القضاء على موارد الفساد التي ستعيد الأنفاس للدورة الاقتصادية، وتعيد التوازن إلى السوق وإذا تحدثنا عن أرباح الفساد والنهب وكيفية معالجة هذه القضية، سنتوصل إلى نتيجة مفادها أن هذه الأرباح تخرج من الدورة الاقتصادية كلها، وتمنع عملياً تأمين موارد من أجل تحسين الكتلة الأجرية ومستوى المعيشة. نحن أمام نقطة انعطافية، إما أن نأخذ القرارات والإجراءات الجدية وأما فإن القوانين الموضوعية ستظل تفعل فعلها وسنكون عاجزين عن مواجهة الوضع وكل تبعاته الاقتصادية والاجتماعية ومن ثم السياسية، وإذا اتفقنا بأن الاقتصاد هو خط مواجهة حقيقي وأمامي فإن معركة هامة ستحسم من المعارك التي لها علاقة بسورية وحول سورية.
قاسيون: ننتقل إلى الدكتور غسان إبراهيم، أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق لمعرفة وجهة نظره في مشكلة ارتفاع الأسعار

الدكتور غسان إبراهيم

بناءً على مجموعة من المحددات التي أرى أنها أوسع بما لا يقاس من سلة السلع  والرواتب والأجور والأسعار، والتي تحدد مستوى المعيشة كما ركز عليه د. قدري جميل في مداخلته، بناءً على محددات أوسع من ذلك، أود أن أقول إن مستوى المعيشة يتعلق بالجوانب الروحية أيضاً بقدر تعلقه في الجوانب المادية، وخاصة في القضايا المعنوية والأخلاقية والنفسية والفكرية، والتي هي عماد تطور المجتمع أيضاً، بمعنى آخر إن مستوى المعيشة هو هدف أي إدارة اقتصادية، أو نظام اقتصادي،أو سياسي في أي دولة على الإطلاق، وبالتالي يكون السؤال الأساسي الذي يواجه ذلك النظام هو: ما هي الآليات والطرائق الإستراتيجية الرامية إلى رفع مستوى المعيشة المادي والروحي على السواء.
 وأنا أعتقد أن مستوى المعيشة يجب أن يتحدد من خلال المقولة التالية: إن مستوى المعيشة هو نتيجة الوضع الاقتصادي وحصيلته النهائية،  وأنا أفترض أن الوضع الاقتصادي دائرة فيها مجموعة من العناصر التي لا تعد ولا تحصى، يأتي في مقدمتها الاستثمار، من حيث حجم الاستثمار وكفاءة الاستثمار، ثم الادخار ممثلاً بحجم الودائع وبنسبة هذه الودائع إلى الناتج المحلي الإجمالي، ثم الاستهلاك أو الإنفاق وحجم الإنفاق، ثم التوزيع والرواتب والأجور، وبالتالي فإن العلاقة والتفاعل بين كل هذه العناصر يجب أن يعبر عنها في النهاية بمستوى المعيشة المادي وغير المادي.

قاسيون: هل توافق د. قدري على قضية التوازن بين الكتلة السلعية و الكتلة النقدية وأثرها على الأسعار؟
 ما تفضل به د.قدري صحيح، وأوافق عليه وأريد أن أوضح نقطة أخرى متعلقة بعمليات الائتمان المصرفي، فإذا أخذنا عامل الائتمان أو التسليف في سورية (الذي يؤثر على العرض النقدي) نجد أنه  يلعب دوراً هائلاً في عملية ارتفاع الأسعار،  فكما تقول الخطة الخمسية العاشرة،  فإن حوالي 40% من تسليفات القطاع العام المصرفي  تذهب إلى القطاع التجاري، و21% منها إلى الزراعة وحوالي 4% فقط إلى القطاع الصناعي، وطالما أن الإنتاج السلعي يأتي من الصناعة والصناعة لا تحصل إلا على أقل النسب من التسليفات فمن أين ستأتي  زيادة الإنتاج السلعي إذاً؟ وإذا كانت الزراعة تحصل على 21% من تلك التسليفات فلماذا حدثت عندنا أزمة أسعار في الخضار والفواكه والمنتجات الزراعية؟ وهل يعقل أن تذهب 4% من التسلفيات الحكومية إلى الصناعة والصناعة شئنا أم أبينا أساس وقلب مركز التطور الاقتصادي في أرجاء العالم قاطبة وليس هناك من استثناء أبداً،  فحتى في اسبانيا التي يأتي 60 – 70% من دخلها من السياحة هي دولة صناعية بامتياز

قاسيون: كأنك تركز على جانب العرض في حديثك؟
ً بالفعل، إن جوهر حديثي يركز على جانب العرض، أي على الحجم، وليس على جانب الطلب، أي لا على الأجور ولا على الأسعار، وسنلاحظ ذلك من خلال البحث عما إذا يمكن أن تزيد الأجور الحقيقية أو الفعلية من خلال زيادة الإنتاج الحقيقي، وهو ما نحن بعيدون عنه جداً، فالمسألة من وجهة نظري هي مسألة عرض أولاً وأخيراً، وهو متعلق بما أسميه احتكار العرض أو احتكاراً عاماً.
إن زيادة الطلب الحالي على السلع والخدمات تعني أن هناك أرباحاً كبيرة متضمنة في تلك الأسعار العالية، والمشكلة أن زيادة الإنتاجية وزيادة الطاقات الإنتاجية والتي هي مسألة معقدة جداً لا تحصل لدينا، وبالتالي إذا كان لدينا هذا الطلب، أو هذه الكتلة النقدية الكبيرة، وما يزال العرض على هذه الشاكلة، فعندها يمكننا أن نرفع  الأجور لا من خلال زيادة الكتلة النقدية بل من خلال زيادة الإنتاجية، عندها تنخفض الأسعار، وتزيد القدرة الشرائية والأجور الفعلية، وهذا طبعاً من وجهة نظر الاقتصاد السياسي، وعندها تصبح كمية النقد كنقد لا معنى لها، وإنما يتحدد معناها بمقدار كمية السلع والخدمات التي كان المستهلك يحصل عليها في عام 2000 مثلاً مقارنة مع كميات السلع والخدمات التي أصبح يحصل عليها عام 2007، هذا هو المجاز العلمي والحقيقي للأجر في كل دول العالم، وليس المجاز هو مقداراً رقمياً ثابتاً  للأجر مثل 30 ألف أو 40 ألف وحدة نقدية.
أود أن أشير إلى نقطة تحدثت عنها في ندوة الثلاثاء الاقتصادي سابقاً ألا وهي اعتماد «مذهب اقتصادي جديد» يكون بمثابة مرحلة انتقالية جديدة للاقتصاد السوري، ويؤسس لمراحل لاحقة من التطور الاقتصادي والاجتماعي الحقيقي، وتكون له أدواته الاقتصادية  والاجتماعية الفاعلة، والمؤسسة منطقيا على قواعد ومبادئ علم الاقتصاد السياسي، لا أن تكون مؤسسة على التجريب العشوائي في الاقتصاد.

 قاسيون: ما رأيك بقضية الرقابة التموينية التي تحدث عنها وزير الاقتصاد لضبط ارتفاع الأسعار؟
إذا أردت الانتقال إلى موضوع الرقابة التموينية، وخاصة بعد التصريح الذي أدلى به وزير الاقتصاد حول عدد المراقبين التموينيين عندما قال: إن كل عناصر الرقابة التموينية لا تكفي لمحافظة واحدة فقط. فأنا أعتقد أن الرقابة التموينية ليست بعدد العناصر والمراقبين، بل هي شيء معنوي بحت، شيء له هيبة خاصة به، كالأمن السياسي، والأمن الاجتماعي، وهذا لا يعني توزيع آلاف العناصر على المحافظات السورية حتى يتم ضبط الأسعار، لأن هذا شيء مستحيل، فكما قال لينين: إذا كان هناك نقص ما بالبضائع والسلع وتم وضع كل عسكري على الحدود وبجانبه عسكري آخر فإن عملية تهريب البضائع ستتم من الخارج إلى الداخل بفعل الأواني المستطرقة.

قاسيون: هل تعتقد بأن الدولة تتدخل في الأسواق لحماية المنتجين والمستهلكين؟
من الملاحظ أن الدولة لم تتدخل لا في جانب العرض ولا في جانب الطلب، فعندما يكون هناك فائض في الخضار مثلاً سواء في درعا أو الساحل أو بعض المناطق الأخرى، نجد أن الدولة لا تتدخل أبداً في الأسواق لحماية المنتجين، وعندما تنخفض أسعار تلك المنتجات كثيراً  لا تعوض الدولة الفلاح حتى عن تكاليف إنتاجه على أقل تقدير، وعدم تدخل الدولة لحماية المنتجين أدى إلى تغير الموسم من قبل المزارع، الأمر الذي أدى في النهاية وعلى المدى الطويل إلى انخفاض عرض العديد من المنتجات الزراعية فارتفعت أسعارها وكان المتضرر الوحيد من هذه العملية هو المواطن نتيجة انخفاض العرض وارتفاع الطلب، كما لعب احتكار التجار الدائم للمواد، والحلقات الوسيطة مثل تجار الجملة دوراً كبيراً في هذا الارتفاع.

قاسيون: هل تتناسب ظاهرة ارتفاع الأسعار مع ما تطرحه الحكومة في الانتقال إلى اقتصاد السوق الاجتماعي؟
إذا كانت هذه الظاهرة مقدمة لاقتصاد السوق الاجتماعي فهي مقدمة خطيرة جداً وإذا كانت بداية التحول إلى هذا الاقتصاد هي هذا الارتفاع الهائل في الأسعار وهذا التدني في مستوى المعيشة فإننا أمام مشكلة كبيرة وخطيرة معاً، وتدل في الوقت ذاته على فشل السياسات الحكومية في تبني هذا النمط من الاقتصاد.
قاسيون: ننتقل الآن إلى الأستاذ غسان القلاع نائب رئيس غرفة تجارة دمشق لمعرفة رأيه بموجات ارتفاع الأسعار الأخيرة.

الأستاذ غسان القلاع:

دعوني أبدا بالقول إنني أنتمي إلى القطاع الخاص الذي هو المتهم الدائم، والجاهز لنعلق عليه كل ما يحصل من أخطاء أو نقص في المعالجة، الخلل ليس من القطاع الخاص حصراً، وليس القطاع الخاص الجهة الوحيدة المسؤولة عن هذا الخلل، بل هناك عناصر متعددة هذه الحكومة جزء أو طرف فيها.
وحتى لا أخرج عن الموضوع والذي هو مستوى الأجور ومستوى المعيشة ومتوسط الأسعار الحالية، أقول أننا في سورية نعاني منذ 1985 وحتى الآن نعاني من تدني مستوى الأجور، والدليل إن الرواتب التي تدفع من ضريبة الدولة احتاجت إلى زيادات غير عادية أصدرتها السلطات الحكومية خلافاً لسلّم زيادة الرواتب، وهذا يعني أن هناك خللاً في الرواتب أو الدخل طبعاً، فزيادة الكتلة النقدية في يد المواطن لا تعني أنه يستطيع الحصول على كمية من السلع تتناسب مع حاجاته اليومية، وهذا الخلل استمر من سنة لأخرى، ولم يتماش مع نسبة التضخم، ففي عام 1985 كانت قيمة الدولار (5) ليرات سورية، وبقفزات متعددة أصبح سعره خمسين ليرة أي أنه ازداد عشرة أضعاف عن قيمته، والسؤال هل زادت الرواتب أيضاً عشرة أضعاف عما كانت عليه بعام 1985؟بالطبع الجواب هو لا، وبالتالي فإن الكتلة النقدية الموجودة أو الراتب الذي يتقاضاه المواطن لم يمكّنه من مواجهة الأعباء اليومية التي يحتاجها، ولا من شراء كمية السلع. في السابق كان المواطن أو العامل بإمكانه شراء الكثير من السلع براتبه أما الآن فلا يمكنه ذلك أبدا وفق راتبه الحالي. وأريد أن أقول إن الرواتب تشكل عنصراً هاماً في قائمة تكلفة الإنتاج الصناعي أو الزراعي، ويجب أن لا نغالي كثيراً بتقديرها لأنها سترفع من أسعار السلع وتنصب على قائمة التكلفة شئنا أم أبينا.

قاسيون: ماذا تقول في تصريحات الحكومة عن أسباب ارتفاع الأسعار؟
إن ما نشرته الصحافة حول النقاط التي بررت بها الحكومة ارتفاع الأسعار، إنما هي  تبريرات غير موضوعية أبداً، وغير مقنعة على الإطلاق، وكان من الأجدى بالحكومة أن تسمح للجميع في أن  يشارك في شرح أسباب ارتفاع الأسعار، أي أن تسمح لعدد كبير من المواطنين ومن مختلف الأطياف الاجتماعية للمشاركة في نقاش هذه المشكلة،  فهذه القضية لا تخص فقط عمل هيئة تخطيط الدولة، أو وزارة الاقتصاد،  إنما تخص كل مواطن ومن مختلف شرائح المجتمع، وعليه  يجب أن يكون له رأي في هذه المسألة ورأي في موضوع الأجور والأسعار، وأريد أن أقول إن الأسعار قد زادت في الآونة الأخيرة بسبب عدة عوامل كثيرة تعرفها الحكومة ولم تنشرها ولم تصرح عنها.

قاسيون: هل لنا من معرفة بعض هذه العوامل؟
أريد أن أوكد لكم أن إحصاءات الجمارك تثبت أن هناك مائتي سيارة شحن تخرج يومياً من سورية إلى العراق محملة بالخضار والفواكه، بموجب بيانات رسمية وهناك أيضاً بحدود 50% منها يغادر ببيانات غير رسمية كالسيارات التي تحمل صهاريج مياه بلاستيكية وبداخلها «البيض والبندورة...»، صحيح أن الكتلة البشرية التي دخلت سورية تنفق بالدولار الذي يشكل أحد أهم عوامل الدعم لليرة السورية لكن هناك أسباباً أخرى أهم من هذه،  فمثلاً من يملك قرار منع تصدير «اللحوم»؟ أليس المواطن السوري أحق بالشبع من مواطني البلدان الشقيقة؟
وعلينا أن لا ننسى بأن معظم سلعنا مستوردة وتتأثر بالبورصات العالمية كمادة السكر والرز الذي كنا السبب في ارتفاع أسعاره بدولة مصر نتيجة شرائنا كميات كبيرة منه، ومع ذلك فإن أسعار الرز عالية، كما يجب علينا التفكير بالمواد المتعلقة بأسعار المازوت فكم مادة ازداد سعرها جراء ارتفاع أسعار المازوت؟ وأنا هنا أؤكد على دراسة العوامل التي أدت إلى ارتفاعات الأسعار، والحكومة قادرة بما تملك من سلطة وصلاحية في الرقابة التموينية وفي قمع ارتفاعات الأسعار ولكن أتمنى دراسة الأسباب قبل استعمال المكافحة الشديدة والعنيفة.
قاسيون: ننتقل إلى الأستاذ عزت الكنج نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال لمعرفة رأيه في مشكلة ارتفاع الأسعار.

الأستاذ عزت كنج:

بالنسبة للتصدير فإن قرار منع تصدير أية سلعة، وخاصة اللحم، هو قرار بيد الحكومة لأن جميع المواد التي ارتفعت أسعارها ذات إنتاج محلي، والدكتور غسان أشار إلى نقطة أساسية جدا،ً فبعض المنتجات المدعومة من الدولة هي محاصيل استراتيجية كالقمح والقطن، ولكن في الوقت نفسه هناك محاصيل آنية يحتاجها المواطن يومياً «الخضار والفواكه والزيت»، لكن هذه المحاصيل غير مدعومة حتى الآن ولا تتدخل الدولة لحماية منتجيها والمثال الدائم لذلك هو محصول الحمضيات وأزمة تسويقه وأسعاره في بداية كل موسم، لذلك أنا أعتقد أنه يجب إحداث صندوق لدعم المنتج وتشجيعه، لأن تبني اقتصاد السوق الاجتماعي يتطلب تدخل الدولة في هذا النهج من الاقتصاد ليبقى التوازن بين السوق والبعد الاجتماعي موجودا، في هذا النموذج الاقتصادي، أما إذا بقيت الأمور كما هي عليه الآن فإن الفقراء في هذا الوطن سيدفعون الثمن.

قاسيون: هل تعتقد بأن نتائج مشكلة ارتفاع الأسعار ستكون اقتصادية فقط؟
أعتقد أننا إذا أعطينا العملية أكثر مما نشاهده ونعيشه ونسمعه، فإن هناك من يعمل في الطرف الآخر من المعادلة ليجعل سورية تدفع فاتورة مواقفها السياسية، وإذا أعطينا هذا البعد أكثر من ذلك فإن معالجة ارتفاعات الأسعار بالنسبة لجميع المواد بما فيه العقارات تحتاج إلى تضافر جهود كل الشرفاء على مستوى الرسمي والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني، وكل قوى الحراك السياسي في سورية فهذه الارتفاعات ليست آنية أو طارئة ونحن ملزمون كاتحاد لنقابات العمال بالوقوف مع جميع هذه الهيئات لمواجهة هذه الظاهرة ودراسة أبعادها وتحديد أسبابها بدقة ووضع حلول لها، وأقول إنه عندما تبنت الدولة في المؤتمر القطري العاشر للحزب نهج اقتصاد السوق الاجتماعي إنما انطلقت من قناعتها الكاملة أن هذا النوع من الاقتصاد سيحقق تنمية حقيقية للبلد وسيحقق عدالة في توزيع الناتج القومي، وهذا الكلام يجب إسقاطه عملياً على الأرض.
وصراحة إن ما ذكر من السادة الأفاضل في هذه الندوة يصب في خانة تلمس الغيرية الكاملة على هذا الوطن الحبيب.
قاسيون: ننتقل الآن إلى الدكتور عصام الزعيم مدير المركز العربي للدراسات الاستراتيجية لمعرفة رأيه حول مشكلة ارتفاع الأسعار.

د. عصام الزعيم

في إطار التحول نحو اقتصاد السوق، وفي إطار الانفتاح الاقتصادي الذي تشهده سورية، لا بد وأن تقع العديد من الضغوطات الاقتصادية عليها، وهذا يعني أن هناك حاجة لتخفيض تكاليف الإنتاج من أجل تحقيق المنافسة الداخلية والخارجية، فالانفتاح من ناحية الاستيراد أدى إلى ارتفاع الأسعار الداخلية بشكل واضح باستثناء بعض الحالات وحسب طبيعة السلعة، لذلك فالأسباب القريبة لمشكلة ارتفاع الأسعار يمكن الاتفاق عليها، ويمكن تحديدها بسهولة ولكن كيف نحدد  الأسباب البعيدة لهذه المشكلة؟ وهل هي أسباب بنيوية أم ظرفية؟ في الحقيقة أنا مع الرأي القائل بأن أسباب ارتفاع الأسعار هي أسباب بنيوية تتعلق بهيكل الاقتصاد العام. فلقد كان التضخم في سورية بين عامي 2003 – 2004 تضخماً زاحفاً، يسير ببطء ثم انتقلنا في عام 2006 إلى التضخم المتسارع، وبعدها انتقلنا من التضخم الأحادي الخانة إلى التضخم ثنائي الخانة، والذي ترون مظاهره الآن في كل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية السورية. إذاً هناك تضخم يتسارع منذ مدة ويزداد الآن ويتضح ذلك من خلال ارتفاعات الأسعار (مواد غذائية، السكن والأراضي الزراعية) وهناك ارتفاعات في الأسعار وصلت إلى 100% فالتضخم هو سبب أساسي في تدني القوة الشرائية، وفي ارتفاع الأسعار، إلى جانب عدم زيادة الأجور، والحكومة تقول إن هناك ازدهاراً اقتصادياً وأظن العكس تماماً لأن هناك ركوداً، وإن وجد هناك ازدهار فهو في بعض القطاعات كما قال د. قدري مثل القطاع العقاري والسياحي، وليس في قطاع الإنتاج المادي،  الذي يعمل على توليد موارد جديدة وفرص عمل جديدة.
قاسيون: هل تعزو سبب ارتفاع الأسعار إلى ازدياد تكاليف الإنتاج؟
المشكلة الأساسية هي عدم وجود آلية حول التوفيق بين زيادة الأجور وزيادة الأسعار والضبط بينهما، وهذا عامل أساسي لاختلال التوازن بين الأجور والأرباح على مستوى الدخل القومي بل هناك عدة عوامل أخرى ساعدت على زيادة الفجوة بين الأجور والأسعار والأرباح، وبرأيي أن أساسها هو التنافس الدولي والداخلي، فإلغاء الحواجز الجمركية نتيجة تحرير التجارة مع الدول العربية أدى إلى اشتداد المنافسة داخل السلع الوطنية والضغط على الإنتاج الوطني، وهذا حصل إلى جانب تحرير التجارة على الصعيد الدولي، وعندما لا يستطيع المنتجون الضغط على مستلزمات الإنتاج الأخرى مثل الكهرباء من أحل تخفيض تكاليف إنتاجهم عندها يضغطون على الأجور ويخفضونها. فالضغط على الأجور وارد لأن عرض العمل كبير والطلب على العمل محدود.

قاسيون: كيف تقيّم التوجه الحالي للدولة في ظل هذه الأزمة؟
إن التوجه الذي يحصل في الواقع الحالي مقلق جداً، وأنا لا أعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة الأزمة، بل يمكن أن يحصل ضغط على الأجور ومستوى المعيشة أكثر من هذا بكثير، والسؤال الجوهري: هل تقوم الدولة بالتصحيح أم لا؟ وهل تلعب دوراً في ردم الهوة بين الأجور والأسعار؟  الليبراليون في سورية كانوا يؤكدون وباستمرار، وما يزالون يؤكدون بأن الدولة يجب أن لا تتدخل، مع العلم أن الدولة في الأوقات التي كانت تتدخل بها في الأسواق كانت النزعات التضخمية أقل مما هي عليه الآن، والمطلوب الآن ليس تحديد الأسعار وإنما تدخل الدولة الاقتصادي، وأن تستمر بالإنتاج حتى لا يظن البعض ويفكر بالاحتكار.
إن الأسلوب الوحيد لمنع تدهور في الوضع المعاشي والاقتصادي هو تدخل دور الدولة الفعال لاستيراد منتجات تستورد حالياً من القطاع الخاص فقط، وإذا كان الاحتكار هو السائد الآن فيجب إنتاج ما يقابله  من أجل التحكم بالطلب الاقتصادي، وإن الموقف السياسي وتصريحات الحكومة على مدى الأيام والأسابيع السابقة هي لتهدئة الوضع فقط بشكل نسبي ولأجل قصير، وهذا يؤكد أن اقتصاد السوق الاجتماعي لا يطبق.
في النهاية لا يجوز أن نحلل ظاهرة ونتوقف عندها بل يجب أن نبحث عن جذورها في السياسات الاقتصادية المعتمدة من الدولة، فإحدى السياسات المهمة التي توقفت عندها الدولة هي التوقف عن السكن التعاوني الذي كان يحل معظم المشاكل السكنية. ويجب التركيز على السياسات التي كانت وراء هذه المواقف، وما علاقة هذه السياسات بارتفاع الأسعار العقارية الحالية.

آخر تعديل على السبت, 01 تشرين1/أكتوير 2016 14:56