عناوين ومضامين لافتة في خطاب الولاية الرئاسية الجديدة
لعل اللافت في تلقي المواطنين السوريين الذين استطلع التلفزيون السوري آراءهم بعد خطاب القسم لولاية دستورية جديدة للسيد الرئيس بشار الأسد، مباشرة، هو أن غالبيتهم التقط من الخطاب تناول رئيس الجمهورية لموضوعة مكافحة الفساد، بما يعكس فعلياً اهتمام الناس بهذا الموضوع بحجم استيائهم من منعكساته ولاسيما على حياتهم اليومية المعيشية. وقد ورد في متن الخطاب أن «المكان الذي توسع فيه الفساد فعلا.. هو الاقتصاد الذي توسع. عندما يتوسع الاقتصاد وتتوسع المصالح وتتوسع حركة الأموال ويتوسع الاحتكاك بين الدولة والمال من دون إيجاد آليات قوية لمكافحة الفساد.. فهنا يتوسع الفساد..» وبالفعل فإن هذا يغطي كل القوى غير النظيفة في مراتب الدولة كافة والمجتمع بتحالفهما على حساب لقمة الناس وكرامة البلد بمواقفه من مجمل التطورات في المنطقة والتحديات المفروضة عليها بما فيها جبهة الجولان.
ونذكر في هذا المجال بما أكدنا عليه سابقاً من أن «مراكز الفساد الكبرى تعد بوابة العبور للعدوان الخارجي» وأن «خدام يشكل قمة جبل الجليد، وأن السفن تصطدم عادة بقاعدة جبل الجليد وليس بقمته»، ما يستدعي العمل الجدي لمكافحة الفساد و«تفكيك منظومته كيلا تعيد إنتاج نفسها» كما سبق للرئيس الأسد نفسه أن أشار إليه خلال ولايته الأولى عبر لقاء تلفزيوني مع قناة عربية.
ومن النقاط اللافتة في الخطاب أيضاً هو تأكيد رئيس الجمهورية على أن ترداد مسألة رفع الدعم هي قضية «إما تشويش أو إشاعات أو عدم معرفة»، مستدركاً بتهكم «هناك حالة وحيدة لكي نلغي الدعم عن المواطن.. ربما إذا صدر قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع.. لا تستغربوا أن يأتي يوم يقولون أن دعم الفقراء هو دعم للإرهاب».. وأوضح الرئيس أنه «تم إقرار مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي الذى يفتح المجال واسعا أمام المبادرة الفردية والاحتكام إلى آليات السوق.. في إطار قيادة الدولة للعملية التنموية.. وإدارتها لحركة النشاط الاقتصادي.. وتهيئتها البيئة التنظيمية المحفزة.. وفى ضوء استمرار الدولة فى أداء دورها راعياً لحقوق الشرائح الشعبية.. بما يتضمنه ذلك من تحقيق العدالة الاجتماعية.. ومكافحة الفقر والبطالة.. وتدعيم شبكات الأمان الاجتماعي». ولعل من شأن ذلك أن يقطع الطريق على أقطاب الفريق الحكومي الذين روجوا لاتجاهات معاكسة لهذه المسائل على دفعات متلاحقة حتى الأمس القريب معتبرين أن «القرار السياسي قد اتخذ فعلاً بهذا الخصوص».
وفي نقطة أخرى، فإن الناس ينتظرون بلا شك، ترجمة الأجهزة الحكومية لما ورد في الخطاب بخصوص أن «التحدي المستقبلي الآن وفى المرحلة المقبلة هو أن هذا الرقم (نسبة النمو المحققة في سورية) الذى انعكس على عدد معين من الأشخاص فى هذا الوطن.. أو شرائح معينة. التحدي الأكبر.. كيف نوسع الفائدة من هذا الرقم لكي تنعكس على الجزء الأكبر.. أو الشرائح الأوسع في سورية»، وبطبيعة الحال فإن هذه النقطة مرتبطة بقضية مكافحة الفساد وإيجاد آليات جدية لتكبيله وتفكيكه.
إن مواجهة التحديات الخارجية تمر عبر الاستجابة لمتطلبات الوضع الداخلي كافة، حيث لم يعد هناك من فصل بين القضايا الوطنية والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية، وقد غطى الرئيس الأسد إلى جانب القضايا آنفة الذكر مسألة ضرورة إصدار قوانين الأحزاب والانتخابات والإعلام بالإضافة إلى حل قضية إحصاء 1962 حلاً جذرياً كاملاً، وإن من شأن الإسراع في إنجاز ذلك تقوية الجبهة الداخلية من منطلق الضرورة وليس الإمكانية. وقد جاء في الخطاب إن «مفهوم الأولويات لا يعنى واحد ثم اثنان ثم ثلاثة.. نحن نقول بالتوازي.. لكن مفهوم الأولوية هو مفهوم تركيز الجهود...»
وبخصوص ما يروجه الكيان الإسرائيلي بخصوص الاستعداد لاستئناف محادثات السلام مع سورية (بالتوازي مع إجراءه مناورات عسكرية واسعة في مرتفعات الجولان ذاتها) قال الرئيس الأسد إن ما يلزم للبدء في التفاوض هو «أولا الإعلان الواضح بالجدية ثانيا تقديم الضمانات حول عودة الأرض كاملة». مضيفا: «لا يمكن أن ندخل مع إسرائيل في مفاوضات لا نعرف حول ماذا. المطلوب بالحد الأدنى تقديم وديعة... او شيء مكتوب» (كوديعة رابين) موضحا «نحن مع استئناف التفاوض لتحقيق المبدأ الأساسي الذي نظم العملية من الأساس واقصد الأرض مقابل السلام بما يضمن عودة الجولان كاملا حتى خط الرابع من حزيران عام 1967».
وأعاد الرئيس الأسد تأكيد مواقف سورية بخصوص ضرورة خروج المحتل من العراق، وضرورة أن يتم اللقاء بين الأشقاء الفلسطينيين على مشروع وطني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.. مشدداً على أن «تطورات الأحداث جعلتنا أكثر إصراراً على المقاومة نهجا وخيارا لإحقاق الحقوق وعودة الأرض وصيانة الكرامة».. وأن « التمسك بالمقاومة ثقافة وأسلوب حياة للعمل والنضال.. هو الكفيل بضمان مستقبل الأمة وعزتها».
اللافت من ناحية أخرى، أنه غداة الخطاب أرسلت باريس مبعوثاً إلى دمشق، في خطوة قللت من أهميتها واشنطن، وجاءت قبل يوم من جلسة مخصصة للاستماع لتقرير براميرتز الثامن، وقبل ساعات من انعقاد جلسة أخرى لمجلس الأمن خصصت لبحث «تطبيق القرار 1701، وقضية معاينة الحدود السورية اللبنانية»، ووصفت بأنها كانت جلسة مدوية بسبب رسالة سورية الموجهة للمجلس، والتي يتوقع أنها تولت من ضمن قضايا أخرى، تفنيد مشروع نشر قوات دولية على الحدود، استجابة لمطالب حكومة السنيورة، المنسجمة ضمناً مع غايات أولمرت، ضمن محاولة التضييق على سورية والقوى الوطنية اللبنانية، وفي مقدمتها المقاومة، في سياق المشروع العدواني المفروض على المنطقة رغم حالة المد والجزر التي تنتابه.