تاجر الأزمة يستطيع على ما لا تستطيعه الحكومة!
بات الغلاء هم المواطن وخلفية يومياته، في ظل الأوضاع التي نعيشها، وغدت الأعياد والمناسبات تحمل معها البؤس بدل أن تبعث في نفسه الفرح لتنسيه ما تغتاله الحرب يومياً.
حملت المصائب للمواطن أيضاً بؤساً من نوع آخر، فجميعها تلاحق لقمة عيشه التي تبقيه على الحد الأدنى من قيد الحياة، فيقضي آخر 25 يوماً من شهره وهو يسطر قوائم انتظار لضرورياته، المؤجلة من شهر لآخر، في ظل انفلات ملحوظ في الأسعار، دون وجود أمل لتحققها.
تحكم بالأسواق على حساب الجوع
تسير في أسواق المدينة، أو ما تبقى منها، لتجد تآزراً خفياً لبيع أسعار المواد بسعر محدد، يزيد ولا ينقص، وبأرقام مذهلة مقارنة بفترة ماقبل الأزمة من حيث السعر، وهنا لا يسع المواطن التكبر عند الحديث عن قوت يومه، ومن حيث النوع حيث بلغت جودتها وعلى حد قول أحد الفلاحين «كثير منها كان يرمى كعلف للماشية» هو اليوم يصدر للأسواق بجودة أقل وأسعار أكبر.
ربما يبلغ البائع أو التاجر من الوقاحة حداً يترك بضاعته حتى تتلف وينقص من سعرها، وقد يرمى بها إلى القمامة ولا يبيعها، ليحافظ على معادلة العرض والطلب، وضمان عدم كسر الأسعار، باعتبار أن المورد واحد يحتكر السوق ويضع الأسعار، ومن لا يلتزم من الباعة يتم نبذه أو القضاء عليه دون الاكتراث لسرعة عطب بعض المواد الزراعية وفترة صلاحيتها الذي يؤثر على سعرها، وهو الأمر الذي يضطر بعض المواطنين لشرائها حتى في أسوأ حالاتها، لكن المشهد الأشد قسوة هو اضطرار بعض المُعسرين من النسوة أو العجائز أو الأطفال لجمع هذه الخضار، فيحافظ التاجر على ربحه على حساب جوع هؤلاء.
دور التاجر أكبر من دور الدولة
الإجراءات الحكومية عبر محاولات كبح الأسعار الفاشلة و«التدخلات السلبية»، تأتي كمن يضرب في الماء، والشماعة الدائمة هي وضع الخطأ على فساد الرقابة أو تعاميها، متجاهلين السياسات الحكومية التي تُشكل فيه الرقابة رأس جبل الجليد فقط، فلا الرقابة هي المقصر، ولا الباعة هم المتلاعبون والناهبون، ولا المراقبون هم المرتشون فحسب، إنما هي السياسات الاقتصادية للحكومات المتتالية التي أوصلتنا إلى هنا، كما أوصلت كبار التجار إلى هذا التحكم، دون وجود مؤشرات لتغير هذا الواقع، وإلا كيف يمكن لتاجر واحد أن يضبط سوقاً بأكمله بينما تعجز مؤسسات الدولة عن القيام بذلك!.
تراجع لحساب مصالح البعض
يغدو المطلوب وبإلحاح عودة الدور الحقيقي لمؤسسات الدولة، من خلال ضبط وإدارة الأزمة بالشكل الصحيح، عبر كف أيدي الفاسدين والناهبين على المستويات كلها، فلا مبررات حقيقية لهذا الانفلات، إلا مصالح هؤلاء، ما يطرح عدة تساؤلات عن أسباب التراجع الملحوظ للدولة في دورها بعملية ضبط الأسعار ومراقبة الأسواق وغيرها، أو لنقل تجاهل هذا الدور لحساب أدوار أخرى للمستفيدين والفاسدين وغيرهم.