من يملك يحكم.. ويسحق أيضاً
عملاً بنظرية من «يملك يحكم»، تحولنا من دولة وجمهورية إلى مجموعة مزارع وملكيات موزعة على فئة من رجال الأعمال الفاسدين، الذين عاثوا فساداً في البلاد واستغلوا حقوق العباد، وهؤلاء الفاسدون- «النهب الكبير تحديداً» تحولوا إلى ديناصورات مال وأعمال، وتحكموا بكل مفاصل الاقتصاد السوري خلال السنوات الماضية، ولأن القطاع العام كان شوكة في حلقهم
قاموا بتخسير مقصود لهذا القطاع الحيوي، فكانت النتيجة تدهور الصناعة والزراعة، ومزيداً من العصي في عجلات هذين القطاعين، وذلك لفتح أبواب البلاد على مصارعيها أمام القطاعات غير الإنتاجية من سياحة وبنوك ومصارف وبورصة، لتبيض الأموال المسروقة والمختلسة، وقوننة النهب في القطاع العام (عن طريق ما يسمى بالتشاركية) التي أعطت الحق لفئة من (محدثي النعمة) في التنعم بغنائم هذه الكعكة.
أما مجالس رجال الأعمال التي تم تشكيلها على حساب غرف الصناعة والتجارة، فلها طعم آخر، فهي أيضاً كانت نتيجة طبيعية لتوحيد قوى السوق و«السوء» التي أرادت المشاركة من باب (أنا أملك أنا أشارك)، ولذلك ليس من المستغرب أن يتم تأمين البنية التحتية اللازمة لهذا التحالف القديم- الجديد (قوى المال والسلطة)، من فنادق نجومية وأماكن لعب الورق (القمار) والحفلات المجلجلة، فالأولاد بحاجة إلى مدارس وجامعات خاصة ذات امتياز أمريكي وأوروبي، والنساء بحاجة إلى مراكز المساج والرياضة والتنحيف والنفخ أحياناً، والرجال بحاجة إلى مراكز اللهو والسهر حتى الصباح، هذا عدا المولات والمدن السياحية وقد يكون هناك نواد للتعري عما قريب أيضاً.
لأن من «يملك يحكم» ولن يصبح جمعية خيرية، كما أدعى كبير هذه الجوقة، ولن يصدق الشارع السوري من كان يهين الكرامات، فمنذ زمن ليس كثير القدم كان يقال إن أحد مالكي الجزيرة كان يتلذذ يومياً بتعذيب عدد من رجال المنطقة من الفلاحين، ويضعهم في مسبحه المجبول بالطين ويضحك وهو يشاهد هذا المنظر (السادي) حتى الثمالة، وكأن هذا الماضي يعيد نفسه الآن في حاضرنا، فمن تربى على قهر الآخر لن يبدل أمره من تلقاء نفسه!.
ومن هنا نجد المقامر الذي يضع سائقه وحاشيته جانباً ليربح «الدق»، وكذلك من يأتي بلاعب شطرنج ويغلبه ومن يجبر الآخرين على خدمة «أركيلته»، ومن يكلف الآخر بقتل غيره وسحقه وكله تحت سطوة من «يملك يحكم» و«العين ما بتعلى على الحاجب»، ولا أدري إذا كان هؤلاء أنفسهم يدرون بأنهم يحفرون قبورهم بحوافرهم؟!